من ترامب إلى بايدن... العداء الأمريكي للصين عرض مستمر

 في ظِل عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حبس العالم أنفاسه أكثر من مرة، خوفًا من أن يتخذ الرجل، الذي اشتهر بتهوره، قرارًا بالحرب ضد الصين.

من ترامب إلى بايدن... العداء الأمريكي للصين عرض مستمر
علم صيني معلق بين الأعلام الأمريكية في مدينة نيويورك

السياق

 في ظِل عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حبس العالم أنفاسه أكثر من مرة، خوفًا من أن يتخذ الرجل، الذي اشتهر بتهوره، قرارًا بالحرب ضد الصين.

هذا الشعور العالمي، جاء بعد قرارات عدة، بحظر التعامل مع شركات صينية نافذة، بل وصل الأمر حد التخوف من اصطدام وشيك...!

ومع خروج ترامب من البيت الأبيض، استشعر العالم، أنه آن الأوان لأن يلتقط أنفاسه، وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن، سيتخذ سياسة أكثر هدوءًا، إلا أن الأمور سارت عكس ما يشتهيه العالم، إذ يبدو أن العداء الأمريكي للصين، متأصل ومتواصل، وقد لا ينتهي قريبًا.

فعلى خُطى ترامب، في ما يخص قرارات الحظر ضد الشركات الصينية، سار بايدن، واتخذ قرارًا مكملاً، بحظر التعامل مع 59 شركة صينية، على رأسها عملاق الاتصالات الصيني "هواوي".

الحظر على الاستثمارات الجديدة، يسري في 2 أغسطس المقبل، إلا أن بايدن فاته، كما كان الحال مع ترامب، أنه يحق للمستثمرين الطعن على القرار أمام القضاء، وهو ما سيعيد إرباك هؤلاء المستثمرين، بشأن مدى وصولهم إلى الشركات التابعة للشركات المحظورة.

الشركات المستهدفة

بايدن أعاد الحظر على مجموعة من الشركات التي سبق أن حظرها ترامب، بما في ذلك أكبر شركات الاتصالات في البلاد China Mobile Communications Group Co و China Unicom Ltd وChina Telecommunications Corp، إلى جانب Inspur أكبر صانع للخوادم.

القرار أيضًا، تضمن بعض الشركات الدفاعية منها: شركة صناعة الطيران الصينية المحدودة، التي تُعَدُّ من أشهر الشركات العسكرية العملاقة الصينية، وشركة مجموعة الصناعات الشمالية الصينية، وشركة الصين لعلوم وصناعة الطيران المحدودة، وشركة الصين لصناعة وبناء السفن.

وشملت قائمة بايدن أيضًا شركة Hangzhou Hikvision Digital Technology Co، مطور كاميرات المراقبة وتقنية التعرف إلى الوجه، التي ساعدت السُّلطات الصينية في طرح "مبادرات مدينة آمنة" في شينجيانغ، حيث ساهمت في حملات الاضطهاد ضد أقلية الأيغور.

كما تضم الشركات، المدرجة في قائمة بايدن أيضاً، التي لم يشملها الحظر الأولي لترامب، شركة Zhonghang Electronic Measuring Instruments Co و Jiangxi Hongdu Aviation Industry Co.

خلافات متأصلة

الخلافات الأمريكية - الصينية، متأصلة، ولا تنتمي إلى إدارة أمريكية بعينها، فبعد علو سقف الخلافات إبان حكم ترامب، جاءت إدارة بايدن، لتكمل هذه السياسة، وهو ما ظهر في اجتماعات ألاسكا، مارس الماضي، وبحضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، حيث أجرى عضو المكتب السياسي الصيني، وكبير الدبلوماسيين يانغ جيتشي، ووزير الخارجية وانغ يي، مناقشات صعبة ومثيرة للجدل، عن الانتقادات الأمريكية المتزايدة للصين... ومنها: سجل حقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت، وقمع الحقوق الديمقراطية في هونغ كونغ، والهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة، والسلوك العدواني تجاه حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.

ورد يانغ جيتشي في دقيقتين، على ملاحظات بلينكين الافتتاحية، التي استمرت 16 دقيقة، متهمًا الولايات المتحدة بالتعالي والنفاق، وقال إن القيم الأمريكية، لا تمثل الرأي العام العالمي، وأنها غير مؤهلة لإلقاء أي محاضرات للصين عن هذه القضايا، مضيفاً: لن تقبل الصين أي تدخل في سيادتها، مثل هونغ كونغ أو التبت أو شينجيانغ أو تايوان، وأصر يانغ على أن الولايات المتحدة، يجب أن تمنح الصين المساواة في المعاملة.

ورغم أن الاجتماع، ساعد الجانبين في اكتساب الإحساس باختلاف تصوراتهما، والمسار المستقبلي لعلاقتهما، فإنه أوضح أن الاختلافات والخلافات بينهما، ستكون طبيعية، كونها بالأساس متأصِّلة ومتجذِّرة، ومن ثم فإن الوصول إلى حل سيحتاج إلى وقت أطول، مع فرصة ضئيلة للنجاح.

فعلى الجانب الصيني، سرعان ما تبدَّد أي توقُّع بأن إدارة بايدن ستستأنف العلاقات الطبيعية، أو تزيل الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية، والعقوبات المفروضة على رفض التقنيات الحساسة والتأشيرات، وغيرها من القيود المفروضة على أعضاء الحزب الشيوعي، والطلاب الصينيين والصحفيين والشركات.

ميزان القوى العالمي

يعكس التناقض المتزايد، بين الولايات المتحدة والصين، الاختلافات المتزايدة في تصوراتهما المتبادلة، بسبب الإيمان بتفوق أنظمتهما السياسية، وزيادة الوزن في ميزان القوى العالمي المتغيِّر، والضغوط المحلية.

من جانبه، يعتقد الرئيس بايدن، أنه من خلال التحفيز البالغ 1.9 تريليون دولار ، يكتسب الاقتصاد الأمريكي قوته، وبتفوق النظام السياسي الأمريكي، وقوته التكنولوجية والعسكرية والدعم المتزايد من حلفائه وشركائه، ستنتصر الولايات المتحدة -نهاية المطاف- في منافستها.

وبالنظر إلى المشاعر المعادية للصين، المتزايدة في الولايات المتحدة، والضغط القوي من الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين، لا يمكن أن تبدو إدارة بايدن ضعيفة في تصميمها، حيث قال بايدن، إنه فخور بالموقف الذي اتخذه وزير خارجيته، في إشارة إلى الانتقادات التي وجَّهها إلى بكين، خلال اجتماع ألاسكا.

بينما يلعب الرئيس الصيني شي جين بينغ، على تفوق النظام السياسي الصيني، للسيطرة على وباء كورونا وإنعاش اقتصادها، بل يعتقد أن الشرق آخذ في الارتفاع والغرب يتراجع، وأن الوقت في صالح الصين، وأنه كلما أصبحت الصين أقوى، كانت الولايات المتحدة أقل تحرُّرًا.

قرارات معاكسة

في 22 مارس الماضي، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا -بشكل متزامن- عقوبات إضافية على عدد من المسؤولين الصينيين، لانتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ، وهو ما ردت عليه الصين بفرض عقوباتها الخاصة، على مجموعة من الأفراد والمنظمات الأوروبية، ما أدى إلى زيادة دوران علاقتهم، وإثارة علامات استفهام عن موافقة البرلمان الأوروبي على الاتفاقية الشاملة للاستثمار (CAI).

بعد أن وصف بايدن الرئيس الروسي بوتين بأنه "قاتل" ، قرَّر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، زيارة الصين في 22 مارس.

واتهم البلدان، الولايات المتحدة، بإنشاء تحالف شبيه بالحرب الباردة، وضربا بالعقوبات الغربية المرتبطة بحقوق الإنسان، عرض الحائط. وقرَّرا تعميق التعاون، في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لمواجهة الضغوط الأمريكية.

كما تتشاور الصين مع دول أخرى، مختلفة مع الولايات المتحدة، مثل تركيا وإيران، لتشكيل مجموعة، لإظهار أنها ليست معزولة.

أما الخلافات العسكرية، فأبرزها ما يحدث في بحر الصين الشرقي، حيث نشرت الصين أصولًا عسكرية، أكثر من الولايات المتحدة (1250 طائرة مقاتلة صينية إلى 250 غواصة أمريكية ، وغواصات أكثر بست مرات وتسعة أضعاف عدد سفن حربية من الولايات المتحدة)، لكن من المرجَّح أن تضع الولايات المتحدة، المزيد من الأصول العسكرية في المنطقة، للوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه اليابان وتايوان ودول أخرى.

كما سيكون هناك المزيد من التدريبات العسكرية المشتركة، في بحر الصين الشرقي، لردع الموقف العدواني لبكين.

مع زيادة تدهور علاقة الصين بالولايات المتحدة، لن تسير الأمور على ما يرام، بالنسبة لكبار القادة الصينيين، حيث تحتفل البلاد بالذكرى المئوية للحزب الشيوعي في 1 يوليو 2021، ويسعى شي إلى ولاية ثالثة، عام 2022، لذلك تتبنى الصين الآن سياسة منخفضة، حيث ألغت العرض العسكري في احتفالات الذكرى المئوية للحزب، فهل يعني ذلك انخفاضًا في مستوى العداء، أم أن للرئيس الأمريكي جو بايدن رأياً آخر؟!