بسبب تركيا... مصر تعيد ضبط استراتيجيتها في ليبيا

يبدو أن الحكومة المصرية، مستعدة لدعم السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة

بسبب تركيا... مصر تعيد ضبط استراتيجيتها في ليبيا
عبدالفتاح السيسي

ترجمات - السياق

نشر مركز الأطلسي للدراسات، تقريراً عن إعادة ضبط مصر لاستراتيجيتها في ليبيا، معلِّلاً ذلك بالتقارب المصري التركي، وانعكاسه على الحل السياسي الهش في ليبيا.

وذكر تقرير الأطلسي، أن القاهرة من العواصم الرئيسة، التي يجب الانتباه إليها، رغم أن استئناف عملية السلام السياسي في ليبيا، أعاد التركيز على الجهات المحلية الفاعِلة، إضافة إلى تحرُّكات اللاعبين الخارجيين، لتقييم إمكانية التهدئة، بين الفصائل الليبية المتنافسة.

إذ وجَّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الدعم العسكري واللوجستي والاستخباراتي، إلى قائد الجيش الوطني الليبي، شرقي ليبيا، الجنرال خليفة حفتر، بعد الانتخابات الرئاسية المصرية عام 2014، كمرشح مثالي لاستعادة الاستقرار في ليبيا، وحماية المصالح الاستراتيجية لمصر، وتجنُّب التدخل المباشر والمكلف في ليبيا.

لكن فشل الحملة العسكرية، التي قادها حفتر بين عامي 2019 و2020، عطَّل الاستراتيجية المصرية، وأجبر القاهرة على إعادة النظر في خُططها، ما قلَّص دعمها للجنرال، مع الانفتاح على حل سياسي افتراضي.

وتُمثِّل استعادة القاهرة، للعلاقات الدبلوماسية مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، محاولة من الرئيس السيسي لإعادة ضبط استراتيجيته، من أجل تجنُّب التصعيد العسكري، الذي لا تستطيع مصر تحمُّله، نظراً لأن الحكومة المصرية منخرطة بالفعل في جبهات عدة "كالتهديد الإرهابي في شبه جزيرة سيناء، ونزاع سد النهضة الإثيوبي".

وراهنت مصر، على إعادة إطلاق المسار الدبلوماسي، لتظهر على أنها اللاعب الأكثر طلباً للتسوية، بين داعمي الجنرال الليبي.

تدرك مصر جيداً، أن أمنها القومي واستقرارها الداخلي، مرتبطان حتماً بأمن حدودها مع  ليبيا، وذلك أحد الأسباب التي دفعت مصر إلى إعلان خطها الأحمر بشأن تقدُّم الميليشيات الغربية، نحو حدودها في يونيو 2020، وقبلت على الفور وقف إطلاق النار، الذي اقترحته حكومة الوفاق الوطني في أغسطس 2020، دعماً لجهود بعثة الأمم المتحدة، لاستئناف الحوار الوطني الليبي.

كما دعت مصر إلى وقف إطلاق النار، الموقَّع في جنيف، في 23 أكتوبر 2020، بين الأطراف المتنافسة على الأرض الليبية.

ويبدو أن الحكومة المصرية، مستعدة لدعم السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة، كما يتضح من اقتراح إعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس، وكذلك من خلال توقيع العديد من مذكرات التفاهم، في القطاعات الأساسية، بما في ذلك الطاقة والاتصالات والبنية التحتية والاستثمارات والنقل، خلال زيارة رئيس الوزراء المصري للعاصمة الليبية في أبريل الماضي.

كما مهَّدت زيارة المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا، إلى القاهرة في مايو الماضي، الطريق لمجالات جديدة من التعاون، بين مصر والولايات المتحدة في ليبيا.

من الواضح، أن المحاور الاستراتيجية للقيادة المصرية في ليبيا، تتكيَّف وتتطوَّر بما يتوافق مع التطورات على الأرض، وتضع في الاعتبار، الآثار الإقليمية الأوسع، لا سيما علاقاتها مع تركيا، التي تدهورت نتيجة دعم أنقرة للإخوان المسلمين.

في هذه المرحلة، يصبح من الضروري لمصر، أن تنأى بنفسها بحذر، عن الاستراتيجيات الإقليمية، لتشكِّـل دوراً أكثر استقلالية وتيسيراً للسلام، في الملف الليبي، ومن مصلحة القاهرة، إبداء مزيد من الاعتدال، على المستوى الدولي، لتجنُّب الصراعات المحتملة، مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتدال ضروري، على المستوى الإقليمي مع تركيا، وضمن هذا السيناريو الجديد، فإن إحدى ركائز استراتيجية القاهرة، إصلاح قطاع الأمن في ليبيا.

وبالفِعل، فإن أي محاولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا، لا يمكن فصلها عن دعم مؤسسة موحَّدة للقوات المسلحة، وتطهيرها من الميليشيات والمقاتلين الأجانب.

وفي الوقت ذاته، يبدو أن القاهرة تكافح، لإيجاد دور في القوات المسلحة المستقبلية، التي ستُنشأ من خلال إصلاح قطاع الأمن، للجنرال حفتر ورجال دائرته، لأن تهميشه قد يؤدي إلى تعزيز خطير للقوات المسلحة، والجماعات المتحالفة مع تركيا في ليبيا، وتصاعُد نفوذ ميليشيات طرابلس، خاصة أن العملية السياسية الحالية لم تتحدَّد.

لذا هناك أسباب لاستئناف الحوار الدبلوماسي الرسمي، بين القاهرة وأنقرة، من خلال المحادثات الثنائية رفيعة المستوى، التي عُقدت بالقاهرة، من الخامس إلى السادس من مايو الماضي، إذ حدَّد الجانبان مجالات التعاون الرئيسة في المستقبل القريب، إحداها ليبيا والحاجة المشتركة لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في منطقة شرق المتوسط.

كما استجابت مصر، بحذر للمبادرات التركية، إذ رغم المؤيدين لـ "الصفقة الكبرى" المحتملة بين البلدين، لا يزال هناك الكثير من المصالح المتضاربة، خاصة في ما يتعلق بليبيا.

فعلى المستوى العسكري، يمكن أن تتقبَّل تركيا، انسحاب الآلاف من المرتزقة السوريين، الذين ترعاهم في ليبيا (يصعب تقييم العدد بدقة)، مع الحفاظ على وجود عسكري تركي دائم، وفقاً لاتفاقية الدفاع التركية الليبية الموقعة عام 2019، هذا الموقف، غير مقبول إطلاقاً من الحكومة المصرية، التي لن تتراجع عن شرط خروج القوات التركية والمرتزقة التابعين لها من ليبيا.

إذ تخشى مصر، أن تكون رعاية أنقرة العسكرية للميلشيات في طرابلس، والدعم طويل الأمد لجماعة الإخوان المسلمين، سبباً في تشكيل حكومة ذات توجُّه إسلامي في ليبيا.

هذه مخاطرة لا يريد الرئيس المصري خوضها، ولا حتى من أجل اتفاق عام مع أنقرة، لأنه يَعُدُّ التنظيم تهديداً للأمن القومي.

ويحافظ اتفاق تركيا مع مصر، على دور الأخيرة العسكري والسياسي والاقتصادي في برقة، المنطقة الساحلية الشرقية لليبيا، حيث يتمركز الجيش الوطني الليبي، ويوفِّر فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع ليبيا.

كما ستكون لدى أنقرة والقاهرة قدرة مشتركة، على تحفيز الحل السياسي الهش في ليبيا، في حال عَمِلا جنباً إلى جنب، مع حماية مصالحهما على الأرض، كما لم تثبت أي جهة فاعِلة، إقليمية أو أوروبية أخرى، أنها قادرة على ذلك.

هذه الفرصة يجب ألا تضيع، بسبب انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين، إذ في الواقع، يمكن أن تكون ليبيا سيناريو بناء الثقة، بين اللاعبين الإقليميين الرئيسين، ما قد يؤدي في النهاية، إلى تحسين الاستراتيجيات الإقليمية لقضايا أخرى، كالطاقة ومستقبل سوريا.