عرّاب استقرار الليرة في مرمى الاتهامات... تحقيق فرنسي يعيد أزمة تضخُّم ثروته إلى الواجهة

بينما تحمِّل جهات سياسية في لبنان، مسؤولية انهيار العملة الوطنية لسلامة، الذي كان -على مدى سنوات- عرّاب استقرار الليرة، دافع الأخير مراراً عن نفسه، قائلاً إن المصرف المركزي موَّل الدولة، لكنه لم يصرف الأموال.

عرّاب استقرار الليرة في مرمى الاتهامات... تحقيق فرنسي يعيد أزمة تضخُّم ثروته إلى الواجهة
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

السياق

إجراء فرنسا، تحقيق أولي عن ثروة حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة في أوروبا، أعاد القضية مرة أخرى إلى الواجهة.

فبينما تحمِّل جهات سياسية في لبنان، مسؤولية انهيار العملة الوطنية لسلامة، الذي كان -على مدى سنوات- عرّاب استقرار الليرة، دافع الأخير مراراً عن نفسه، قائلاً إن المصرف المركزي موَّل الدولة، لكنه لم يصرف الأموال.

وقالت «فرانس 24»، في تقرير، إن النيابة المالية الوطنية في فرنسا، فتحت تحقيقًا أوليًا في ثروة رياض سلامة، الذي يقود المصرف المركزي اللبناني منذ عام 1993. 

تآمر جنائي

وأوضحت أن هذا التحقيق فُتح أواخر مايو الماضي، في قضية «تآمر جنائي وتبييض أموال في عصابة منظمة»، مشيرة إلى أن التحقيقات يُفترض أن تسمح بتوضيح مصدر الثروة الكبيرة، التي يملكها سلامة.

وقدَّمت في أبريل شكويين تستهدفان سلامة، وثروته الكبيرة في أوروبا، أمام نيابة مكافحة الفساد في باريس.

وسبق أن فُتح تحقيق، بحق سلامة وشقيقه رجا ومساعدته المقرَّبة ماريان حويك في سويسرا، وتتناول التحقيقات تحويلات مالية بأكثر من 300 مليون دولار، أجراها الرجلان بين لبنان وسويسرا.

أموال قانونية

وشدَّد سلامة، الذي يملك فيللا على سواحل الأنتيب، جنوبي شرق فرنسا، أكثر من مرة، على أن أمواله كلها مصرَّح بها وقانونية، وأنه جمع ثروته مما ورثه، وعبر مسيرته المهنية في القطاع المالي.

وفي 8 فبراير الماضي، استدعى القضاء اللبناني سلامة، بتهمة إساءة الأمانة، إلا أن محاميه تقدَّم بدفوع شكلية، في انتظار رد القضاء.

كما يواجه مهندس السياسة المالية اللبنانية، قضايا تتعلَّق بتبييض الأموال في سويسرا، حيث يُتهَم سلامة بتحويل 400 مليون دولار، إلى سويسرا، بطريقة غير مشروعة، بينما يقول إن أمواله المودعة هناك، لا تتعدى 240 مليون دولار.

وكانت السلطات اللبنانية، طلبت من نظيرتها في سويسرا، معلومات عن التحويلات التي جرت من لبنان للتحقيق فيها، لكنها لم تتلق أي جواب.

الإهمال الوظيفي

وفي 28 يناير، بحسب تقارير رسمية، ادَّعت النائبة العامة الاستئنافية، في جبل لبنان، القاضية غادة عون، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومسؤولة في البنك المركزي، بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة، في عملية إدارة الدولار المدعوم.

كما ادَّعت على ميشال مكتّف، وهو صاحب شركة بارزة، تستورد الدولار من الخارج، وعلى الصرّاف عبدالرحمن الفايد، بجرم مخالفة قرار إداري، وأحالتهم جميعاً إلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، نقولا منصور لاستجوابهم.

أرباح طائلة

وأوضحت التقارير الرسمية، أنّ الادعاء «مبني على معطيات، تفيد بأن عملية صرف الدولار المدعوم، لم تذهب كلّها في الاتجاه المحدَّد لها، أي دعم استيراد المواد الغذائية الأساسية، بل جرى توزيع مبالغ كبيرة على صرّافين محظوظين، حقَّقوا أرباحاً طائلة، على حساب دعم الأسر الفقيرة».

وقالت إن قيمة المبالغ، التي ذهبت إلى جيوب صرّافين ومؤسسات مالية، تفوق خمسة ملايين دولار، في وقت يعاني لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية.

وفي الشهر نفسه، تسلَّم القضاء اللبناني، مراسلة من القضاء السويسري، تتضمَّن طلب مساعدة بتحقيق جنائي، تجريه بشأن تحويلات مالية من لبنان.

وبحسب مصدر قضائي لبناني، فإن المراسلة السويسرية، تتضمَّن تحويلات بـ 400 مليون دولار، تخص سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي، بينها شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان.

إلا أن النيابة العامة الفدرالية في سويسرا، أوضحت أن طلبها مرتبط «بتحقيق في غسل أموال، على ارتباط باختلاس أموال محتمل، من مصرف لبنان» من دون أن تذكر أسماء المشتبه فيهم.

 

نفي رسمي

الاتهامات السويسرية والللبنانية، نفاها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، مؤكِّدًا أنه لم يتركب أي مخالفات، معتبرًا في بيان أصدره، أن «كل الادعاءات، عن تحويلات مالية مزعومة، قام بها إلى الخارج، سواء باسمه أو باسم شقيقه أو معاونته، إنما هي فبركات وأخبار كاذبة لا أساس لها».

واضطر حاكم المصرف المركزي -منذ أشهر- للتوجُّه بخطاب إلى اللبنانيين، بعد الهجوم الذي تعرَّض له من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي اعتبر حينها أن ثمة معضلة، تتمثَّل بالأداء الغامض لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إزاء تدهور سعر الليرة اللبنانية.

أزمة اقتصادية طاحنة

ويعاني لبنان أزمة مالية طاحنة، منذ عام 2019، أضرَّت بالعملة الوطنية، ونشرت الفقر، وتسببَّت في تعثُّر سداد ديون سيادية، بينما واجهها المصرف المركزي، بكبح وصول اللبنانيين إلى حساباتهم الدولارية، وفرض قيود مصرفية، تحظر التحويلات المصرفية إلى خارج البلاد.

وفي محاولة لكبح جماح الأسعار، في بلد يعيش أكثر من نِصف سكانه تحت خط الفقر، أقرَّ مصرف لبنان في مايو 2020، آلية يوفِّر بموجبها الدولار المدعوم، لدعم استيراد المواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية لصناعتها.

وفقدت الليرة، قرابة ثمانين في المئة من قيمتها مقابل الدولار، في السوق السوداء، بينما لا يزال السعر الرسمي مثبتاً على 3850 ليرة، مقابل 13400 ليرة في السوق السوداء، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد المستوردة، خصوصاً الغذائية.

 

لبنان يغرق

وفاقم انفجار مرفأ بيروت المروِّع، في الرابع من أغسطس الماضي، وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان.

وكان البنك الدولي، قد رجَّح أن يكون مأزق لبنان الاقتصادي الحالي، ضمن أشد عشر أزمات، وربما أحد أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وفي تقرير بعنوان «لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية»، أكَّد البنك الدولي، أن لبنان يواجه منذ أكثر من عام ونصف العام، تحديات متفاقمة، تتمثَّل في أكبر أزمة اقتصادية ومالية في زمن السِّلم، وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.

ورأى البنك، أن استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات، على صعيد السياسات العامة، كانت غير كافية، مرجعًا ذلك إلى "غياب التوافُق السياسي، وحماية النظام الاقتصادي، في إشارة غير مباشرة، إلى السياسات التي اعتُمدت خلال الفترة الماضية.