الطلقة الأخيرة للإخوان من برلين... الانتخابات في موعدها والاقتصاد ينتعش

مؤتمر برلين، يأتي لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، الأول: الالتزام بما أقره مؤتمر برلين 1 بإجراء الانتخابات نهاية العام الجاري، والثاني: توجيه ضربة موجعة لـ"معرقلي" الاستقرار في ليبيا، حتى أن البعض اعتبره الطلقة الأخيرة في رأس المعطلين، لما نصَّت عليه بنود مخرجات المؤتمر الأول، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان.

الطلقة الأخيرة للإخوان من برلين... الانتخابات في موعدها والاقتصاد ينتعش

السياق

بعد مرور أكثر من عقد، يبدو أن الأمور في ليبيا، تتجه نحو الاستقرار النِّسبي، إذ يستعد الفرقاء الليبيون، للاجتماع مجددًا، في 23 يونيو الجاري، بمقر وزارة الخارجية الألمانية في برلين، تحت عنوان (برلين 2)، كما يستعد الليبيون أيضًا للانتخابات في ديسمبر 2021، وهي الانتخابات المتوقَّع لها أن تزيل الغموض السياسي، وتمهِّد لمرحلة جديدة، تتسم بالهدوء والتوافق بين الجميع، ومن ثم إعادة إعمار البلاد، وسط انتعاش اقتصادي، عام 2021 بـ 20.9%، بسبب تعزيز إنتاج النفط والصادرات.

مؤتمر برلين، يأتي لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، الأول: الالتزام بما أقره مؤتمر برلين 1 بإجراء الانتخابات نهاية العام الجاري، والثاني: توجيه ضربة موجعة لـ"معرقلي" الاستقرار في ليبيا، حتى أن البعض اعتبره الطلقة الأخيرة في رأس المعطلين، لما نصَّت عليه بنود مخرجات المؤتمر الأول، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان.

ولتمكين المؤتمر من النجاح، وجَّهت ألمانيا دعوات لبعض الدول والمنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة وأميركا وروسيا وإيطاليا ومصر وتونس والجزائر، لحضور المؤتمر، بصفتها أكثر الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، فضلاً عن عشرات الشخصيات السياسية من داخل ليبيا، وذلك لتوجيه رسالة قوية، مفادها أن المجتمع الدولي، لن يقبل بتعطيل الانتخابات، وأنه ستتم ملاحقة كل الأطراف الساعية إلى نشر الفوضى. 

إجراءات دولية

يأتي مؤتمر برلين 2 في توقيت واضح وصريح، لحمل التنظيمات المسلَّحة على تسليم أسلحتها للحكومة المؤقتة، برئاسة  عبدالحميد الدبيبية، فقرارا مجلس الأمن الدولي 2570 و2571 أشارا إلى ذلك، بشكل واضح وصريح، وأكدا مسألة دعم السلطات الليبية، في حل وتفكيك الجماعات المسلَّحة، والتسريح وإعادة الإدماج وإعادة السلاح، من خلال استراتيجية أممية، لمساعدة السلطات الليبية في هذا الإطار.

الأمم المتحدة، ترى أن مسألة انتشار السلاح وسطوة وسيطرة الجماعات المسلَّحة الخارجة عن القانون، تعيق مسيرة تحقيق الاستقرار في ليبيا، وبناء المؤسسات القوية، وتحقيق سيادة القانون، كما تهدِّد الأمن والسلم الوطني، وتهدِّد جهود التسوية والمصالحة والتحول الديمقراطي، بشكل خطير، نتيجة لعدم انضباط هذه القوى والجماعات المسلَّحة، مؤكِّدة أن "انتشار السلاح في حد ذاته، تقويض وتهديد لكيان الدولة الليبية".

وقال يان كوبيش، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، رئيس بعثة دعم الأمم المتحدة: "يجب دعم التقدُّم المحرز منذ اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، وإطلاق منتدى الحوار السياسي الليبي، وبدء إعادة توحيد مؤسسات الدولة"، داعيًا جميع الأطراف، إلى مضاعفة التزامها بعملية السلام في ليبيا، والاستمرار في المسار قبل الانتخابات الحاسمة، في ديسمبر 2021.

خطوات على الأرض

ورحب كوبيش، باستمرار اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، وقال إن بناء الثقة بين الطرفين المتنافسين على السلطة، مستمر رغم الاشتباكات العرضية، بين الجماعات المسلَّحة.

وفي الأشهر الأخيرة، أطلق الجانبان سراح مئات الأسرى والمعتقلين، مع إطلاق سراح شبه أسبوعي، في مناطق متفرقة، خلال رمضان الماضي.

وتتواصل الجهود أيضًا، لنشر مراقبي بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لدعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار، التي يقودها الليبيون ويملكونها.

ومع ذلك، توقَّف التقدُّم في القضايا الرئيسية، مثل إعادة فتح طريق ساحلي رئيس، وسحب المرتزقة الأجانب والمقاتلين الأجانب، المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر، والتي أقرها مجلس الأمن في القرار 2570.

إضافة إلى ذلك، قال كوبيش، إن تقريرًا صدر مؤخرًا عن لجنة الخبراء، المكلفة بالإشراف على الأوضاع في ليبيا، رسم صورة قاتمة، لعدم الامتثال لحظر الأسلحة المفروض على البلاد.

انتخابات حاسمة

كوبيش أضاف، أن الأمر متروك للسلطات والمؤسسات الليبية، لاستخدام فرص الوحدة والسيادة الوليدة، المستعادة حديثًا، لمواصلة الانتقال السياسي، في إشارة إلى الانتخابات المقرَّرة في ديسمبر المقبل.

وأشار إلى التقدُّم المحرز في التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرَّر إجراؤها في 24 ديسمبر، بما في ذلك تجهيز 2.3 مليون بطاقة، لكنه مع ذلك قال إنه لا تزال هناك خطوات عدة، على السلطات اتخاذها، لإنجاح هذه الانتخابات، حيث تقع على عاتق مجلس النواب، مسؤولية توضيح الأساس الدستوري للانتخابات، واعتماد التشريع الانتخابي اللازم بحلول 1 يوليو، ما يتيح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وقتًا كافيًا للتحضير قبل التصويت.

ورغم أن مشروع قانون الانتخابات الرئاسية المباشرة أيضًا، بدا جاهزًا لعرضه على مجلس النواب، فإن كوبيش حذَّر من أن الاستعدادات للانتخابات، لن تكون مجدية، إذا لم يتم تبني القانون.

المرتزقة والمقاتلون الأجانب

مع استمرار ليبيا على طول الطريق، نحو الانتخابات وبناء المؤسسات، يظل وجود وأنشطة آلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب والجماعات المسلحة، تهديدًا خطيرًا، ليس فقط لليبيا، بل للمنطقة.

في إحاطته الإعلامية، أشار كوبيش إلى حوادث العنف الأخيرة في تشاد، بما في ذلك الاشتباكات مع الجماعات المسلَّحة، التي قتلت الرئيس إدريس ديبي إيتنو في أبريل، قائلاً: إن الحركة العالية للإرهابيين والجماعات المسلَّحة، وكذلك حركة المهاجرين واللاجئين، الذين يتم الاتِّجار بهم، عبر الحدود المليئة بالثغرات، من شبكات الجريمة المنظَّمة، كلها تزيد خطر عدم الاستقرار في المنطقة.

وفي هذا السياق، قال كوبيش إنه يجب سحب المقاتلين الأجانب والجماعات المسلحة في المنطقة، بطريقة منظَّمة، مصحوبة ببرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، إلى جانب الجهود المبذولة، لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع.

خسارة الإخوان

المراقبون يرون أن تعنُّت الإخوان، ومحاولتهم وقف الانتخابات المقبلة، إنما يأتيان لتضاؤل فرصهم في الفوز خلالها، وفي ذلك يقول الباحث في الشأن الليبي، إبراهيم الفيتوري: إن المجتمع الدولي "بدأ يشعر بأن هناك انحرافاً عن طريق المصالحة الوطنية، وتنفيذ بنود خارطة الطريق، القاضية بإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل"، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي "أدرك ما تقوم به تيارات سياسية، وبدأ البحث عن حلول لما تقوم به جماعات الإسلام السياسي في ليبيا، خاصة جماعة الإخوان، أكبر الخاسرين من فِكرة إجراء الانتخابات في موعدها، نظراً لاضمحلال فرصها، في الحصول على فوز بتصويت شعبي".

تنظيم الإخوان يعيق بكل قوة، نجاح مؤتمر برلين 2، لأنه يعي تمامًا أن المؤتمر سيؤكِّد أهمية سحب السلاح من الميليشيات، ومنح الحكومة المؤقَّتة فرصة، لإجراء الانتخابات المقبلة، وفي ذلك قال الفيتوري: إن مؤتمر برلين "سيكون حاسماً، في إيجاد حلول لثلاث مشكلات، أولاها: القضاء على الفساد المالي، الذي أنهك الثروات الليبية، والثانية: تفكيك الميليشيات التي تقف عائقاً أمام الاستقرار، أما الثالثة فهي كيفية التخلُّص من جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، المعرقلة لإجراء الانتخابات".