مَنْ وراء قتل المتظاهرين في العراق؟

شهد العراق نهاية سبتمبر وأول أكتوبر 2019، موجة كبيرة من المظاهرات، بعد دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جموع الشعب العراقي، للخروج في مظاهرات لإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، احتجاجًا على سوء الأحوال المعيشية، والبطالة، والفساد، ونقص الخدمات الطبية والتعليمية.

مَنْ وراء قتل المتظاهرين في العراق؟
متظاهرون عراقيون يرفعون صور الأشخاص الذين لقوا حتفهم خلال المظاهرات المناهضة للحكومة في البلاد

السياق

رغم مرور نحو عامين، فإن أحداث مظاهرات أكتوبر 2019، أو ما أطلق عليها حينها (ثورة تشرين)، مازالت عالقة في الأذهان، حيث من المقرَّر أن يناقش البرلمان العراقي، الأسباب التي أدت إلى سقوط كل هذا الكم من الضحايا (مقتل نحو 100 متظاهر أعزل وجرح نحو 5000 بالرصاص الحي)، وسط مطالب بأن تكون الجلسة علنية، لاستجواب القادة في المؤسسة العسكرية، بحضور ذوي الضحايا، للضغط باتجاه معرفة "لغز" الاغتيالات، والخطف الذي شهدته البلاد، خلال الفترة الماضية. 

كان العراق شهد نهاية سبتمبر وأول أكتوبر 2019، موجة كبيرة من المظاهرات، بعد دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جموع الشعب العراقي، للخروج في مظاهرات لإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي، احتجاجًا على سوء الأحوال المعيشية، والبطالة، والفساد، ونقص الخدمات الطبية والتعليمية.

ومع مرور الوقت، تغيَّـرت البوصلة بشكل مباغت، لم يتوقَّعه حتى القائمون المجهولون على دعوة التظاهر، فقد فوجئ العراقيون، في الأول من أكتوبر، بمظاهرات متفرِّقة في المحافظات الجنوبية في العراق، ذات الأغلبية الشيعية، وسرعان ما امتد زخم تلك المظاهرات إلى العاصمة بغداد.

ومن دون إنذار، ازداد عدد المتظاهرين، في محافظات عدة منها: البصرة، النجف، كربلاء، والديوانية، بينما في العاصمة بغداد، بدأت الحشود التحرُّك نحو جسر الجمهورية، المؤدي إلى المنطقة الخضراء «شديدة التحصين»، التي تضم مبنى الحكومة، البرلمان، وعدداً من السفارات الأجنبية.

حينها تعاملت قوات الأمن مع الموقف، وبدأت إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والمياه الساخنة، في محاولة لتفريق المتظاهرين، فكانت اللبنة الأولى لاشتباكات أوقعت عشرات الضحايا.

جلسات ساخنة

لاشك أن الجلسات المقبلة للبرلمان العراقي، ستكون على درجة عالية جدًا من السخونة، خصوصًا أنها ستفتح هذا الملف الشائك، (ملف الاغتيالات)، خصوصًا مع توجيه نواب في البرلمان،  نحو استدعاء القادة الأمنيين، للوقوف على جرائم خطف واغتيال الناشطين، وسرعان ما أعلن زعيم ائتلاف النصر، حيدر العبادي، أن الائتلاف، بالتعاون مع بقية قوى الدولة، بصدد تفعيل الاستجوابات والمساءلات البرلمانية، للضغط من أجل كشف القتلة في الجرائم السياسية.

وعن ذلك، أوضح رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، في مقابلة مع "السياق" أنه سيوافق على طلب عقد الجلسة، فور وصوله رسمياً إلى مكتبه، بينما أكَّد إمكانية حضور قادة أمنيين، أو من الحشد الشعبي، للمساءلة تحت قبة البرلمان.

ومنذ وصول رئيس الحكومة الحالية، مصطفى الكاظمي، إلى منصبه في مايو 2020، أطلق حملة واسعة، وشكل لجاناً عدة للتحقيق في مقتل الناشطين والمتظاهرين، خلال حقبة سلفه، عادل عبدالمهدي، حيث تقدَّر أعداد الضحايا بآلاف الناشطين، بين قتيل وجريح.

وخلال الأشهر الماضية، توصَّلت الأجهزة الأمنية العراقية، إلى عدد من العصابات المتورِّطة في قتل النشطاء، مثل الصحفي أحمد عبدالصمد، والناشط عمر فاضل، وغيرهم، فضلاً عن عدد من أبناء المؤسسة العسكرية، الذين أثبتت التحقيقات تورَّطهم في إطلاق النار، وفق ما أعلنت وزارة الداخلية، في أكثر من مناسبة.

لا حلول سحرية

«لا توجد حلول سحرية، الحكومة لا يمكنها تحقيق أحلام وطموحات الجميع في فترة قصيرة، ونحن لا نسكن في بروج عاجية، نسير بينكم ونعرف أوجاعكم»، بهذه الكلمات أراد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي، وقت (أحداث تشرين)، أن يطمئن العراقيين، إلا أن الأمور خرجت عن السيطرة.

فقد تملَّك الغضب المتظاهرين، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، وبدأت الاشتباكات بينهم وبين قوات مكافحة الشغب، سيئة السُّمعة بين العراقيين، بينما لجأت الحكومة وقتها، إلى استخدام اللعبة المعروفة، بحجب معظم وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، لكي لا يتمكَّن المتظاهرون من التواصل، ومن ناحية أخرى، لمنع نشر المقاطع المصوَّرة، التي تثير مشاعر الشباب، وتحثُّهم على النزول إلى الشارع.

ورغم ذلك، فإن الوضع لم يهدأ، في بغداد ولا المحافظات الأخرى، وازداد عنف القوات الأمنية، في مواجهة جموع المتظاهرين.

جلسة للاستغلال الانتخابي

الجلسة تأتي، وسط مخاوف من أن تكون مجرَّد جلسة للاستغلال الانتخابي، حيث أن الانتخابات العراقية مقرَّرة في العاشر من أكتوبر المقبل، وسط تساؤلات عن قدرة البرلمان، على تحقيق تقدُّم كبير في هذا الملف، بسبب التعقيدات الكبيرة التي تحيط به، والخلافات بين الكتل السياسية، وتضارب المواقف، وتباين الرؤى، خاصة مع وجود جهات سياسية، تتبعها فصائل مسلَّحة، ترفض توجيه أي اتهام لها.

ومؤخرًا، وكمحاولة منهم لعدم استغلال البرلمان الأمر انتخابيًا، تحرَّك عدد كبير من الناشطين والمدوِّنين العراقيين، سواء عبر الوقفات الاحتجاجية، أو من خلال حملات واسعة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين.

بينما فُهمت تغريدة، نشرها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، على أنها تصب في سياق دعم حملة العراقيين، المطالبة بالقصاص، حيث قال: "عندما يفلت أصحاب النفوذ بفسادهم، يفقد الناس الثقة في مؤسساتهم الحاكمة، وتضعف الديمقراطيات بسبب السخرية واليأس".. وأضاف: "يُعَدُّ إنهاء الإفلات من العقاب، خُطوة أساسية نحو عقد اجتماعي جديد، يقوم على الثقة والنزاهة والعدالة".

وربما يعطي هذا الدعم وهذا الزخم، سواء محليًا أو أمميًا، دفعة لحكومة الكاظمي، نحو استكمال التحقيقات التي تجريها، بالتوازي مع الحراك في البرلمان العراقي، وهو ما يضيِّق الخناق على المجموعات المسلَّحة، والمتورِّطين في الاغتيالات.