الأزمة الأشد في التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر.. لبنان لا تأتيه المصائب فرادى فمتى يتحرَّك العالم؟!

تتوالى أزمات لبنان، إذ لا يكاد هذا البلد العربي الجميل، يصحو من كبوة إلا ويقع في أخرى، وسط دعوات العالم العربي، بأن يعبر كل أزماته إلى بر الأمان قريبًا.

الأزمة الأشد في التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر.. لبنان لا تأتيه المصائب فرادى فمتى يتحرَّك العالم؟!
صورة تظهر صوامع الحبوب المتضررة في ميناء العاصمة اللبنانية بيروت

السياق

تتوالى أزمات لبنان، إذ لا يكاد هذا البلد العربي الجميل، يصحو من كبوة إلا ويقع في أخرى، وسط دعوات العالم العربي، بأن يعبر كل أزماته إلى بر الأمان قريبًا.

فمع أن لبنان عانى وضعاً اقتصادياً حاداً، إثر الأزمات السياسية المتتالية، وعمليات الاغتيال الممنهجة، ثم عدم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تنقذه من مآل صعب، إلا أنه لم يلبث أن واجه أزمة أخرى، بحريق مرفأ بيروت، قبل نهاية العام الماضي، ثم أزمة تشكيل الحكومة، التي مازالت حتى الآن...!

لكن كل ذلك، كان كـ(الحصى) التي تتكاثر فوق بعضها، حتى أصبحت جبلاً لا يكاد تصوره، ما اضطر البنك الدولي، إلى التحذير من أن لبنان، على موعد مع انتكاسة هي الأشد في التاريخ، منذ خمسينيات القرن التاسع عشر... فما الحل؟!

مسؤولية النُّخبة

البنك الدولي، لأول مرة، يصدر تقريرًا يتفق فيه مع توجُّه الشعب اللبناني، في تحميل النُّخبة، مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان، مؤكِّدًا أن ما يزيد على نصف السكان، ربما يعيشون الآن تحت خط الفقر.

الظلام وعدم وضوح أي رؤية قد تلوح في الأفق، هو الضيم الذي يحاصر لبنان الآن، حسب تقرير البنك الدولي، الذي كشف في تقريره، أن لبنان تخلف عن سداد ديونه العام الماضي ، وفقدت العملة نحو 85 في المائة من قيمتها، ومن ثم بات الفقر يدمِّر بلداً كان يُنظر إليه، على أنه منارة للازدهار في المنطقة.

العالم كله –بالتأكيد- يعاني منذ ظهور جائحة كورونا، إلا أن الأزمة اللبنانية تسبق هذا الأمر بكثير، إذ أجَّجها الهدر والفساد الحكومي على مدى عقود، ثم تسارعت بعد انفجار مخزون ضخم من نترات الأمونيوم، بميناء العاصمة بيروت، في أغسطس الماضي، ما أسفر عن مقتل 200 شخص.

ورغم التدخل الأوروبي والعربي والأمريكي، وزيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت، مؤكِّدًا عملية الدعم الدولي، إلا أن الفراغ الحكومي والمؤسسي، فاقم الأزمة الاقتصادية، وربما أتى على ما تبقى من كرامة الليرة...!

أرقام مميتة

المتتبِّع للاقتصاد اللبناني، وحجم التضخم، والديون، سيجد أرقامًا خيالية، بل إن شئت الدِّقة، قل مميتة، حيث ارتفع معدل التضخم، على مدى 12 شهراً، إلى 157.9 في المائة في مارس الماضي، من 10 في المائة في يناير من العام الماضي، كما ارتفع معدل البطالة إلى نحو 40 في المائة، أواخر العام الماضي، من 28 في المائة في فبراير 2020، وأمام ذلك تقلَّصت إمكانية الحصول على الرعاية الصحية.

وبينما الأمر كذلك، ازداد الوضع سوءًا، بعد انخفاض الواردات وتراجُع عجز ميزان المعاملات الجارية، ما أدى إلى توقُّف تدفُقات رؤوس الأموال، ومن ثم إلى استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، ما أضر بالقدرة على تمويل الواردات.

وبالتبعية، بلغت احتياطيات البنك المركزي نحو 15 مليار دولار في مارس، بينما كانت أكثر من 30 مليار دولار قبل الأزمة عام 2019، كل ذلك في مجمله، أدى في النهاية إلى تفاقُم الدين العام، الذي كان بالفعل غير مستدام، بسبب الأزمة الاقتصادية، وقُدِّرت الديون بـ 174 في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي، بنهاية العام الماضي.

شؤم المستقبل

ومع استمرار التضخم بشكل جنوني، جعلت الأرقام السابقة، البنك الدولي يتوقع ما هو أسوأ، إذ ستتسارع عملية تآكل القيمة الحقيقية للدين المحلي، فضلاً عن أن الانخفاض الحاد في قيمة العملة، سيتسبَّب في عدم استدامة عبء الدين السيادي للبنان.

ومع استمرار الوضع المالي في التدهور، بسبب الانهيار المستمر في الإيرادات، فإن المتوقَّع -حسب البنك الدولي- انكماش السلام الاجتماعي الهش بالفِعل، بل أصبح على المحك.

كل ذلك، قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات، نتيجة عدم القدرة على تمويل دعم الواردات، أو انقطاع خدمات عامة كالكهرباء والمياه والتعليم، وإن لم يتحرَّك العالم سريعًا، كما حدث في الأزمة اليونانية قبل سنوات، فإن عواقب الأمور لن يتوقَّعها بشر.

وقف السحب

قديمًا قالوا: إن المصائب لا تأتي فرادى، فمع انهيار العملة وارتفاع الدين المحلي والخارجي، اضطر البنك المركزي اللبناني، إلى تعليق العمل بالسماح للمودعين بسحب أموالهم من حساباتهم بالدولار بـ 3900 ليرة لبنانية للدولار.

القرار يعني أنه لم يعد بإمكان المودعين، سحب ودائعهم الدولارية بسعر 3900 ليرة للدولار، بدلاً من السعر الرسمي للصرف، الذي يبلغ 1507 ليرات لبنانية.

يأتي ذلك، بينما يبلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازية 13100 ليرة لبنانية، في حين يعتمد مصرف لبنان منصة للصيرفة، تبيع الدولار بـ 12000 ليرة لبنانية، وعلى سعر رسمي آخر على أساس 1507 ليرات للدولار، وآخر يقضي بسحب المودعين لحساباتهم بالدولار على سعر 3900 ليرة للدولار.

من جانبها، حجزت المصارف على أموال المودعين، وباتوا غير قادرين على سحب ودائعهم بالدولار.

أدى ذلك إلى أزمة غير مسبوقة في لبنان، وهو ما حدا بالبنك الدولي، إلى التحذير، من أن تناقُص الاحتياطي من مصرف لبنان بالعملة الصعبة، مع القرارات غير المدروسة، سيزيد حالة الإرباك، وسيؤدي إلى مزيد من الانهيار النقدي والمالي والاقتصادي.