كاستكس في تونس.. هل تنجح فرنسا في انتشال شريكها الإقليمي من عثرته؟!
تأتي زيارة مسؤولين فرنسيين إلى تونس، في إطار خُطتها، لجلب استثمارات وتمويلات، في ظل وضع اقتصادي صعب، وبحثاً عن حلول للخروج من الأزمة الخانقة.

السياق
أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة تعيشها تونس، فاقمتها جائحة كورونا، وألقت بثقلها على الدولة، التي تنبئ المؤشرات بإمكانية إعلان إفلاسها.
فجبل الديون، في البلد المغربي، تضخَّم إلى حد، جعله لا يستطيع دفع الأقساط والفوائد، قبل الحصول على قروض جديدة، من صندوق النقد الدولي، إلا أن الخيار الأخير أصبح هو الآخر شِبه مستحيل، في الوقت الحالي، بعد تعهدات بإصلاحات، ألزمت الحكومات التونسية نفسها بها، من دون أن تفي بذلك.
وفي محاولة للفرار من الواقع الاقتصادي الصعب، انتهجت تونس "الدبلوماسية الاقتصادية"، كأحد خياراتها الأخيرة لعبور الطريق إلى صندوق النقد الدولي، وحيازة موافقته على إقراض البلد الديمقراطي الناشئ، ومساعدته في الخروج من عثرته.
تلك الدبلوماسية الاقتصادية، كانت محور زيارة رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستكس ووزير الشؤون الخارجية جون إيف لودريان إلى تونس، التي تعهد خلالها بمد يد العون إلى شريكه الإقليمي، والمستثمر الأجنبي الأول فيه.
شراكة اقتصادية
وقالت الرئاسة التونسية، في بيان اطلعت "منصة السياق الإعلامية" على نسخة منه، إن الرئيس قيس سعيد، استقبل الخميس في قصر قرطاج، رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستكس، في لقاء أشاد خلاله الأول بـ"عمق روابط الصداقة بين البلدين التي تُشكِّل رافداً أساسياً للارتقاء بالتعاون الثنائي، إلى مستوى الشراكة المتميزة في المجالات كافة، خاصة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وفق رؤى وآليات مبتكرة".
وأكد الرئيس التونسي، أهمية تطوير العلاقات وتنويعها، وتعزيز نسق تنفيذ المشاريع والبرامج المشتركة، خاصة تلك المتعلِّقة بالتشغيل وتأهيل الشباب، والهجرة والتنمية المستدامة، والصحة والبحث العلمي والتكنولوجي، بحسب الرئاسة التونسية.
جائحة كورونا
وأشار الرئيس قيس سعيد، إلى تعاون البلدين في مكافحة جائحة كورونا، التي تُوّجت بمنحة فرنسية إلى المستشفيات الحكومية، ممثَّلة في وحدات لإنتاج الأكسجين الطبي، مشدِّدًا على ضرورة مواصلة فرنسا معاضدة جهود بلاده، في التصدي لهذه الجائحة، خاصة في الحصول على اللقاحات اللازمة، بحسب البيان التونسي.
التصريحات التونسية قوبلت بتأكيد فرنسي، على لسان جون كاستاكس، مشيرًا إلى تقدير بلاده للتجربة الديمقراطية التونسية، وحرصها على مواصلة الوقوف إلى جانبها، في وجه التحديات التي تعيشها، خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
كما أكد تمسَّك الحكومة، بتعزيز التعاون الثنائي مع تونس، والتزامها بمتابعة المشاريع الجارية، وتدعيم الاستثمارات الفرنسية فيها، بحسب بيان الرئاسة التونسية.
وفي محاولة لوضع الرغبة، في تطوير العلاقات بينهما، موضع التنفيذ، وقَّعت حكومتا البلدين 7 اتفاقيات للتعاون المشترك، بينها اتفاقية قرض سيادي، لتمويل مشروع يهدف إلى رفع القدرات التونسيّة، لمجابهة الكوارث الطبيعيّة.
وقالت الحكومة التونسية، في بيان، اطلعت "منصة السياق الإعلامية" على نسخة منه، إن البلدين وقَّعا اتفاقيّة شراكة لتطوير القدرات الصناعيّة والبيئيّة لمحطتي تحلية المياه، واتفاقية تمويل لبعث نظام تصرُّف بيئي واجتماعي، بديوان البحرية التجارية والموانئ، واتفاقية قرض سيادي لصالح ديوان البحرية التجاريّة والموانئ، ووثيقة إعلان نوايا لدعم التعاون في المجال التجاري.
كما وقَّعت حكومتا البلدين –بحسب البيان التونسي- اتفاق شراكة وتعاون في المجال الزراعي، ووثيقة إعلان نوايا في المجال الرقمي.
أزمة خانقة
تأتي زيارة مسؤولين فرنسيين إلى تونس، في إطار خُطتها، لجلب استثمارات وتمويلات، في ظل وضع اقتصادي صعب، وبحثاً عن حلول للخروج من الأزمة الخانقة.
فالبلد الأفريقي، الذي لا يملك احتياطات نقدية، سوى 7 مليارات يورو فقط، يتعيَّن عليه خلال 2021، تسديد ما يزيد على 4.5 مليار دولار لخدمة الديون، والحصول على نحو 6 مليارات دولار أخرى، لتمويل الموازنة وسد العجز فيها.
وبحسب بيانات رسمية، فإن الدين الخارجي التونسي، ارتفع إلى نحو 30 مليار يورو، أي ما يزيد على 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
دفع الأجور
وكان المعهد العربي لأصحاب المؤسسات (جهة مستقلة) كشف في تقرير في إبريل الماضي، أن نحو نِصف الشركات التونسية، عاجز عن دفع الأجور، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، لمجابهة تداعيات الفيروس.
وتوقَّفت المفاوضات، مع صندوق النقد الدولي، نتيجة غياب الاستقرار الحكومي، وعدم التزام الحكومات المتعاقبة، بتنفيذ تعهداتها المالية.
طوق نجاة
وحذَّر مراقبون، من وصول تونس إلى مرحلة العجز عن سداد الديون الخارجية، ما يشجع مؤسسات التصنيف السيادي، على النزول بتونس إلى التصنيف (C)، وذلك يؤدي إلى منعها من الاقتراض مجدداً، من المؤسسات المانحة.
وتُعَـدُّ الزيارة الفرنسية، طوق نجاة للشريك التونسي، لمناقشة 4 ملفات، أهمها الأزمة الصحية، الناتجة عن تسارع وتيرة الإصابات بفيروس كورونا، وتخوفات من نقص حاد في الأكسجين الضروري لإنقاذ المصابين.
أزمة كورونا
وسجلت تونس، 350 ألفًا و487 إصابة بكورونا، بينها 12 ألفًا و839 وفاة، و307 آلاف و487 حالة تعاف، وسط توقعات بموجة رابعة للفيروس، تبدأ في يونيو الجاري.
وفي محاولة لمساعدة تونس في أزمة كورونا، أكَّد رئيس الحكومة الفرنسية، عزم بلاده على مساندة البلد الأفريقي، في توفير اللقاحات ضد وباء كورونا، للخروج من الأزمة الصحية الاستثنائية التي تمر بها.
وأكد كاستاكس، أن فرنسا تدعم تونس، خاصة في إطار مبادرة كوفاكس، وملتزمة بالاتصال والتعاون مع شركائها، لكي يتم تسليم الجرعات المخصصة لتونس، في أسرع وقت ممكن، بحسب بيان للحكومة التونسية اطلعت "منصة السياق الإعلامي" على نسخة منه.
ووصلت إلى تونس، 3 وحدات لإنتاج الأكسجين الطبي من فرنسا، ستوزَّع على مستشفيات سيدي بوزيد وتطاوين وصفاقس، بحسب بيان للرئاسة التونسية، أكَّدت خلاله أن تلك المنحة جاءت "تجسيداً للاتفاق بين الرئيسين قيس سعيد وإيمانويل ماكرون في 18 مايو الماضي، على هامش زيارة الأول إلى باريس".
ديون مُجدولة
وكانت فرنسا قد تعهدت العام الماضي، بتقديم قرض بـ 350 مليون يورو، لدعم التحول الديمقراطي الذي تشهده تونس، إلا أنها لم تلتزم سوى بتحويل 100 مليون يورو فقط، حتى الآن.
وهو ما دفع منظمات حقوقية تونسية، إلى مطالبة فرنسا، خلال قمة تمويل الاقتصاديات الأفريقية، بإلغاء الديون التي حان وقت سدادها، أو تأجيل سدادها، في ظِل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تعيشها تونس.
يأتي ذلك بينما يعتزم الاتحاد الأوروبي، تقديم مساعدات اقتصادية إلى تونس، مقابل منع انطلاق المهاجرين من سواحلها، نحو الضفة الشمالية للمتوسط.
القمة الفرانكوفونية
كما تسعى فرنسا إلى عقد القمة الفرانكوفونية في جزيرة جربة التونسية، مع نهاية السنة المقبلة تحت شعار "التواصل في إطار التنوع الرقمي كمحرك للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكوفوني"، وهو أحد الملفات التي ناقشها مسؤولا البلدين.
وفي محاولة لطمأنة فرنسا بعقد القمة الفرانكفوينة، خاصة بعد اتهامات وجَّهتها الرئاسة التونسية، إلى بعض الأطراف السياسية، التي لم تسمها، بمحاولة إفشال هذه القمة لغايات سياسية، أكد الرئيس قيس سعيد، حرص بلاده على عقدها في موعدها.
بدوره، أكد رئيس الحكومة التونسية، هشام مشيشي، أهمية البُعد الثقافي، لتحقيق مزيد من التقارب بين شعبي البلدين، بما في ذلك الاستعدادات الجارية، لتوفير الظروف الملائمة لإنجاح القمّة الـ18 للفرانكفونية، التي ستحتضنها تونس في نوفمبر المقبل، فضلاً عن الفعاليات، التي سيتم تنظيمها، للنهوض بالتعاون في الفضاء الفرانكفوني، ومنها الملتقى الفرانكفوني الأول للأمن، المزمع عقده بتونس في 29 يونيو الجاري، بحسب بيان الحكومة التونسية.