فايننشال تايمز: الدبلوماسية خيار الإمارات المقبل بعد الجائحة

وتمثِّل هذه الاستراتيجية المعدَّلة، تحولًا كبيرًا لدولة برز حضورها على الساحتين العربية والعالمية، تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، باعتبارها القوة الأكثر حزمًا في المنطقة، في أعقاب ما يسمى الربيع العربي، عام 2011.

فايننشال تايمز: الدبلوماسية خيار الإمارات المقبل بعد الجائحة

ترجمات - السياق

أفردت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، مقالاً عن دولة الإمارات العربية المتحدة، وسياساتها الخارجية خلال الفترة الماضية، ومحاولتها تغيير هذه السياسة، في الفترة المقبلة.

وقالت، في التقرير الذي أشرف عليه الكاتبان سيمون كير وأندرو إنجلاند: طوال عقد من الزمان، كانت الإمارات العربية المتحدة، اللاعب الإقليمي الأكثر قوة في العالم العربي، حيث استخدمت ثروتها وقوتها العسكرية، لدعم حلفائها وإضعاف الأعداء في المنطقة.

لكن -يضيف التقرير- بعد أن ضربت جائحة كوفيد 19 اقتصاد الدول الخليجية، وتأثيرها في التجارة العالمية، تحوَّل تركيز الإمارات إلى الدبلوماسية "الاقتصادية".

ونتيجة لذلك، باتت الإمارات تعتمد على الدبلوماسيين والسفارات الإماراتية بشكل أكبر، بناءً على قدرتهم على جذب الاستثمار إلى الدولة النفطية، وفي ذلك قال مسؤول إماراتي رفيع لـ "فاينانشال تايمز": "لقد فكرنا في الأفضل للإمارات العربية المتحدة، سيكون هناك تركيز أكبر بكثير على الاقتصاد".

الإمارات عضو غير دائم بمجلس الأمن... وتأمين السلام رسالتها للعالم وسط تحديات عدة

تأثير كورونا وبايدن

وتابع التقرير، أن هذا التحول الإماراتي، يكشف حجم تأثير كورونا، وقدوم بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، على تغيير ديناميكيات الشرق الأوسط، وتوليد تحرك مبدئي، نحو وقف التوترات السياسية، التي برزت في عهد سلفه دونالد ترامب.

وبالتوازي مع التوجهات الجديدة، ستسعى الإمارات إلى دور أكثر فاعلية بالتوسط في النزاعات، مثل التي بين السودان وإثيوبيا وحتى الهند وباكستان.

وتمثِّل هذه الاستراتيجية المعدَّلة، تحولًا كبيرًا لدولة برز حضورها على الساحتين العربية والعالمية، تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، باعتبارها القوة الأكثر حزمًا في المنطقة، في أعقاب ما يسمى الربيع العربي، عام 2011.

فبعد أن ذاعت أصداء التظاهرات الشعبية، في أنحاء الشرق الأوسط، سعت الإمارات إلى فرض رؤيتها على المنطقة، إذ وضع الشيخ محمد بن زايد على عاتق أبوظبي مسؤولية ملء الفراغ، الذي سبَّبته اللامبالاة الأمريكية، وتولَّت الإمارات زمام المبادرة، في منع صعود الحركات الإسلاموية، ومواجهة تأثير إيران في المنطقة.

 

اليمن

بعد تطور التظاهرات الشعبية في اليمن، إلى المواجهات العسكرية، التي وصفتها "فايننشال تايمز" بـالعدوانية تجاه دول الخليج العربي، اضطرت دولة الإمارات إلى التدخل، لفرض الأمن وإنهاء حالة الفوضى، من خلال نشر قواتها العسكرية، في مناطق مختلفة باليمن، حيث أصبحت الشريك الرئيس للمملكة العربية السعودية، في تحالف عربي، تدخل في الصراع الدائر هناك منذ عام 2015 لمحاربة المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران.

كما كانت الإمارات، أحد الداعمين للجنرال الليبي خليفة حفتر، بعد سقوط حكم القذافي، وفي عام 2017، كانت أبوظبي في طليعة الدول التي اتخذت قرارًا بحظر التعامل مع دولة قطر، بعد اتهام الدوحة بدعم الحركات الإرهابية والتقرُّب من إيران، على حساب مصالح دول مجلس التعاون الخليجي.

هذه السياسات، عزَّزت مكانة أبو ظبي وتأثيرها، إذ حازت أبوظبي دعم واشنطن لحملتها ضد متشدِّدي القاعدة، لكن التحالف الذي تقوده السعودية، واجه تحديات في طرد الحوثيين، وآثرت الإمارات سحب معظم قواتها عام 2019 بالتوافق مع دول التحالف.

 

عالم ما بعد كورونا

في يناير الماضي، شاركت الإمارات حليفتها المملكة العربية السعودية، في رفع الحظر الإقليمي عن دولة قطر، يقول إميل حكيم،

الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية،

إنه كان من المنطقي أن تركِّز قيادة الإمارات، على التعافي الاقتصادي، وتضع نفسها في وضع يمكِّنها من الاستفادة من عالم ما بعد الجائحة، وهو موضوع كرَّره المسؤولون الإماراتيون.

حكيم يتصور أن الإمارات آمنت بالافتراض القائل إن القوة العسكرية يمكن أن تجلب عوائد صعبة، لكن اتضح أن الأمر ليس كذلك، باتوا الآن يتأقلمون على التغيير، مضيفاً: "لا أحد يعرف ما إذا كان هناك تحول في عقلية القيادة الإماراتية، لكن ما تراه بوضوح، هو تقليص الإمارات لتدخلها العسكري، والتركيز على ما هو أكثر استراتيجية لأمنها وازدهارها".

وفي ذلك تقول إلهام فخرو، المحللة الخليجية في Crisis Group: الإمارات أدركت أن المزاج في المنطقة، تحول نحو الدبلوماسية مع انتخاب إدارة بايدن، واعتقدت أن الوقت قد حان للاستفادة من ذلك.

 

الذكاء هو الحل

إلهام، تؤكِّد أن القيادة في دولة الإمارات، تعمل على توسيع جهودها، في الدبلوماسية والوساطة بين المتنازعين، وفي تقرير "فايننشال تايمز"، نقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله: إن الإمارات فخورة بإنجازاتها في اليمن، مستشهدا ًبما حقَّقته من نجاحات ضد القاعدة، ووقف تقدُّم الحوثيين في الجنوب، وتابع: "النهج العسكري، لم نستخدمه كثيرًا من قبل، ورأينا الآن مدى فعاليته، لكن لا يمكننا اللجوء إليه دائماً.. نعلم جيداً تكاليف ذلك".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي، مطلع على التحول الإماراتي، أنه إضافة إلى المحادثات غير المباشرة مع إيران، أجرت الإمارات مؤخرًا مناقشات، للحد من التوترات مع تركيا.. قائلاً: "نريد أن نكون أصدقاء مع الجميع، من إسرائيل إلى إيران"، مستشهداً بقرار الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل، العام الماضي.

وزار وزير الخارجية التركي الشهر الماضي، المملكة العربية السعودية، في إطار جهود حل القضايا بين الرياض وأنقرة، وقال الرئيس رجب طيب أردوغان، إنه يريد تعزيز علاقات تركيا مع مصر ودول الخليج.

لكن إميل حكيم، يرى أن التحرُّك نحو خفض التصعيد في المنطقة، كان "حذراً للغاية"، وقال: "إن المشكلات لا تزال قائمة، وكما رأينا نتائج حل الخلافات بالقوة في عهد ترامب، فإننا الآن سنواجه هذه المشكلات بالدبلوماسية، فهل تنجح في ما لم تنجح فيه التدخلات المباشرة؟".