عبر جراحة مؤلمة... هل ينجح السودان في إنقاذ اقتصاده المتعثِّـر؟
منذ أشهر، بدأت الحكومة الانتقالية في السودان، تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، التي تخضع لمراقبة صندوق النقد الدولي، منها رفع الدعم عن الوقود وخفض قيمة العملة، بهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية، التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وجذب استثمارات وتمويل أجنبي.

السياق
"وجدنا اقتصاداً مشوَّهاً، ولا حل إلا عبر استئصال المرض، بجراحة مؤلمة وعميقة"، بهذه الكلمات برَّر وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، قرار الحكومة، بتطبيق زيادات كبيرة في أسعار الوقود، وسط أزمة اقتصادية وتوقُّعات بارتفاع معدلات التضخُّم إلى أكثر من 500 في المائة.
ومنذ أشهر، بدأت الحكومة الانتقالية في السودان، تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، التي تخضع لمراقبة صندوق النقد الدولي، منها رفع الدعم عن الوقود وخفض قيمة العملة، بهدف الخروج من الأزمة الاقتصادية، التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وجذب استثمارات وتمويل أجنبي.
زيادة جديدة
طبَّقت الحكومة الانتقالية في السودان، زيادة جديدة في أسعار المحروقات "البنزين والجازولين"، في إطار سياسة الإصلاح الاقتصادي، إذ حدَّدت سعر لتر البنزين بـ 290 جنيهاً سودانياً (الدولار يعادل 430 جنيهاً)، وسعر لتر الجازولين بـ 285 جنيهاً.
وتُعَدُّ الزيادة الجديدة في أسعار المحروقات، الثالثة منذ وصول رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى السُّلطة، بعد ثورة شعبية أطاحت نظام الإخوان برئاسة عمر البشير.
ورغم ارتفاع أسعار المحروقات، فإن السودانيين يعانون منذ أشهر، في الحصول على الوقود، إذ تقف السيارات في صفوف طويلة، لتعبئة الوقود من المحطات، كما تأثَّرت القطاعات الإنتاجية، بسبب عدم توفر الوقود، وتذبذب التيار الكهربائي.
إزالة التشوهات
بدورها، قالت وزارة المالية السودانية، إن قرار إلغاء الدعم عن الوقود، يأتي في إطار سياسة الدولة، الرامية لإصلاح الاقتصاد، وتأسيس بنية تمكِّن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية.
وأوضحت الوزارة في بيان، أن الأسعار الجديدة تخضع لتكلفة الاستيراد، التي تشكِّل ما بين 71% و75% من سعر الوقود، مضافاً إليها تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة، وهامش ربح شركات التوزيع، وهذه التكاليف تشكِّل ما بين 25% و29% من سعر البيع المستهلك.
ووفقاً للبيان، فإن سياسة تحرير الوقود، ستسهم في إزالة العديد من التشوهات في الاقتصاد، حيث تنفق الدولة نحو مليار دولار سنوياً، دعماً للمحروقات.
ويتوقَّع مراقبون، أن تنعكس زيادة أسعار الوقود، على أسعار بقية السلع الاستهلاكية والمواصلات العامة، وقطاعات من الإنتاج، خاصة "الزراعة والصناعة" وزيادة حدة الفقر.
لكن وزارة المالية، أعلنت تشكيل للجان متخصصة، لدراسة كيفية توفير دعم مباشر لقطاعات الزراعة، والكهرباء، والمواصلات، لتعويض هذه القطاعات عن عبء ترشيد دعم الوقود.
جراحات مؤلمة
وزير المالية جبريل ابراهيم، أكد أن الحكومة ستستمر في سياسة رفع الدعم السلعي، حتى يتعافى الاقتصاد من التشوهات التي ظل يعانيها.
وأقر الوزير في مؤتمر صحفي، بأن هذه السياسات، سيعاني بسببها المواطن كثيراً، وسيمر بجراحات مؤلمة جداً، وستكون عميقة وشديدة، لكن لن يتمَّ العلاج إلا عبر استئصال المرض، وأشار إلى أن نتائج هذه الإجراءات، لن تظهر بين عشية وضحاها "نحتاج إلى وقت طويل لظهور النتائج".
ووصف الوزير، سياسة الدعم الحكومي للسلع بالخاطئة، وقال إنها "تحمي الأغنياء وتظلم الفقراء، إذ لا يتساوى فيها المواطنون"، مؤكداً أن المواطن البسيط سيكون المستفيد الأول من رفع الدعم، كما سيساعد في توجيه الصرف نحو الطريق الصحيح، من صحة وتعليم وكهرباء، كما سيساعد في محاربة التهريب عبر القنوات غير الرسمية.
وزير النفط يبرِّر
بدوره، قال جادين علي عبيد وزير الطاقة والنفط، إن رفع الدعم عن الوقود وخروج الدولة من تكاليفه، سيسهم بصورة مباشرة في تطوير حقول النفط السودانية، التي تدنى إنتاجها بـ 50 في المئة، لعدم قدرة الدولة على توفير موارد لتطويرها، موضحاً أن الحكومة تضطر إلى بيع نفطها بـ 50 في المئة من تكلفته الحقيقية، ما تسبَّب في إيقاف تطوير الحقول، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وقال إن استيراد الدولة الوقود، تسبَّب في ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه، مشيراً إلى أن الحكومة لجأت إلى القطاع الخاص لاستيراد الوقود، إلا أنه فشل في ذلك، لقِلة موارده المالية.
وأضاف أن الحكومة لجأت إلى خيار آخر، هو توقيع عقود طويلة الأجل مع بعض الدول الصديقة لاستيراد الوقود، منوهاً إلى أنه ليس بالحل الناجع، ما حدا بالحكومة لتحرير أسعار الوقود، ورفع الدعم عنه نهائياً.
وأضاف جادين، أن فاتورة استيراد الوقود، تبلغ ثلاثة مليارات دولار سنوياً، تدفع الحكومة منها ملياراً ونِصف المليار.
ورغم تحرير أسعار الوقود، فإن السودان يُعَدُّ ضمن خمس أو ست دول في العالم، يباع فيها الوقود بأرخص الأسعار، حسب وزير النفط.
إصلاحات قاسية
لجأت الحكومة السودانية، إلى تنفيذ سياسات قاسية، لإصلاح الاقتصاد، لكن هذه القرارات لم تحقِّق نتائجها المرجوة، إذ مازال السودان يعاني أزمة اقتصادية وغلاءً وندرة، في السلع الأساسية، وضعف الخدمات العامة.
لكن الحكومة الانتقالية -برئاسة عبدالله حمدوك- تأمل أنّ تساعد الإصلاحات القاسية في أن يصبح السودان مؤهلاً للحصول على مساعدات، بموجب مبادرة لصالح البلدان الفقيرة المثقلة بالديون تسمى "هيبيك"، تسمح بتخفيف ديونها، إذ تبلغ ديون السودان حاليًا 60 مليار دولار، لكن لا يمكن إعفاؤه من هذه الديون، إلا بعد وفائه بالتزاماته بتطبيق الإصلاحات.