فرضية تسرُّب مختبر ووهان قد تكون صحيحة
ككل الأوبئة، جاء كورونا، وأجبرنا على التحوط والتباعد الاجتماعي، ومنع العلماء بدورهم، من التجمع والتجارة وكل ما تبقى.

ترجمات السياق
كان هناك وقت، بدا لنا فيه أن فيروس كورونا، يؤكِّد الكثير من افتراضاتنا، إذ ساهم في ازدهار الذين تمكَّنوا من الانتقال إلى العمل من المنزل بسهولة، في الوقت نفسه، الذي تسبَّب فيه بعرقلة حياة آخرين، مازالوا يعيشون في الاقتصاد القديم.
وككل الأوبئة، جاء كورونا، وأجبرنا على التحوط والتباعد الاجتماعي، ومنع العلماء بدورهم، من التجمع والتجارة وكل ما تبقى.
لقد ألقينا اللوم ببراءة في تلك الأيام، وقمنا بالتوبيخ بإرادتنا. كنا نعرف مَنْ كان على حق وهززنا رؤوسنا، تأييداً لأولئك المخطئين، الذين كانوا يلعبون في برك السباحة وعلى الشاطئ.
كان من المنطقي، بالنسبة لنا، أن دونالد ترامب، ذلك السياسي، لم يستطع استيعاب الموقف، وأنه كان مسؤولاً عن أكثر من حدث واسع الانتشار. الحقيقة بنفسها هي التي عاقبت القادة من أمثاله، أولئك الذين رفضوا الانصياع للخبرة والعلم. حتى أن وسائل الإعلام المرموقة، توصلت إلى طريقة لإلقاء اللوم، لأسوأ عدد من القتلى، على نظام الجهل المنظَّم، الذي أطلقوا عليه "الشعبوية".
لكن الإجماع، في هذه الأيام، لم يعد موفَّقاً كما كان عليه، حيث تمتلئ وسائل الإعلام الآن، بالقصص المزعجة، التي تشير إلى أن كورونا ربما جاءت -ليس من "الشعبوية" على الإطلاق، بل من فشل مختبر ما في ووهان، بالصين. هنا، يمكنك أن تشعر ببدء التشنجات الأخلاقية، عندما يثار السؤال: ماذا لو كان العلم نفسه، تحت طائلة المسؤولية، عن كل ما حدث؟
لست خبيرا في الأوبئة، ومثل أي شخص آخر، أمضيت فترة الوباء ملتزماً بما قيل لنا، حتى أني -قبل بضعة أشهر- لم أهتم كثيراً، عند مشاهدتي فقرة في قناة فوكس نيوز، عن أصول كورونا، وتسرب الفيروس من المختبر. وكان السبب في فِعلتي، أن الصحف التي قرأتها والبرامج التلفزيونية التي شاهدتها، أكدت لي -في الكثير من المناسبات- أن نظرية تسرُّب المختبر لم تكن صحيحة، وأنها كانت مؤامرة عنصرية، خدعت فقط الترامبيين الذين صدَّقوها، وأنها حصلت على تقييمات لا حصر لها، من مدقِّقي الحقائق، ولأنني -رغم السخرية التي أشعر بها الآن- من النوع الذي يثق دائمًا بوسائل الإعلام الإخبارية الرئيسة.
لقد تم نسف شعوري بالرضا عن هذه المسألة، إثر مقال تسريب المختبر، في نشرة علماء الذرة، في وقت سابق من هذا الشهر، فبعد بضعة أسابيع، اعترف الجميع، من دكتور فوتشي إلى الرئيس بايدن، بأن فرضية حادث المختبر، قد تكون موضوعية. لا نعرف الإجابة الحقيقية حتى الآن، وربما لن نعرف، لكن هذه هي اللحظة لتوقُّع ما قد يعنيه هذا الاكتشاف، نهاية المطاف. ماذا لو اتضح أن هذه القصة المجنونة صحيحة؟!
فقد تعني الإجابة عن هذا السؤال، سبباً في محو إيمان الملايين. فلنتذكر الكارثة العالمية الأخيرة، الأزمة المالية لعام 2008، التي حطَّمت ثقة الناس بمؤسسات الرأسمالية، وبأساطير التجارة الحرة والاقتصاد الجديد، وفي النهاية بالنُّخب التي تدير الحزبين السياسيين الأمريكيين.
في السنوات التي تلت ذلك -لأسباب معقَّدة- جاهد القادة الليبراليون، لإعادة تشكيل أنفسهم، ليصبحوا مدافعين عن الاستقامة المهنية والشرعية الراسخة، في كل مجال تقريبًا.
ها نحن الآن في الأيام الأخيرة من الأزمة العالمية الكارثية رقم 2. وبطبيعة الحال ، فإن كوفيد 19 أسوأ بكثير من انهيار الرهن العقاري، بالعديد من العوامل ذات العيار الثقيل، فقد قتل الملايين ودمَّر الأرواح وعطَّل الاقتصاد العالمي، على نطاق أوسع.
فإذا اتضح أنّ العلماء والخبراء والمنظمات غير الحكومية، وما إلى ذلك، أشرار وليسوا أبطالًا في هذه القصة، قد نرى انهيار قيم الثقة بالخبراء، تحت كرة نارية من الغضب العام.
ضع في اعتبارك تفاصيل القصة، كما تعلمناها في الأسابيع القليلة الماضية:
- حدوث تسريبات معملية. إنها ليست نتيجة مؤامرات: "حادث مختبر يُـعَـدُّ مجرَّد حادث" ، كما يشير ناثان روبنسون، تحدث مثل هذه الأشياء طوال الوقت، في هذا البلد وفي بلدان أخرى ، ويموت الناس بسببها.
- هناك دليل على أن المختبر المعني، الذي يدرس فيروسات الخفافيش، ربما كان يجري ما تسمى بحوث "اكتساب الوظيفة"، وهو ابتكار خطير يعمد فيه العلماء، إلى جعل الأمراض أكثر ضراوة.
- هناك تلميحات قوية، إلى أن بعض أبحاث فيروس الخفافيش، في مختبر ووهان، تم تمويلها جزئيًا من المؤسسة الطبية الوطنية الأمريكية، وذلك يعني أن فرضية تسرُّب المختبر، لا تشير إلى الصين وحدها.
- يبدو أنه كان هناك تضارب مذهل في المصالح، بين الذين تم تكليفهم بالوصول إلى حقيقة الأمر، و(كما نعلم من فضيحة إنرون وفقاعة الإسكان) تضارب المصالح هو دائمًا ما يربك المهنيين ذوي المؤهلات الجيدة. لذا يجب علينا أن نصغي ونكرِّم ونطيع كل ما يصدر عنهم.
- أصرت وسائل الإعلام، في مراقبتها المتحمِّسة لحدود المسموح بالكشف عنه، على أن Russiagate كان صحيحًا ، لكن فرضية تسرُّب المختبر كانت خاطئة كاذبة، وويل لمن تجرَّأ على الاختلاف. ابتلع المراسلون أي سطر كان أكثر إرضاءً للخبراء الذين اقتبسوا منهم، ثم أصروا على أنه كان صحيحًا 100%، ولا جدال فيه على الإطلاق، وأن أي شيء آخر كان مجرَّد حماقة ترامبية مختلطة، وأن الديمقراطية تموت عندما يتكلَّم غير المؤمنين بها، وهكذا.
- فرضت وسائل التواصل الاجتماعي -المحتكرة في الواقع- الرقابة على المنشورات، التي تتحدَّث عن فرضية التسرُّب في المختبر. بالطبع فعلوا! لأننا في حالة حرب مع المعلومات المضللة، كما تعلمون، ويجب إعادة الناس إلى الإيمان الصحيح، والصحيح هو فقط، ما اتفق عليه الخبراء.
"دعونا نصلي الآن من أجل العِلم"، هكذا ردَّد كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، بداية جائحة كورونا، حيث أرسى عنوان مقالته:"فيروس كورونا هو ما تحصل عليه عندما تتجاهل العلم":
بعد عشرة أشهر، في نهاية مقال مخيف عن تاريخ بحث "اكتساب الوظيفة" ودوره المحتمل في جائحة كوفيد-19 الذي لا يزال مستمرًا، كتب نيكولسون بيكر ما يلي: "قد تكون هذه أكبر تجربة عِلمية، في القرن الحادي والعشرين. هل يمكن لعالم مليء بالعلماء، أن يفعل كل أنواع الأشياء تهوراً، من خلال الأمراض الفيروسية؟ كانت الإجابة: نعم، قد يكون ذلك ممكنًا.
وإذا اتضح بالفعل، أن فرضية التسرُّب في المختبر، التفسير الصحيح لكيفية بداية الجائحة، وأنّ عامة الناس في العالم، أُجبروا على أن يكونوا ضحية تجربة معملية بتكلفة هائلة، فهناك زلزال أخلاقي على الطريق.
لأنه إذا كانت الفرضية صحيحة، سيبدأ قريبًا التسلُّل لأذهان الناس، أنّ خطأنا لم يكن في عدم تقديس العلماء كما يجب، أو عدم احترام كافٍ للخبرة، أو عدم وجود رقابة كافية على فيسبوك، وإنما كان إخفاقاً في التفكير النقدي في كل ما سبق، لنصل إلى حقيقة أنه لا شيء اسمه الخبرة المطلقة. فكر في جميع كوارث السنوات الأخيرة: النيوليبرالية الاقتصادية، والسياسات التجارية المدمِّرة، وحرب العراق، وفقاعة الإسكان، والبنوك التي "أكبر من أن تفشل"، والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، وحملة هيلاري كلينتون لعام 2016، ألم يجلب كل تلك الكوارث لكم، سوى الإجماع المطمئن إلى نفسه، من المتعلمين تعليماً عالياً، الذين من المفترض أن يعرفوا ما يفعلونه، إضافة إلى أولئك المتعلمين تعليماً عالياً، الراضين عن أنفسهم، والذين من المفترض أن يشرفوا عليهم؟!
ثم مرة أخرى، ربما أكون مخطئًا، في طرح كل هذه التخمينات، ربما يتم دحض فرضية التسرُّب في المختبر بشكل مقنع، بالتأكيد آمل أن يكون كذلك.
لكن، حتى لو اقترب واقع القصة من التأكيد، يمكننا تخمين ما ستكون عليه طبيعة الردود المقبلة... من كان سيعرف؟ إضافة إلى ذلك سيردِّدون: لم تَعُدْ معرفة أصول الوباء مهمة... عُدْ إلى نومك الهانئ...!
---------
بقلم توماس فرانك