في قمة بايدن - بوتين... حرب باردة بخلفيات ساخنة

تدهور العلاقات، زاد سوءًا بعد أن أعلنت إدارة بايدن، في مارس الماضي، فرض عقوبات على العديد من المسؤولين الروس، من المستوى المتوسط والكبار ، إلى جانب أكثر من اثنتي عشرة شركة وكيانات أخرى ، بسبب هجوم بغاز الأعصاب شِبه المميت، على المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي عاد إلى البلاد في أغسطس 2020 وتم سجنه.

في قمة بايدن - بوتين... حرب باردة بخلفيات ساخنة
بايدن بوتين

السياق

في قمة تُذكِّر بقمة ريغان – غورباتشوف، عام 1985، التي تُعَـدُّ خطوة رئيسة في نهاية الحرب الباردة، تعود مدينة جنيف السويسرية، لاستضافة قمة أخرى، طرفاها هذه المرة، بعد مرور نحو 36 عامًا على القمة الأولى، الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين... فهل تكون المدينة مهد عودة السلام العالمي، أم بداية لتجربة مريرة، لا يعرف مداها أحد، حتى الآن؟

وجهًا لوجه يلتقي بايدن، بوتين، الأسبوع المقبل في جنيف، فهل يساعد اللقاء في تلطيف الأجواء المشحونة بين البلدين، بسبب تضارب المواقف والمصالح في ملفات عدة أبرزها، (ليبيا، وسوريا، والقرم، وكورونا)، فضلاً عن العقوبات الأمريكية المتعدِّدة، التي طالت مؤخرًا عددًا من الشركات الروسية، وكل ذلك أمام العداء التاريخي، منذ عهد الاتحاد السوفييتي، والدور الأمريكي الكبير في إسقاطه.

المصادفة، أن هذه الرحلة، هي الأولى لبايدن، منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، مطلع العام الجاري، إذ تبدأ بحضوره فعاليات قمة مجموعة السبع في مدينة كورنوال جنوبي غرب إنجلترا هذا الشهر، ومشاركته في قمة مرتقبة لقادة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في بروكسل، ثم تكون الزيارة الأهم إلى سويسرا، منتصف يونيو الجاري، للقاء بوتين.

 

أهمية اللقاء

من المؤكَّد، أن أهمية اللقاء تتفاوت بين الجانبين، فبالنسبة للأمريكيين، وبحسب بيان للمتحدِّثة باسم البيت الأبيض جين بساكي: "تسعى الولايات المتحدة، إلى استعادة القدرة على التنبؤ والاستقرار" في العلاقات الثنائية شديدة التوتر بين واشنطن وموسكو.

وبالنسبة للروس، وفقاً للكرملين، سوف يكون هذا اللقاء فرصة لمراجعة جائحة فيروس كورونا، والنزاعات الإقليمية المختلفة.

ورغم أن هذه المواضيع ليست بأهمية المناقشات، التي دارت بين الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، ونظيره الروسي فلاديمير غورباتشوف، بشأن خفض الأسلحة النووية، أو وضع نهاية للحرب الباردة، لكنها تمثل تحسُّناً، مقارنة بوصف بايدن لبوتين بـ"القاتل" في ردِّه على سؤال صحفي.

وسائل إعلام أمريكية، أوضحت أن الرئيس بايدن، قد يكون تركيزه الأكبر على القضايا المحلية، مثل البنية التحتية.

ورغم أن حضوره اجتماعات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي كان متوقَّعاً، فإن اجتماعه مع الرئيس الروسي يتطلب وقتًا وجهداً، وليس من الأولويات الاقتصادية أو المتعلِّقة بالوباء، التي أعلنها الرئيس.

الرئيس الأمريكي، ليس باستطاعته تجاهل الحقائق الدولية، لكن هل تساهم هذه القمة، في زيادة هيبة بايدن، بما يكفي لدعم أجندته المحلية؟

ورغم مبالغته النسبية، بشأن العديد من المقترحات المحلية، وإلغائه سياسات عدة لدونالد ترامب الداخلية والخارجية، فإنه لم يتخذ تحولات حاسمة، في السياسة الخارجية الأمريكية. ومن ثم فإنه في حال خروج أي نتيجة مثيرة من هذه المحادثات، سوف يكون ذلك أمراً مفاجئاً.

على الجانب الآخر، يأمل بوتين استثمار هذه القمة، لتقديم نفسه طرفاً لا يمكن الاستغناء عنه، في السياسة الدولية.

 

أبرز الملفات

عندما يلتقي بايدن وبوتين، ستكون لديهما قائمة مختصرة من الموضوعات لمناقشتها، منها: الحد من التسلح ، وتغيُّر المنا ، والمشاركة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأنشطة القرصنة الإلكترونية الروسية، بما في ذلك هجوم SolarWinds عام 2020 على الحكومة الأمريكية وشبكات الكمبيوتر الخاصة، ومحاولة تسميم وسجن المنشق الروسي أليكسي نافالني، فضلاً عن اعتراض روسيا البيضاء (بيلاروسيا) طائرة مدنية، بهدف اعتقال صحفي معارض شاب كان فيها، إضافة إلى الادعاء الأمريكي برصد روسيا مكافآت لقتل جنود أمريكيين في أفغانستان.

ومن المحتمل، أن تشمل هذه القائمة الطويلة أيضاً، دَور روسيا في سوريا، أو الدعم النهائي لحل المعضلة الفلسطينية الإسرائيلية، فضلاً عن  مصير المحادثات، بشأن الاتفاق النووي الإيراني.

 

من وحي اللقاء

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، وضعت سيناريو للقاء، توقَّعت فيه أن يحث بايدن، الرئيس الروسي على احترام حقوق الإنسان، عندما يلتقيان في قمة جنيف الشهر المقبل، مثلما فعل أثناء اتصاله بالرئيس الصيني  شي جين بينغ.

بينما نقلت عن بايدن قوله، إنه حينما يلتقي نظيره الروسي، لا يمكن إلا أن يتحدَّث عن حقوق الإنسان، كما فعل مع الرئيس الصيني، مضيفاً: "لن نقف مكتوفي الأيدي، ونتركه ينتهك هذه الحقوق".

أما الرئيس الروسي، فقد شكَّـك في جدوى النتائج المرتقبة للقمة، التي ستعقد مع بايدن، والتي لا يتوقَّع أن تسفر عن إحراز "تقدُّم كبير" رغم أنه يرى أن هناك احتمالاً للتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

 

بيلاروسيا وأوكرانيا ونافالني

المتتبع للوضع في شبه جزيرة القرم، سيجد أن الملف الأوكراني والبيلاروسي، من أبرز الملفات التي قد توضع على الطاولة، بين بايدن وبوتين، إذ من المتوقَّع أن يشمل جدول الأعمال، التحويل القسري هذا الأسبوع، لطائرة متجهة إلى ليتوانيا من روسيا البيضاء الحليفة لروسيا، بعدما طالب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بضرورة لقاء نظيره بايدن، قبل عقد القمة الأمريكية الروسية في جنيف الأسبوع المقبل، وقال في مقابلة مع موقع أكسيوس: "أعتقد أن مثل هذه المشاورات مهمة، وأعتقد أنه ينبغي إجراء المشاورات وجهًا لوجه، لأنه لا يمكن مناقشة قضايا مهمة كثيرة ببساطة عبر الهاتف".

وتدهورت العلاقات بين موسكو وكييف، بعد انقلاب عام 2014 في أوكرانيا، الذي أدى إلى دخول شِبه جزيرة القرم، تحت سيادة روسيا، واندلاع نزاع مسلح، في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا... فقد واصلت موسكو استعراض قوتها العسكرية، في أوكرانيا والبحر الأسود، في الأشهر الأخيرة، إلى جانب تحذيرها للولايات المتحدة بالتراجع، ما دفع بايدن إلى إعادة سفينتين حربيتين أمريكيتين في أبريل، كانتا متجهتين إلى هناك، كما أعلن فرض عقوبات على أكثر من 36 شخصًا في روسيا، وطرد 10 دبلوماسيين، بعد ذلك أغلق بوتين مضيق كيرتش، أمام السفن الحربية الأجنبية، حتى الخريف المقبل، ما زاد سخونة الأوضاع.

تدهور العلاقات، زاد سوءًا بعد أن أعلنت إدارة بايدن، في مارس الماضي، فرض عقوبات على العديد من المسؤولين الروس، من المستوى المتوسط والكبار ، إلى جانب أكثر من اثنتي عشرة شركة وكيانات أخرى ، بسبب هجوم بغاز الأعصاب شِبه المميت، على المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي عاد إلى البلاد في أغسطس 2020 وتم سجنه.

 

سوريا على الطاولة

لكن إذا أثار بايدن مسألة سوريا مع بوتين ، فمن المرجَّح أن يبدأ السعي لإعادة ترخيص معبر باب الهوى الحدودي، على الحدود التركية السورية، الذي يُعَدُّ حاليًا نقطة الوصول الوحيدة للمساعدات الدولية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

وينتهي تفويض مجلس الأمن الدولي بشأن المعبر، 10 يوليو المقبل، وقد ترغب روسيا، التي امتنعت عن التصويت على المعبر، العام الماضي، في شيء ما، مقابل السماح بإعادة التصديق على المعبر. وبالفِعل، تكثِّف الولايات المتحدة لمواجهة مجلس الأمن، موضحة أن باب الهوى أولوية للولايات المتحدة.

وكانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، أعلنت في 3 يونيو الجاري، عن 240 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية لسوريا، خلال زيارة للمعبر، وهو ما رفضته روسيا قائلة: "يجب أن تتدفق من خلال الحكومة السورية، وليس المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة".