الأسلحة النووية الصغيرة الروسية.. كيف تكون خيارًا محفوفًا بالمخاطر لموسكو وكييف؟

وحسب صحيفة -نيويورك تايمز-، فإن المحللين داخل وخارج أمريكا الذين حاولوا التغلب على تهديدات بوتين أصبحوا يشككون في مدى فائدة مثل هذه الأسلحة- التي تُلقى في قذيفة مدفعية أو تُلقى في مؤخرة شاحنة- في تحقيق أهداف روسيا.

الأسلحة النووية الصغيرة الروسية.. كيف تكون خيارًا محفوفًا بالمخاطر لموسكو وكييف؟

السياق

رغم مرور قرابة ثمانية أشهر على الأزمة الأوكرانية إلا أنَّ الحرب التي «آلمت» العالم بأكمله لم تضع أوزارها بعد؛ دافعة بسيناريوهات قد تعيد شبح الحرب العالمية الثانية أو ذكريات انفجار هيروشيما.

ومع مرور الأيام واستمرار أوكرانيا في هجومها المضاد الذي نجحت من خلاله في استرداد الكثير من الأراضي التي وقعت في قبضة روسيا، باتت موسكو التي هددت في الآونة الأخيرة بالسلاح النووي في موقف وصف بـ«الصعب»، جعلها واقفة أمام خيارين، إما تنفيذ تهديداتها باستخدام النووي وتحمل تبعات ذلك، أو استخدام لعبة الكر والفر للصمود تارة والانسحاب أخرى.

إلا أنَّ روسيا التي لا تجيد الخيار الثاني باعتباره سيجعلها دولة «ضعيفة» أمام أوكرانيا، تقف حائرة أمام الخيار الأول، رغم كل تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين بإطلاق أسلحة نووية تكتيكية على أهداف أوكرانية، فيما يقول مسؤولون أمريكيون، إنه من الصعب استخدام الأسلحة النووية الصغيرة التي بحوزة روسيا؛ لكونها يصعب التحكم فيها لأسباب عدة، مشيرين إلى أن سلاح الإرهاب والترهيب أفضل بكثير من سلاح الحرب.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن المحللين داخل وخارج أمريكا الذين حاولوا التغلب على تهديدات بوتين أصبحوا يشككون في مدى فائدة مثل هذه الأسلحة- التي تُلقى في قذيفة مدفعية أو تُلقى في مؤخرة شاحنة- في تحقيق أهداف روسيا.

محاولة أخيرة

ويقول العديد من المسؤولين الأمريكيين إن الفائدة الأساسية لإطلاق مثل هذا النوع من الأسلحة، ستكون جزءًا من محاولة أخيرة من جانب بوتين لوقف الهجوم المضاد الأوكراني، من خلال التهديد بجعل أجزاء من أوكرانيا غير صالحة للسكن.

وتختلف السيناريوهات حول كيفية قيام الروس بذلك على نطاق واسع؛ فيمكنهم إطلاق قذيفة بعرض ست بوصات من مدفع على الأراضي الأوكرانية، أو رأس حربي يقدر وزنه بنصف طن من صاروخ يقع فوق الحدود في روسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن الأهداف يمكن أن تكون قاعدة عسكرية أوكرانية أو مدينة صغيرة، مشيرة إلى أن مقدار الدمار والإشعاع المستمر يعتمد على عوامل تشمل حجم السلاح والرياح.

وفيما حذرت من أنَّ انفجارًا نوويًا صغيرًا يمكن أن يتسبب في مقتل الآلاف ويجعل قاعدة أو منطقة وسط المدينة غير صالحة للسكن لسنوات، قالت إنَّ المخاطر التي يتعرَّض لها بوتين يمكن أن تفوق بسهولة أي مكاسب؛ فبلاده يمكن أن تصبح منبوذة دوليًا، فيما سيحاول الغرب الاستفادة من الانفجار لمحاولة إدخال الصين والهند، وغيرهما ممن لا يزالون يشترون النفط والغاز الروسي في العقوبات التي قاوموها.

سلاح سينقلب ضدها

وقالت إن السلاح النووي الروسي -حال استخدامه في أوكرانيا- سترتد آثاره إلى روسيا، بسبب مشكلة الرياح السائدة، والتي ستعيد الإشعاع المنبعث من الأسلحة الروسية بسهولة إلى الأراضي الروسية.

ولأشهر مضت وحتى الآن، كانت المحاكاة الحاسوبية من البنتاغون والمختبرات النووية الأمريكية ووكالات الاستخبارات تحاول صياغة نموذج لما قد يحدث، وكيف يمكن للولايات المتحدة الرد، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن الأمر ليس مهمة سهلة لأن الأسلحة التكتيكية تأتي بأحجام وأنواع عديدة، معظمها له قوة تدميرية صغيرة، كالتي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي في عام 1945.

ترسانة ضخمة

وقال مسؤول مطلع في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن نتائج النمذجة تتباين بشكل كبير؛ اعتمادًا على ما إذا كان هدف بوتين هو قاعدة عسكرية أوكرانية نائية أو مدينة صغيرة أو انفجار «ادعائي» فوق البحر الأسود.

وفيما تقول «نيويورك تايمز»، إن روسيا تحيط ترسانتها من الأسلحة التكتيكية التي تختلف في الحجم والقوة بسرية كبيرة، إلا أنها قالت إن أكثر ما يقلق الأوروبيين هو الرأس الحربي الثقيل الذي يمكن تركيبه فوق صاروخ إسكندر إم، والذي يمكن أن يصل إلى مدن في أوروبا الغربية.

وتشير الأرقام الروسية إلى أن أصغر انفجار نووي من حمولة إسكندر يبلغ ما يقرب من ثلث القوة التفجيرية لقنبلة هيروشيما، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يُعرف الكثير عن الأسلحة التكتيكية المصممة لترسانة الأسلحة الأمريكية في الحرب الباردة.

البطيخة الكبيرة

ومن بين تلك الأسلحة، تلك التي صنعت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وأطلق عليه اسم «ديفي كروكيت» نسبة إلى رجل الحدود الذي توفي في ألامو، وكان وزنها حوالي 70 رطلاً، والتي بدت مثل «بطيخة كبيرة» بأربع زعانف، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إنه تم تصميمها ليتم إطلاقها من مؤخرة سيارة جيب وكانت قوتها حوالي ألف من قوة القنبلة التي أسقطت على هيروشيما.

لكن مع تقدم الحرب الباردة، أجرت الولايات المتحدة والسوفييت مئات المتغيرات؛ فكانت هناك اتهامات بالعمق النووي لإخراج الغواصات وشائعات عن «أسلحة نووية» داخل الحقائب.

وفي إحدى مراحل السبعينيات، كان لدى الناتو ما يزيد عن 7400 سلاح نووي تكتيكي، أي ما يقرب من أربعة أضعاف المخزون الروسي الحالي المقدر، والتي كانت في ذلك الوقت جزءًا من الثقافة الشعبية؛ ففي عام 1964، نزع جيمس بوند مفعول سلاح نووي صغير في فيلم Goldfinger، قبل ثوانٍ من موعد انطلاقه.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مايكل جي فيكرز المسؤول المدني السابق في البنتاغون المعني بإستراتيجية مكافحة التمرد، قوله إن تأثيرات الإشعاع على الأرض «ستكون مستمرة لمدى بعيد»، مشيرًا إلى أن الأسلحة التكتيكية الروسية «ستُستخدم على الأرجح ضد تركيز قوات العدو لدرء هزيمة تقليدية».

وأوضح المسؤول السابق، أن تجربته تشير إلى أن «فائدتها الإستراتيجية ستكون موضع شك كبير، بالنظر إلى العواقب التي ستواجهها روسيا بشكل شبه مؤكد بعد استخدامها».

وتابع: بالنسبة للإشعاع المميت، هناك مقارنة درامية واحدة فقط من واقع الحياة على الأراضي الأوكرانية: ما حدث في عام 1986 عندما تعرض أحد مفاعلات تشيرنوبيل الأربعة لانهيار وانفجارات دمرت مبنى المفاعل، في ذلك الوقت، هبت الرياح من الجنوب والجنوب الشرقي، مما أدى إلى إرسال سحب من الحطام المشع إلى بيلاروسيا وروسيا، رغم اكتشاف كميات أقل في أجزاء أخرى من أوروبا، وخاصة السويد والدنمارك.

مخاطر الإشعاع

وأكد المسؤول المدني السابق في «البنتاغون»، أنه من المحتمل أن تكون مخاطر الإشعاع من الأسلحة النووية الصغيرة أقل من تلك التي تنطوي على مفاعلات كبيرة، مثل تلك الموجودة في تشيرنوبيل، إلا أن حمم تداعياتها الإشعاعية ستحول قرى حولها إلى مدن أشباح، وستؤدي في النهاية إلى حدوث آلاف من حالات السرطان.

ولا تزال الأرض حول مصنع تشيرنوبل المعطل ملوثة إلى حد ما، مما جعل تقديم الروس القليل من الحماية للقوات التي تحركت عبر المنطقة في الأيام الأولى لمحاولة موسكو الفاشلة للاستيلاء على العاصمة كييف في فبراير/شباط ومارس/آذار، أمرًا مثيرًا للإعجاب، بحسب «نيويورك تايمز».

التهديدات النووية

ورغم أن الصحيفة الأمريكية قالت إن تفجير تشيرنوبيل كان مصادفة، إلا أنها قالت إن تفجير سلاح تكتيكي سيكون خيارًا ومن المحتمل أن يكون فعلا يائسًا، مشيرة إلى أن التهديدات الذرية المتكررة لبوتين قد تكون بمثابة صدمة للأمريكيين.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن بوتين يتابع كتاب قواعد اللعبة الذي كتبته الولايات المتحدة منذ ما يقرب من 70 عامًا، والذي خططت فيه لكيفية الدفاع عن ألمانيا وبقية أوروبا في حالة حدوث «غزو» سوفييتي واسع النطاق.

«فالفكرة كانت تعتمد على استخدام الأسلحة التكتيكية لإبطاء قوة الغزو»، يتذكر كولين باول، وزير الخارجية السابق ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي تمَّ إرساله إلى ألمانيا في عام 1958 كقائد فصيلة شاب، ليتولى مسؤولية مدفع ذري ملليمتر يُحمل على شاحنتين.

وبعد عقود، قال «إنَّه من الجنون الاعتقاد بأن إستراتيجية الحفاظ على أوروبا الغربية حرة هي أن تخاطر الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو باستخدام عشرات أو مئات الأسلحة النووية، على الأراضي الأوروبية ضد القوات المتقدمة».

ويُقصد من اسم «الأسلحة التكتيكية» تمييز هذه الأسلحة الصغيرة عن الصواريخ العملاقة التي شنتها الولايات المتحدة والسوفييت والدول الأخرى المسلحة نوويًا على صواريخ عابرة للقارات وتوجه بعضها إلى بعض من الصوامع والغواصات وأساطيل القاذفات.

أسلحة إستراتيجية

وتقول «نيويورك تايمز»، إن الأسلحة الضخمة كانت أقوى بكثير مما دمر هيروشيما، فهي التي أثارت الخوف من أن ضربة واحدة يمكن أن تقضي على نيويورك أو لوس أنجلوس.

وفي نهاية المطاف، أصبحت «الأسلحة الإستراتيجية» الكبيرة موضوع معاهدات الحد من التسلح، فيما تقتصر الولايات المتحدة وروسيا حاليًا على 1550 قطعة سلاح منتشرة لكل منهما، لكن الأسلحة التكتيكية الأصغر لم يتم تنظيمها أبدًا.

ومنطق الردع الذي أحاط بالصواريخ العابرة للقارات- أن الضربة على نيويورك ستؤدي إلى توجيه ضربة إلى موسكو - لم تنطبق بالكامل على الأسلحة الصغيرة، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش تخشى أن تحصل جماعة إرهابية مثل القاعدة على سلاح نووي وتستخدمه لتدمير مترو أنفاق نيويورك أو قنبلة إشعاعية في وسط مدينة واشنطن.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن وكالة المخابرات المركزية بذلت جهودًا كبيرة لتحديد إذا ما كانت القاعدة أو طالبان قد حصلت على تكنولوجيا القنابل النووية الصغيرة، وعقدت إدارة أوباما سلسلة من القمم النووية مع زعماء العالم لتقليل كمية المواد النووية السائبة التي يمكن تحويلها إلى سلاح صغير أو قنبلة قذرة.

ومع انتهاء الحرب الباردة، اعترف الناتو علنًا بما خلص إليه المطلعون منذ فترة طويلة، بأن الأساس المنطقي لأي استخدام نووي بعيد للغاية، وأن الغرب يمكن أن يخفض بشكل كبير من قواته النووية.

ترسانة تكتيكية

«إلا أنه في الآونة الأخيرة، استخدمت موسكو ترسانتها التكتيكية كخلفية للتهديدات والبلطجة»، تقول نينا تانينوالد أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون والتي تدرس الأسلحة النووية، مشيرة إلى أن بوتين أثار لأول مرة خطر التحول إلى أسلحته النووية في عام 2014 أثناء العملية العسكرية الروسية على شبه جزيرة القرم.

وأضافت أنه في عام 2015، هددت روسيا السفن الحربية الدنماركية بالتدمير النووي إذا انضمت الدنمارك إلى نظام الناتو لصد الضربات الصاروخية، مشيرة إلى أنه في أواخر فبراير/شباط، دعا بوتين قواته النووية إلى أن تكون في حالة تأهب.

وفي الأسبوع الماضي، خلص معهد دراسة الحرب إلى أن «الاستخدام النووي الروسي سيكون بالتالي مقامرة هائلة لتحقيق مكاسب محدودة لن تحقق أهداف بوتين المعلنة للحرب».

وأضاف أنه في أفضل الأحوال، سيؤدي الاستخدام النووي الروسي إلى تجميد الخطوط الأمامية في موقعها الحالي، وتمكين الكرملين من الحفاظ على الأراضي التي سيطر عليها في أوكرانيا، مؤكدًا أن هذا يتطلب أسلحة نووية تكتيكية متعددة.

وأشار المعهد إلى أن ذلك لن «يمكّن الهجمات الروسية من الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها»، والذي كان الهدف الأصلي للرئيس الروسي بوتين.