هل تحكم نظرية المؤامرة العالم؟

ذكر جدعون راتشمان، أنه كان يعتقد أن نظرية المؤامرة تنتشر فقط بين قليلي الحيلة وغير المتعلمين الذين ليس لديهم القدرة على تفسير الأمور بطريقة أو بأخرى، لكنه اكتشف خطأ اعتقاده عندما رأى نظرية المؤامرة تنتقل إلى رؤساء دول كبيرة.

هل تحكم نظرية المؤامرة العالم؟

ترجمات - السياق

مع اقتراب الحرب الدائرة في أوكرانيا من دخول شهرها الثامن، وتزايد المخاوف من أن تتحوَّل إلى "حرب نووية"، بعد خسارة الجيش الروسي للعديد من المناطق التي سبق واستولى عليها، لجأ فلاديمير بوتين إلى استخدام نظرية المؤامرة في الحرب، بحسب  الكاتب البريطاني جدعون راتشمان.

وقالت راتشمان في مقال له بصحيفة فايننشال تايمز، إنه عندما يدير منظرو المؤامرة الدول تكون النتائج كارثية، مشددة على أنَّ ما سمتها "الأوهام المروعة" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تزيد من المخاطر على العالم.

قوى الظلام

وذكر جدعون راتشمان، أنه كان يعتقد أن نظرية المؤامرة تنتشر فقط بين قليلي الحيلة وغير المتعلمين الذين ليس لديهم القدرة على تفسير الأمور بطريقة أو بأخرى، لكنه اكتشف خطأ اعتقاده عندما رأى نظرية المؤامرة تنتقل إلى رؤساء دول كبيرة، من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، والرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي كان يرى أن المؤامرات تحاك ضده في كل مكان لمنعه من العودة إلى البيت الأبيض.

وأضاف: "كنت أعتقد أن نظريات المؤامرة تنتشر فقط بين (الجهلاء غير المتصفحين للإنترنت) الذين يتصورون أن قوى الظلام السرية تتلاعب بأحداث العالم، إلا أنني وجدتها تنتشر بقوة أكبر داخل أروقة السلطة في العديد من الدول".

وتابع: "يبدو أن منظري المؤامرة انتقلوا من الشوارع إلى السلطة، سواء في تركيا أو البرازيل أو في الولايات المتحدة، لكن أخطر من يتبنى نظرية المؤامرة على مستوى العالم بين الشخصيات البارزة هو الرئيس الروسي الذي يهدد العالم باندلاع حرب نووية".

 

التفكير التآمري

وأشار راتشمان إلى أن خطاب بوتين، الذي أدلى به أثناء إعلان ضم أقاليم أوكرانية إلى الاتحاد الروسي بشكل غير شرعي الأسبوع الماضي، كان مليئًا بالتفكير التآمري، إذ قال في ذلك اليوم: "إنهم -أي الغرب- لا يريدوننا أحرارًا، بل يريدون أن نكون مستعمرة، يريدون أن يسرقونا".

وبيّن الكاتب، أن بوتين وكبار مسؤوليه ومستشاريه أشاروا في مناسبات مختلفة إلى نظرية المؤامرة، وذلك من خلال تكرار استخدام مصطلح "المليار الذهبي"، وهو مصطلح شائع في روسيا والبلاد الناطقة بالروسية للإشارة إلى الدول الصناعية الغنية، وتقوم فكرته الأساسية على "أن ثراء الغرب قائم جزئيًا على استغلاله لمستعمراته السابقة في العالم الثالث".

وهو ما يعني -حسب الكاتب- "أن الغرب يرى أن العالم لديه موارد كافية فقط لدعم مليار شخص، وبالتالي فهو ينوي تفكيك روسيا وسرقة مواردها".

ووصل الأمر ببوتين -نتيجة إيمانه بنظرية المؤامرة- أن يزعم الأسبوع الماضي أن الدول الغربية تخلت عن الدين واعتنقت "الشيطانية"، وفقًا للكاتب.

وقال: "من الواضح بشكل متزايد أن بوتين يؤمن- فعلًا- بالعديد من نظريات المؤامرة التي يروّج لها"، مشيرًا إلى أن النظرة التآمرية العميقة للعالم كانت هي الدافع وراء أفعاله خلال السنوات الأخيرة، ومن ذلك إصراره مرارًا وتكرارًا على أن "الثورات الملونة" في أوكرانيا وجورجيا لم تكن حركات ديمقراطية عفوية، ولكنها "انقلابات" صنعتها وكالات استخبارات غربية.

خطر فريد

ووصف راتشمان، بوتين بأنه "خطير بشكل فريد"، لكنه ليس هو رئيس الدولة الوحيد الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، فهناك الزعيم البرازيلي جايير بولسونارو الذي يرى أن هناك مؤامرة كبرى من اليساريين لإسقاطه وسرقة الانتخابات منه، وسط تقارير تؤكد أنه مُهدد فعليًا بالهزيمة في الانتخابات البرازيلية، فضلًا عن اعتناقه النظرية غير المثبتة علميًا بأن فيروس كوفيد 19 تم تصنيعه في المختبر.

كما تُعد جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء المنتظرة في إيطاليا، من بين الشخصيات البارزة على مستوى العالم التي تتبنى نظرية المؤامرة، إذ إنها أعلنت مؤخرًا أنها تتصدى لنظرية "الاستبدال العظيم"، التي تنص على أن هناك خطة، صاغها ممولو النخبة لإضعاف الثقافة المسيحية في أوروبا من خلال تشجيع الهجرة.

وترى جورجيا أنَّ الهدف النهائي -من نظرية الاستبدال العظيم- هو تحويل الأوروبيين إلى "عبيد" ومستهلكين طائشين، مجردين من هوياتهم القومية.

ومع توقع أكثر كآبة، رأت ميلوني- مثل ترامب وفيكتور أوربان في المجر- أن الشخصية الرئيسة التي تعمل ضد بلدها هي الممول اليهودي جورج سوروس البالغ من العمر 92 عامًا، إذ صرحت قائلة: "عندما تكون عبدًا، فأنت تتصرف وفقًا لمصالح سوروس".

هناك زعيم قوي آخر ينتقد سوروس -حسب الكاتب- هو رجب طيب أردوغان، والذي غالبًا ما يلقي باللوم على المشاكل الاقتصادية لبلاده ليس على عجزه الشخصي، ولكن على "لوبي أسعار الفائدة" الغامض الذي يفترض أنه يريد فرض أسعار فائدة ربوية على الناس العاديين.

ويرفض أردوغان الانضمام إلى ما يسميه "تكتل الفائدة" ويسير عكس الاتجاه العالمي الذي يتضمن رفع البنوك المركزية الفائدة بهدف التصدي للتَّضخم، بينما البنك المركزي التركي مستمر في خفض الفائدة، ويبرر الرئيس التركي عدم رفع الفائدة بأنه من أجل تفادي وضع المزيد من الأعباء المالية على كاهل المواطنين في بلاده.

أما ترامب فقد حطم صعوده أيَّ وهم بأن الديمقراطيات الراسخة في الغرب مُحصنة ضد هذا النوع من "نظريات المؤامرة"، إذ إن الرئيس السابق، وربما المستقبلي، بدأ مسيرته السياسية من خلال الترويج لكذبة "البيرثير"- التي اعتبرت أنَّ باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة-، ومنذ ذلك الحين كان مروجًا بشكل غير عادي لنظريات المؤامرة، وهو الأمر الذي بلغ ذروته في إصراره على سرقة انتخابات 2020 الرئاسية منه.

 

قديمة

ويرى راتشمان، أن نظريات المؤامرة موجودة منذ قرون -منذ عصر حرق الساحرات وما قبله- لكن في عصر العولمة الذي نعيش فيه، يفضلها القوميون المتطرفون بشكل خاص، الذين يرون أن هناك قوى أجنبية غامضة تكمن وراء كل نكسة أو إذلال وطني.

وأشار إلى أن التراجع في مثل هذه النظريات -لدى المؤمنين بها- يتضمن هروبًا من الواقع، مما يؤدي بعد ذلك إلى المزيد من الكوارث، لافتًا إلى أنه عندما تسوء الأمور، يكون رد الفعل الطبيعي لمنظري المؤامرة هو المضاعفة، والادعاء أن الكارثة التي أحدثتها سياساتهم هي دليل إضافي على المؤامرة الأصلية.

وحذر الكاتب من أنه "يمكن لضغط الأحداث أن يجعل حتى صناع السياسة العقلانيين أن يصلوا إلى تصديق نظريات المؤامرة في بعض الأحيان"، مشيرًا إلى أنه في ذروة أزمة اليورو -كمثال-، كان صانعو السياسة في الاتحاد الأوروبي يرددون "فكرة أن الأمر كله ناجم عن صناديق التحوط".

واستشهد الكاتب بالوضع في بريطانيا، قائلا: "بينما حان دور بريطانيا لتخطي الأزمة المالية، شكك بعض المعلقين اليمينيين في المملكة المتحدة في وجود مؤامرة أجنبية لعرقلة خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي".

وحسب الكاتب: "يكمن الخطر في تولي أصحاب نظرية المؤامرة أمور الحكم في أنهم يسافرون بتلك النظرية بعيدًا عن عالم الواقع، وهو ما يجعل من السهل عليهم في أي وقت أن يلقوا باللوم على المؤامرات التي تحاك ضدهم، فبدلًا من أن يعترف الحاكم بأخطائه، يجعل منها نتائج مستقبلية حتمية لمؤامرة حاكتها قوى ظلامية له ولبلاده في الماضي".

وأما بخصوص القادة الذين يميلون بالفعل إلى التفكير التآمري، رأى الكاتب أنهم يسيطر عليهم في الغالب "جنون العظمة"، مما يزيد من سوء الأمور لاحقًا، مشيرًا إلى أن خطاب الضم الذي ألقاه بوتين الأسبوع الماضي كان مثالًا كلاسيكيًا على ذلك، إذ إنه ربط كل أخطاء بلاده منذ قراره بغزو أوكرانيا، بالمؤامرة الغربية الشيطانية.

واستشهد الكاتب بما قالته أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة، قبل بضع سنوات، بأن بوتين فقد الاتصال بالواقع و"يعيش في عالم آخر".

وأضاف: "هذا العالم يكثر فيه الأعداء والمؤامرات الخفية.. إنه عالم نظريات المؤامرة، ومن المؤسف أن خيال بوتين أطلق العنان لحرب لا داعي لها ووحشية متزايدة الخطورة".