لماذا يشكل الانهيار الاقتصادي في بريطانيا إنذارًا للعالم؟

على مدار 10 أيام، تأرجح الجنيه البريطاني بشكل مذهل من ضعيف إلى ضعيف للغاية ثم إلى ضعيف مجددًا.

لماذا يشكل الانهيار الاقتصادي في بريطانيا إنذارًا للعالم؟
ليز تراس

ترجمات - السياق

على مدار أيام عديدة منذ الانهيار المالي لبريطانيا، لم تدلِ رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس بأي تعليق، عن الأزمة أو قضايا أخرى، ما فتح باب التساؤل حول أسباب صمتها.

كانت صحيفة الإندبندنت، نشرت الخميس صورة ليز تروس مرفقة بمانشيت ساخر يقول: "مفقودة: هل شاهدتهم رئيسة الوزراء؟"

بعد ذلك علقت تروس واختارت محطات إذاعية محلية للحديث باعتبارها وسائل أليفة لا تشكل أي تهديد بالنسبة لها، بحسب الكاتب سيباستيان مالابي.

وقال مالابي، في مقال بصحيفة، واشنطن بوست، إن إجابات تروس، جاءت متبلدة جدًا على نحو دفع نائب رئيس حزب العمل المنافس إلى القول: "لقد كسرت تروس أخيرًا صمتها الطويل المؤلم بسلسلة من الصمت القصير المؤلم".

وأضاف الكاتب، "بتنحية التعليقات الغاضبة والساخرة جانبا، لا يندرج أداء تروس تحت بند النكتة".

 

الجنيه يتهاوى

على مدار ١٠ أيام، تأرجح الجنيه البريطاني بشكل مذهل من ضعيف إلى ضعيف للغاية ثم إلى ضعيف مجددًا.

كما فقدت السندات الحكومية طويلة الأجل، المستحقة في ٥٠ عامًا، ثلث قيمتها في مرحلة ما، ولم تتعاف من هذا الهبوط غير المسبوق إلا بعدما تدخل البنك المركزي (بنك إنجلترا).

وقامت مؤسسات أجنبية مثل صندوق النقد الدولي ووكالة التصنيف الائتماني "ستاندارد بورز" بإدانة تخفيضات تروس الضريبية غير الممولة والتي كانت المحفز لهذا الانحدار.

يقول الكاتب سيباستيان مالابي، إنَّ من الواضح أن هذا الأمر سيئ لبريطانيا، مشيرا إلى نسبة تأييد تروس تهاوت من سلبي ٩% إلى سلبي ٣٧% في ظرف أسبوع فحسب.

وأضاف أن ورطة تروس تعكس أيضًا قضية أكبر، في أرجاء الاقتصادات المتقدمة المفترضة حيث تسببت عودة التضخم في تكبير مخاطر الشطحات السياسية المبذرة. ومع ذلك، لم يستوعب معظم السياسيين الرسالة.

على مدار ٢٣ عامًا، منذ انهيار صندوق التحوط طويل الأجل "كابيتال مانجمنت" عام ١٩٩٨ وحتى حافز بايدن عام ٢٠٢١، كان معدل التضخم الهادئ يمكن البنوك المركزية من تخفيف آثار الإخفاقات السياسية.

 

توحش القطاع المالي

وقال سيباستيان مالابي، إنَّ اللوائح الضعيفة ربما تسمح بتوحش القطاع المالي، ولكن منذ عام ١٩٩٨ أدت التخفيضات العاجلة لأسعار الفائدة إلى تخفيف الصدمة.

وأضاف "ربما أهمل السياسيون في الاستعداد لجائحة شديدة الانتشار، لكن البنوك المركزية اشترت مقدارًا هائلًا من السندات الحكومية مما منح السياسيين المال اللازم لدعم الاقتصادات المأزومة بشيكات تحفيزية".

بيد أن عودة التضخم أدى إلى تغيير كل هذا، إذ إن المهمة الأساسية للبنوك المركزية هي استقرار الأسعار بحيث يحتفظ المال في جيبك بقيمته، ومن المفترض أن يكون المال بمثابة مخزن ثروة ووحدة حسابية.

عندما يتوقف عن أداء هذه الوظائف، ينهار النظام التشغيلي للاقتصاد. وبسبب إلزامية مكافحة التضخم، يتعين على البنوك المركزية الآن التفكير مرتين قبل الموافقة على أي حيلة سياسية.

بينما ترتبط حزم الإنقاذ المالية بإجراءات تتضمن تخفيض سعر الفائدة وشراء السندات الحكومية، نجد أن السيطرة على التضخم تتطلب العكس.

 

شعار ما رجريت تاتشر

ووفقًا لسيباستيان مالابي، فإنَّ أزمة بريطانيا توضح آلام هذا التحول، ومضى قائلًا: عند الإعلان عن برنامج التخفيضات الضريبية غير الممولة، تصرف وزير الخزانة كواسي كوارتينج كشركة ناشئة بلا قيود ينفق المال وكأنه ماء مفترضًا عن قناعة أن أصحاب رؤوس الأموال سوف يقومون بإمدادات السيولة بلا نهاية.

 وأضاف أنه عندما يكون سعر الفائدة عند مستوى "صفر"، فإن رأس المال على ما يبدو لا يتكلف شيئًا. يضخ المستثمرون أموالهم في أي مشروع عندما "لا يوجد بديل" (شعار اشتهرت به رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارجريت تاتشر).

حسنًا، الآن يوجد البديل حيث قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة لمكافحة التضخم. ويستطيع المستثمرون ادخار أموالهم في سندات الرهن العقاري بالولايات المتحدة ويحصلون على نسبة ٦.٧% وهو أكثر من ضعف ما كانوا يحصلون عليه قبل عام، بحسب الكاتب.

وأشار إلى أن أي حكومة تخفض الضرائب دون تقليص الإنفاق تبدو كأنها شركة ناشئة تحرق المال دون جمع إيرادات ولم تعد تستطيع التعويل على تساهل السوق.

وأضاف: فليرقد شعار "لا يوجد بديل" في سلام ومرحبا بشعار" السوق أصبح منطقيًا مجددًا".

 

أزمة الطاقة

لكن في أرجاء العالم، لم يتكيف السياسيون مع ذلك بعد، لقد لاحظت مجلة "الإيكونومست" مؤخرًا أن رد فعل الزعماء تجاه أزمة الطاقة في سبعينيات القرن المنصرم تمثل في مطالبة الشعب بارتداء طبقة إضافية من الملابس وتخفيض استهلاك الوقود. وقال مستشار ألمانيا الغربية آنذاك: "لن نجوع".

واليوم يحدث العكس، حيث يقذف السياسيون بالدعم للمستهلكين ويعلقون فرض ضرائب الغاز.

وفي وقت صدمة النفط عام ١٩٧٣، لم يحدث تغير ملحوظ في فاتورة بريطانيا للفوائد. لكن الآن، تقوم الحكومة البريطانية بالتضحية بـ ٦.٥% من الناتج المحلي الإجمالي لحماية المواطنين من تكاليف الوقود.

ويمتد ذلك خارج قطاع الطاقة وأوروبا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تضمن الحكومة الأمريكية الودائع المصرفية والرهون العقارية وتدعم الرعاية الصحية وغيرها كما يتأهب الرئيس الأمريكي جو بايدن لعرض خطة إنفاق مئات المليارات من الدولارات لإلغاء ديون الطلاب.

 

مجتمعات ثرية

ووفقًا لحسابات "الإيكونوميست"، فإنَّ الولايات المتحدة على أعتاب ديون تتجاوز ٦ أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

وفي عام ١٩٧٩، تلقى الخمس الأدنى من أصحاب الدخل في الولايات المتحدة مزايا تقدر بثلث دخلهم قبل الضرائب، ولكن النسبة ارتفعت إلى الثلثين بحلول عام ٢٠١٨.

وبفضل عطلة التضخم التي ظلت قائمة على مدار ٢٣ عامًا، ترعرعت المجتمعات الثرية على فكرة أن الحكومة تستطيع إصلاح الأمور، وما يزال هذا صحيحًا من خلال طرق معتبرة، فالأسبوع الماضي، قام بنك إنجلترا بدعم السندات الحكومية، ولكن على أساس زمني محدود.

ولكن من أجل الاحتفاظ بقدرتهم على المساعدة في الأوقات غير التقليدية، ينبغي على السياسيين كبح ممارساتهم في الأوقات العادية، لقد انقضت عطلة التضخم وسوف يكون التكيف مع ذلك مؤلمًا.