الانتخابات البرلمانية الجزائرية... طريق وعر قد يعيد البلاد إلى عنف الإسلامويين

تصر السُّلطات الجزائرية على إقامة الانتخابات، رغم تسجيل زيادة حادة في عدد الإصابات، تجاوزت 1200 حالة في اليوم، خلال الاستفتاء الماضي، لكن السُّلطات الجزائرية، أكَّدت أنها ستعمل على تجنُّب وقوع هذه المشكلة، في الانتخابات المقبلة.

الانتخابات البرلمانية الجزائرية... طريق وعر قد يعيد البلاد إلى عنف الإسلامويين

السياق 

يستعد ملايين الناخبين الجزائريين، للإدلاء بأصواتهم، في الانتخابات البرلمانية المقرَّرة السبت 12 يونيو، وسط إجراءات أمنية مشدَّدة، للحد من انتشار جائحة كورونا، وهي الانتخابات الثانية، منذ تفشي الفيروس، بعد إجراء استفتاء في نوفمبر 2020، بشأن تعديل الدستور.

وتصر السُّلطات الجزائرية على إقامة الانتخابات، رغم تسجيل زيادة حادة في عدد الإصابات، تجاوزت 1200 حالة في اليوم، خلال الاستفتاء الماضي، لكن السُّلطات الجزائرية، أكَّدت أنها ستعمل على تجنُّب وقوع هذه المشكلة، في الانتخابات المقبلة.

المخاوف تأتي من عدد الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات، الذي يبلغ نحو 24 مليون ناخب، أي أكثر من نِصف سكان البلاد البالغ 43 مليون نسمة، ما يعني كثافة غير عادية وزحاماً شديداً، لكن الحكومة الجزائرية اتخذت عددًا من الإجراءات الاحترازية المشدَّدة، لمنع أي تكدُّس أمام اللجان أو داخلها. 

إجراءات احترازية

اتخذت السلطات في الجزائر، عددًا من الإجراءات الاحترازية، لتمر الانتخابات المقبلة، بأقل قدر من الخسائر، حيث قال محمد الشرفي، رئيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، إنه سيتم وضع بروتوكولات سلامة خاصة، خلال الانتخابات للحد من انتشار الفيروس، مع إنشاء هيكل طبي متخصِّص، لضمان الامتثال للبروتوكولات الصحية.

ورغم أن حصيلة العدوى اليومية، كانت مستقرة نسبيًا، في الأسابيع الماضية، فإن السُّلطات تشدِّد على احترام التدابير الوقائية، في ضوء السلالات المتحولة للفيروس، وتشمل هذه الإجراءات حظر التجول ليلاً لمدة شهر، بدءاً من 20 مايو في 19 من أصل 58 مقاطعة، طوال الحملة الانتخابية وأيام التصويت.

وشملت الإجراءات أيضاً، فرض ارتداء الأقنعة، والالتزام بالتباعد الاجتماعي مسافة 1.5 متر، كما يجب أن تحتوي قاعات الاقتراع على مسربين منفصلين للدخول والخروج، إضافة إلى توفير معقِّمات، والتطهير اللازم للمرافق العامة، وسيتم قياس درجات حرارة جميع المشاركين في الحملات الانتخابية وأغلبية الناخبين، ومَنْ تتجاوز حرارتهم 38.5 درجة، ستتم إحالتهم إلى مراكز الطوارئ الطبية لفحصهم.

منافسة شديدة ومشاركة منخفضة

يتنافس في السباق الانتخابي، 1483 مرشحاً بينهم 646 من 28 حزباً سياسياً و837 مستقلاً، للفوز بمقاعد في البرلمان المكوَّن من 407 أعضاء.

في مارس الماضي، أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مرسوماً، يدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 12 يونيو، بعد أقل من شهر على حل المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب).

أما على مستوى المشاركة، فتنبأ مراقبون، بأن تكون هذه الانتخابات كسابقتها، من حيث انخفاض المشاركة، حيث قال مركز الأبحاث الدولي المعني بمتابعة الانتخابات، إن الجزائريين قد يحبون الحديث عن السياسة، لكن التصويت خطوة لم يتخذها الكثيرون.

فبالنسبة للأغلبية العظمى، فشلت الانتخابات في إحداث تغيير إيجابي في حياتهم اليومية، لكنها كانت وسيلة لأولئك المسؤولين للبقاء في السلطة، ومع ذلك، هناك الكثير على المحك، بالنسبة للبرلمان المنتخب في المستقبل، حيث ستواجه أعضاءه تحديات جسيمة، بما في ذلك إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، حيث أدى التغيير السياسي غير المُرضي في العامين الماضيين، إلى استياء من الحكومة.

ففي حين أوقفت الجائحة الحراك، الذي بدأ في فبراير 2019، فإن استئنافه في فبراير الماضي، يشير إلى أن العديد من الجزائريين، لم يتخلوا عن تحدي الحكومة الجزائرية، منذ المظاهرة السلمية الحاشدة، التي وضعت حدًا لحكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي استمر عشرين عاماً.

لن يقتصر رفض الانتخابات في يونيو على الناخبين، حسب مركز الأبحاث، بل أعلنت أحزاب سياسية، مثل التجمع الليبرالي من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العُمّال اليساري، وحزب العمال الاشتراكي، وقوات الجبهة الاشتراكية -أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر- عدم مشاركتها، لكنها تبقي على مسافة من دعوة الحراك، للمطالبة برحيل الحكومة.

جانب آخر مهم جداً، في المعادلة، هو جزائريو فرنسا، فرغم كتلتهم القوية فإنهم قد يبتعدون عن المشاركة هذه المرة، كما في المرات السابقة، إلا أن صحيفة أفريكا نيوز أشارت إلى أن ظروف الغربة تقف عائقًا أمام مشاركتهم، رغم أنهم يمثَّلون كتلة كبيرة من الناخبين.

أحزاب تشارك وموقف الإسلاميين

من ناحية أخرى، تعتزم أحزاب مثل حزب الجيل الجديد الليبرالي المشاركة، وقال رئيس الحزب سفيان جيلالي: إنه يجب أن يكون هناك حل وسط، فلا يمكن تحقيق التغيير إلا من خلال المشاركة الواسعة للجزائريين، في هذه الانتخابات.

كما يخطِّط آخرون، مثل الأحزاب الموالية للحكومة، جبهة التحرير الوطنية، والتجمع الوطني من أجل الديمقراطية، والتجمع من أجل الأمل من أجل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية، للمشاركة.

ومع ذلك، ورغم ارتباط هذه الأحزاب ارتباطًا وثيقًا بالرئيس السابق بوتفليقة، فمن غير المرجَّح أن تفوز بعدد كبير من المقاعد.

أما الإسلاميون فإنهم -كعادتهم- يظلون المعادلة المجهولة لهذه الانتخابات، وبحسب عبدالرزاق مقري، زعيم الحركة الإسلامية من أجل سلام المجتمع، يمكن للحزب الحكومي، في ظِل النظام القديم، الاعتماد على قاعدة تصويت كبيرة بعض الوقت، لكن هذه الانتخابات يجب أن تكون شفافة ونزيهة وذات مصداقية.

بحسب موقع أتلانتك كانسل، فإن الجدير بالاهتمام الآن هو تغلغل الإسلاميين بعمق في المجتمع الجزائري، بعد هزيمة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في التسعينيات، التي ما زالت فلولها نشطة للغاية، لا سيما بين المقيمين بالخارج، ومؤيدوها مؤثِّرون من خلال تجمعاتهم في المساجد والجامعات والشبكات الاجتماعية، وحتى داخل الحراك، من خلال استغلالهم لكل الأحداث، حتى أزمة فيروس كورونا، استغلوها من خلال دعم تلامذتهم مالياً، لتوفير الملصقات واللوحات، خلال مسيرات الحراك، بل إنهم تمكنوا من إقناع الأحزاب العلمانية، بضرورة إدراجها في الساحة السياسية.

مع ميل العديد من المرشحين المستقلين إلى الإسلام السياسي، قد يكون ذلك في صالح الإسلامويين، وإذا تمكنوا من الفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان، فإنهم سيشكِّـلون بعد ذلك تحديًا كبيرًا للسُّلطات.

لذلك بالنسبة للإسلامويين، قد ترسي هذه الانتخابات الأساس لمعارك سياسية مستقبلية، إذ يجب أن تتكوَّن الحكومة، وفقًا للدستور الجديد الصادر في نوفمبر 2020، من الأغلبية الجديدة في البرلمان.

عودة الثقة

بصرف النظر عن نتيجة هذه الانتخابات، سيكون التحدي الرئيسي للسُّلطات، إعادة الثقة مع المجتمع، وإحدى الطرق لذلك، تحسُّن الوضع الاقتصادي اليومي للجزائريين بأسرع وقت، وهي مهمة شِبه مستحيلة، على المدى القصير.

لذلك، ستحتاج الحكومة المستقبلية، إلى شخصيات بارزة من الحراك على طاولة النقاش، لإقناعهم بأن التسوية في هذه المرحلة، السبيل الوحيد للمضي قدمًا، وإلا سيكون المستنقع، الذي يضع الجزائريين في وضع جيوسياسي شديد الصعوبة، لذلك ليس هناك حل، سوى إيجاد توافق في الآراء على وجه السرعة، لتفادي موجة جديدة من العنف، يستعد لها الإسلامويون من الآن.