هل يطيل الحب العمر؟
يميل الناس إلى رسم خط واضح بين المنطق والعاطفة، لكن من المثير الوقوع في غرام شخص ما، رغم وجود علامات على أن هذا الشخص قد يكون سببًا لجرح أو ألم.

السياق
تساءلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، عن الأسباب التي تجعلنا نقع في الحب، وهل له تاريخ انتهاء، مشيرة إلى أنه عادةً ما يكون الحب عاطفة إيجابية، لكنه قد يكون مؤلمًا ويهز صاحبه، مبينة أنه رغم المصاعب التي تواجه المُحب، فإن الناس لا يزالون يواصلون البحث عمن يبادلونهم هذه المشاعر.
وحسب الصحيفة، يميل الناس إلى رسم خط واضح بين المنطق والعاطفة، لكن من المثير الوقوع في غرام شخص ما، رغم وجود علامات على أن هذا الشخص قد يكون سببًا لجرح أو ألم.
وأضافت: "يمكن أن يزعج الحب حياتنا ويطفئ صوت العقل، لكن من الناحية العملية، منذ أن بدأت البشرية، بدأ الناس يفهمون هذه المشاعر المخادعة التي، وفقًا للعديد من الباحثين، منطقية أكثر مما نعتقد".
وعرَّفت الصحيفة الحب بأنه "عاطفة شائعة ومألوفة يختبرها كثيرون في جميع أنحاء العالم"، مشيرة إلى أن هذه العاطفة تعبر الثقافات واللغات، وتربط الذين ربما لم يلتقوا، وهي مصدر إلهام قوي للفن والعمل الجاد، وحتى الحروب والقتل.
كيف ينشأ؟
للإجابة عن هذا السؤال بينت "جيروزاليم بوست" أنه مثل الخصائص البشرية الأخرى، نشأ الحب من حاجة تطورية، مستشهدة بعقد الإيجار بين المستأجر والمالك.
ونقلت عن بنيامين كافيلادزي، الباحث في علم النفس بجامعة كاليفورنيا -الذي أجرى تحقيقًا عميقًا في الآلية التطورية للحب- قوله: عند توقيعك لعقد إيجار، يمكن للمستأجر العثور على شقة أفضل، ويمكن للمالك العثور على مستأجرين يدفعون أكثر، لكن العملية مزعجة للغاية ومكلفة ومملة للطرفين، لدرجة أنهم يفضلون التزامًا طويل الأجل، ضمن اتفاقية ليست مثالية، لكنها مُرضية".
وأشار إلى أن العقد الموقع يوفر الضمان الضروري، الذي سيمنع أي إغراءات أو اقتراحات، من تدمير هذا الترتيب المفيد، ويوضح أن الحب ليس أكثر من "ترتيب مفيد" من وجهة نظر تطورية.
بينما أظهرت دراسة في مجلة نيتشر -وهي دورية علمية أسبوعية بريطانية- أن الناس تطوروا إلى تفضيل العلاقات أحادية الزواج فترة من الوقت تكفي لإنجاب الأطفال.
ويرى كافيلادزي، أن هذه العلاقات أحادية الزواج، تعد ميزة تطورية أسهمت في بقاء وازدهار الجنس البشري، رغم أن الالتزام بشريك واحد ليس بالأمر السهل، حيث قد تكون هناك خيارات أفضل.
ومع ذلك، فإن البحث عن شريك مثالي يُعد مهمة صعبة ومعقدة في العصر الحديث، وأيضًا منذ عشرات الآلاف من السنين.
لكن -وفق كافيلادزي- لحل مشكلة الالتزام ونقل جينات البشر بنجاح إلى الأجيال القادمة، ربما يكون التطور قد خلق الحب كـ "اتفاقية تأجير بيولوجي"، واصفًا هذه الاتفاقية بأنها "عاطفة تحل صعوبة الالتزام وتوفر أيضًا مكافأة قيّمة في المقابل".
مفهوم التكاثر
وحسب "جيروزاليم بوست"، يعلم الجميع أنه إذا لم يكن هناك حب في العالم، فمن المحتمل ألا يتسامح الأزواج مع بعضهم كثيرًا، ومع ذلك، هناك علماء يعتقدون أن الحب لم يتطور فقط، لدعم التكاثر الجنسي واستمرار النسب.
فقد وجد العلماء الذين يدرسون تطور الجاذبية بين الأزواج، أن العلاقات الرومانسية يمكن أن توفر مزايا واضحة للبقاء حتى من دون ذرية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه عبر تاريخ البشرية، تمتع أولئك الذين جربوا الحب وتبعوه، بفرص أكبر للبقاء على قيد الحياة، سواء كان لديهم أطفال أم لا.
وأضافت: "عندما نكون في حالة حب، فإن ذلك يؤثر بشكل كبير في كيفية إدراكنا للآخرين".
ووجدت دراسة أنه عندما يكون الناس في حالة حب، فإنهم يرون الآخرين أقل جاذبية مما هم عليه في الواقع.
وترى الصحيفة أن "هذا جانب تطوري آخر للوقوع في الحب، ساعد في منع الشركاء من البحث عن الدفء والحب في مكان آخر".
ومع ذلك، فإن الحب ينتج أيضًا مشاعر أخرى يجب تجنُّبها مثل الغيرة والهوس والحقد.
ويقال إن الذين نحبهم حقًا، هم فقط من يمكنهم إيذاؤنا ودفعنا إلى الجنون، لكن هناك دراسات ترى أن هذه المشاعر المعقدة تحمل أيضًا فوائد ساعدت أسلافنا في البقاء مخلصين، مع حماية علاقتهم من التهديدات الخارجية، لذلك نحن هنا اليوم لأن أسلافنا كانوا غيورين ومهووسين ومتملكين.
علاقات أطول
وعن دوام العلاقات المبنية على الحب، يقول كافيلادزي: "إذا شعرت بأن الحب يعميك ويجعلك تتخذ قرارات أقل حكمة، فقد تفاجأ عندما تكتشف أنه من المستحسن الاستمرار على هذا النحو".
وتشير الدراسات إلى أن الذين يحبون شخصًا ما ويرون السحر فيه، أكثر عُرضة للاستمتاع بعلاقات أطوّل وأكثر فائدة.
ويرى كافيلادزي أنه رغم أن الإيمان السحري بالحب والقدر يكاد يكون خاطئًا من حيث البيانات الموضوعية، فإنه يساعد في إنشاء التزام طويل الأجل لشريك جيد، وبذلك يعد اتجاهًا عقلانيًا وحكيمًا.
وحسب الصحيفة الإسرائيلية، تأتي ميزة الحب أحيانًا على حساب سعادتنا الشخصية، أو حتى تصور صحي للواقع، إذ يشعر كثيرون من الذين يقعون في الحب بأنهم يجدون صعوبة في التفكير بوضوح، وأنهم يرون الأشياء بشكل مختلف، وفي بعض الأحيان يعانون أيضًا مشكلات وأزمات أكثر من متعة الشعور بالحب ذاته.
لذلك، يقول علماء النفس: حال الانفصال، يشعر المرء كأنه وصل إلى مرحلة الموت أو وقع في فجيعة كبرى.
وأضافوا: "عندما تنتج عن الحب مشاعر صعبة وتحديات، تذكر أنه وراء النصيحة المبتذلة (اتبع قلبك)، هناك منطق تطوري واضح يسمح للبشرية بالازدهار والنمو لسنوات عدة".
وأشاروا إلى أن حقيقة أن الحب "أعمى" تجعل الناس يؤمنون بالمعجزات ويواصلون البحث عنها، حتى بعد خيبات أمل لا حصر لها.
ويؤكد خبراء علم النفس أنه رغم أن الفشل والانفصال مؤلمان، فإن أولئك الذين يؤمنون بهذا "السحر" -أي الحب- يستطيعون الحفاظ على الدافع، للعمل لإيجاد علاقة قد تجعل حياتهم أكثر صحة وتوازنًا وسعادة.