الإرهاب يطل برأسه مجددًا في أوروبا... باريس تعيش 72 ساعة من العنف

عنف في قلب باريس... الهجوم على الأكراد ينكأ جراح السنوات العشر... ومطالب بتصنيفه إرهابيًا

الإرهاب يطل برأسه مجددًا في أوروبا... باريس تعيش 72 ساعة من العنف

السياق

بينما كان الأكراد في فرنسا يستعدون لإحياء الذكرى العاشرة لقتل ثلاث كرديات بباريس في يناير 2013، أصيب المجتمع الكردي في البلد الأوروبي بصدمة، بعد تكرار الحادث، بتفاصيل مشابهة لتلك التي حدثت قبل أعوام.

فثلاثة أشخاص قُتلوا بهجوم الجمعة، في الحي العاشر بالعاصة الفرنسية باريس، على يد رجل يبلغ من العمر 69 عامًا، قال إنه عنصري يكره الأجانب، إلا أن توقيت وملابسات الحادث وتعامل الشرطة مع المتهم، أثارت غضب الأكراد، وكشفت عن مخاوف من تسلل الإرهاب إلى قلب أوروبا، خاصة أن المشتبه فيه، ضبطت بحوزته ذخائر.

قصة الهجوم وتبعاته

شن رجل سبعيني هجومًا بسلاح ناري، في شارع قرب مركز ثقافي كردي، في حي تجاري ترتاده الجالية الكردية، ما أوقع ثلاثة أشخاص: رجلان وامرأة، بينما أصيب رجل بجروح خطيرة، وآخران جروحهما أقل خطورة.

بحسب المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، فإن المرأة التي قُتلت هي أمينة كارا وكانت قيادية في الحركة النسائية الكردية في فرنسا، بينما قال المتحدث باسم الحركة أجيت بولات -في مؤتمر صحفي الجمعة- إنها تقدمت بطلب لجوء سياسي، رفضته السلطات الفرنسية.

أما اللذان قُتلا فهما عبدالرحمن كيزيل وهو كردي يتردد إلى المركز الثقافي يوميًا، ومير بيروير وهو فنان كردي ولاجئ سياسي ملاحَق في تركيا بسبب فنه، بحسب المجلس الكردي.

هوية مطلق النار

تقول «نيويورك تايمز»، إن مطلق النار المفترض، الذي أصيب بجروح طفيفة في وجهه أثناء اعتقاله، معروف للقضاء، فقد حُكم عليه في يونيو الماضي بالسجن 12 شهرًا بتهمة ارتكاب أعمال عنف بسلاح عام 2016.

كما اتُهم في ديسمبر 2021 بارتكاب أعمال عنف ذات طابع عنصري، مع سبق الإصرار مستخدمًا أسلحة والتسبب بأضرار لأفعال ارتُكبت في الثامن من ديسمبر 2021.

ويُشتبه بأنه جرح بسلاح أبيض مهاجرين بمخيم في باريس وخرَّب خيامهم، بينما قالت المدعية العامة في باريس لور بيكوو إنه بعد توقيفه الاحترازي لمدة عام، أُطلق سراحه في 12 ديسمبر ووُضع تحت إشراف قضائي.

ورغم الحُكم على الرجل عام 2017 بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ لحيازته أسلحة، فإن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان قال إنه غير معروف في ملفات استخبارات البلاد والمديرية العامة للأمن الداخلي، ولم يُصنف بأنه من اليمين المتطرف.

والد المشتبه به البالغ 90 عامًا دارمانان، قال عن ابنه، إنه «لم يقل شيئًا عندما غادر المنزل يوم الحادث، إنه مجنون»، مشيرًا إلى أنه يميل إلى «الصمت ومنغلق».

وأضاف دارمانان أن ابنه أراد مهاجمة الأجانب، ومن الواضح أنه تصرف بمفرده، مشيرًا إلى أنه كان يتردد إلى ميدان رماية.

وقررت السلطات الفرنسية رفع قرار احتجاز المشتبه بقتله ثلاثة أكراد في باريس لأسباب صحية، ونقله إلى مركز للعلاج النفسي تابع للشرطة.

ومساء الأحد، قالت النيابة العامة في باريس، إن الطبيب الذي فحص المشتبه به، خلص إلى أن وضعه الصحي لا يتوافق مع إجراء الاحتجاز، مضيفًا أنه قرر رفع إجراء الاحتجاز بانتظار عرضه على قاضي تحقيق، عندما تسمح حالته الصحية بذلك، بينما لا تزال التحقيقات مستمرة.

ماذا حدث بعد الهجوم؟

لليوم الثاني اندلعت أعمال عنف في باريس، السبت، بينما قلب المتظاهرون المركبات، وأشعلوا النار في بعضها، وألقوا أشياء على الشرطة، التي ردت بالغاز المسيل للدموع.

بدأت الاحتجاجات بعد وقت قصير من إطلاق النار، فالمتظاهرون كسروا نوافذ السيارات وأشعلوا النيران، بينما استؤنفت أعمال العنف مرة أخرى السبت، بعد مظاهرة سلمية إلى حد كبير في ساحة الجمهورية بالمدينة، حدادًا على الضحايا الثلاث.

وأعاد إطلاق النار إلى الذاكرة، ثلاث جرائم قتل أكراد عام 2013، وألقى فيها كثيرون باللوم على تركيا، ما دفع عددًا كبيرًا من أعضاء الجالية الكردية إلى التعبير عن غضبهم من أجهزة الأمن الفرنسية، موضحين أنها لم تقم بما يكفي لمنع إطلاق النار.

وشارك الآلاف في مسيرة تكريم للضحايا بباريس، إلا أنها شهدت أعمال عنف السبت، بينما تعرضت أربع سيارات على الأقل للتخريب، وأضرمت النار في واحدة منها، كما أحرقت حاويات قمامة.

وألقى عشرات من المتظاهرين مقذوفات على قوات الأمن، التي ردت بالغاز المسيل للدموع، بينما هتف العديد من المتظاهرين «عاشت مقاومة الشعب الكردي».

وعن تلك الأحداث، قال قائد شرطة العاصمة لوران نوني لقناة بي إف إم التلفزيونية، إن 31 شرطياً ومتظاهراً أصيبوا في الاضطرابات، بينما أُلقي القبض على 11 شخصاً.

وفي مرسيليا، نظمت مسيرة شارك فيها نحو 1500 شخص، إلا أنها كانت في أجواء سلمية، وفق الشرطة.

ردود الفعل

دان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهجوم الذي وصفه بـ«المشين» واستهدف الأكراد في فرنسا، مطالبًا قائد شرطة باريس باستقبال قادة الجالية الكردية السبت.

وأكد الرئيس الفرنسي، أنه «ليس من المؤكد أن القاتل الذي أراد قتل هؤلاء الناس، فعل ذلك لاستهداف الأكراد تحديدًا».

وقال ديفيد أنديتش، المحامي الذي يمثل الأكراد، إن عمليات القتل التي وقعت الجمعة، تركت الجالية الكردية في حالة من الذعر وهي تستعد لإحياء الذكرى العاشرة لقتل 3 أكراد، مضيفًا: «المجتمع الكردي خائف. لقد أصيب بصدمة بسبب القتل الثلاثي عام 2013. يحتاج إلى إجابات ودعم ومراعاة ».

«نحن لسنا محميين على الإطلاق»، قالت بيريفان فرات المتحدثة باسم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، لتلفزيون بي.إف.إم أثناء المظاهرة، مضيفة أنه خلال 10 سنوات، قُتل ستة نشطاء أكراد بقلب باريس في وضح النهار.

وقالت فرات إن المظاهرة تحولت إلى أعمال عنف، بعد أن قام أشخاص في سيارة عابرة، يرفعون العلم التركي بـ«لفتة قومية»، بحسب «نيويورك بوست».

وقالت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو على "تويتر"، إن المجتمع الكردي استُهدف «بجرائم قتل ارتكبها متشدد يميني متطرف»، لكنها لم تقدم تفاصيل عن المشتبه به.

وأضافت هيدالغو: «يجب أن يكون الأكراد، أينما كانوا، قادرين على العيش في سلام وأمن. باريس تقف إلى جانبهم أكثر من أي وقت مضى في هذه الأوقات العصيبة».

إرهابي أم عنصري؟

يريد ممثلو الجالية الكردية الذين التقوا مسؤولي شرطة باريس السبت، اعتبار إطلاق النار يوم الجمعة هجومًا إرهابيًا، وفقًا للتقارير.

وشكل الهجوم صدمة للجالية الكردية، التي اتهمت تركيا بالعمل «الإرهابي»، بينما قال أجيت بولات المتحدث باسم المجلس الديمقراطي الكردي، مؤتمر صحفي في مطعم يبعد مئة متر عن مكان الهجوم: «من غير المقبول عدم الحديث عن الطابع الإرهابي ومحاولة الإيحاء بأنه مجرد ناشط يميني متطرف... جاء لارتكاب هذا الاعتداء على مقرنا».

وأضاف: «الوضع السياسي في تركيا في ما يتعلق بالحركة الكردية يدفعنا -بشكل واضح- إلى الاعتقاد بأن هذه اغتيالات سياسية»، قبل تأكيده أن المجلس يعتقد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والدولة التركية يقفان وراء هذه الاغتيالات.

وتعرضت فرنسا لهجمات إرهابية واسعة النطاق عامي 2015 و2016، وفي السنوات التي تلت ذلك، تعرضت لعمليات إطلاق النار والطعن الصغيرة لكنها مميتة، نفذها غالبًا مهاجمون منفردون.

ولا تزال عمليات إطلاق النار الجماعية نادرة، لكن هناك مخاوف متزايدة بشأن عنف المتطرفين اليمينيين، وهذا الشهر، عطل متشددون من اليمين المتطرف اجتماعًا سياسيًا يساريًا في بوردو.

كما اعتقلت الشرطة العشرات من المتشددين اليمينيين المتطرفين في باريس وليون هذا الشهر للاشتباه في أنهم كانوا يخططون لهجمات عنيفة، بعد مباراة كرة قدم بين فرنسا والمغرب خلال كأس العالم.

وطالب رئيس جمعية «عدالة وحقوق بلا حدود» فرنسوا دروش، وسائل الإعلام، بتسليط الضوء على هذا الهجوم «الإرهابي»، متسائلًا عن سبب عدم تسميته بذلك، في وسائل الإعلام الفرنسي حتى الساعة، واكتفائهم بوصف الهجوم بأنه عنصري.

وأضاف أن الأمر يندرج ضمن فرضيات فقط، لكن بعد انتهاء التحقيق سيتم تحديد وصف مناسب لهذا الهجوم، وإن كان يندرج في خانة الإرهاب أم العنصرية.

من جانبه، قارن الباحث السياسي الدكتور صلاح القادري في تصريحات تلفزيونية، بين أحداث 13 نوفمبر 2015 في فرنسا وأحداث ديسمبر الجاري، قائلًا إن السلطات تعاملت –آنذاك- بقوة في فترة وجيزة، حيث دخلت مئات المنازل ووضعت مئات الأشخاص تحت المراقبة، وأصدرت مذكرات خاصة بحق المئات من الأشخاص، ومنعتهم من التحرك من منازلهم، كإجراءات وقائية لما يسمى «الإرهاب»، إلا أنها لم تتخذ الإجراءات السابقة نفسها حاليًا، خاصة أن المتهم يتبنى أفكارًا يمينية متطرفة، وقد أدلى بذلك أثناء اعتقاله.