رحلة جيف كونز.. من سمسار قطن لأغني فنان في العالم

عام 2019، أصبح كونز الفنان الحي الأكثر مبيعًا عندما بيعت قطعة فنية على شكل أرنب مصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ، على غرار أرنب قابل للنفخ للأطفال، بأكثر من 91 مليون دولار

رحلة جيف كونز.. من سمسار قطن لأغني فنان في العالم
جيف كونز

ترجمات - السياق

يواصل الأميركي جيف كونز إثارة جدل بدأه منذ نحو 40 عامًا، لما يقوم به من تحويل الأشياء البسيطة إلى آثار فنية، تباع بملايين الدولارات، لكن الحقيقة أن لا أحد يعلم هل فنه -الغريب- المقصود به الجمهور العادي، أم أنه مخصص للنخبة؟

في تقرير لها، سلَّطت صحيفة التايمز البريطانية، الضوء مجددًا على آخر معارض الفنان جيف كونز صاحب إبداعات (كلب بالون)، متسائلة: هل يعد وريثًا للفنان الشهير أندي وارهول -كان صانع أفلام مرتبطاً بحركة فن البوب في الولايات المتحدة- أم دعاية ذاتية ساخرة تصنع فنًا تذكاريًا لأصحاب المليارات؟

جيف كونز المولود في 21 يناير 1955 فنان أمريكي معروف بإعادة إنتاجه لأشياء "تافهة" مثل حيوانات البالونات، التي صنعها من الفولاذ غير القابل للصدأ أو الستانلس ستيل وغطاها بورق عاكس كالمرآة.

وأوضحت "التايمز" في تحقيق للصحفية الإنجليزية الشهيرة كيرستي لانج، أن كونز يعيش اليوم ويعمل في مدينة نيويورك، وقد بيعت أعماله بمبالغ طائلة، بما في ذلك حيازته أعلى سعر يحصل عليه فنان على قيد الحياة في مزاد علني، وحصلت عليه (زهرة البالون /قرمزي) مقابل 25.765.204 دولار  أمريكي في دار كريستيز بلندن عام 2008 خلال أمسية "الفن المعاصر وفن ما بعد الحرب".

آخر المعارض

روت "التايمز" أن كونز -أغلى فنان حي في العالم حاليًا- يشق طريقه ببطء عبر ميدان فلورنسا الأنيق، إذ يحيط به المصورون مثل قطيع من طيور النورس الجائعة.

وأوضحت الصحيفة، أن الاهتمام بكونز يأتي مع إطلاق أول معرض كبير له في إيطاليا، مشيرة إلى أن درجة الاهتمام تفوق ما قد يحدث عادة لنجم سينمائي في هوليوود.

وأشارت "التايمز"، إلى أن كونز، 66 عامًا يجذب اسمه الحشود إلى المتاحف، وهو أيضًا أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل، حيث تُباع منحوتاته للأثرياء بعشرات الملايين من الدولارات.

أسعار الفن المعاصر

ووفقًا لموقع Artprice.com  -الذي يقدِّم قاعدة بيانات لأسعار الفن على الإنترنت- ارتفع مؤشر أسعار الفن المعاصر إلى أعلى مستوى له بداية صيف 2021، مع زيادات في الأسعار بـ 400 في المائة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأشارت "التايمز" إلى أنه خلال العام الماضي فقط، تم تداول أعمال معاصرة بـ 2.7 مليار دولار في مزاد علني، موضحة أن نحو ثلث هذه المبيعات يعود إلى قلة من الفنانين أبرزهم كونز، وفنان الجرافيتي الإنجليزي المشهور بانكسي.

مصرفي ومبدع

وذكرت الصحيفة البريطانية، أنه عام 2019، أصبح كونز الفنان الحي الأكثر مبيعًا عندما بيعت قطعة فنية على شكل أرنب مصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ، على غرار أرنب قابل للنفخ للأطفال، بأكثر من 91 مليون دولار .

وفي معرض وصفها لهيئة كونز، تقول "التايمز" إنه نحيف وشعره داكن ويرتدي قميصًا كحليًا وبنطلون جينز ضيق، مشيرة إلى أنه يبدو كمصرفي في "وول ستريت" أكثر من كونه مبدعًا، ربما لأنه كان كذلك، إذ أمضى ست سنوات تاجر سلع، قبل أن يتفرغ للفن.

سنوات الكفاح

وتضيف الصحيفة، أن كونز مثير للجدل، إذ يراه البعض بائعًا ساخرًا يصنع جوائز كبيرة ولامعة لكنها سطحية، بينما يراه آخرون شخصية عظيمة في تقاليد فن البوب الأمريكي، وريث آندي وارهول.

وأشارت "التايمز" إلى أن معارض كونز، تأتي بعد سنوات طوال كافح فيها النقاد، موضحة أنه عام 2004، كتب الناقد الفني الأسترالي الشهير روبرت هيوز عنه ساخرًا: "يعتقد كونز حقًا أنه مايكل أنجلو وليس خجولًا من قول ذلك... إنه يتمتع ببعض الهفوات"، لكن المواقف تجاهه تتغير الآن، إذ عرضت متاحف عالمية عدة، عروض كونز في السنوات الأخيرة، بما في ذلك Ashmolean في أكسفورد.

أسلوب كونز

ووصفت الصحيفة، أسلوب كونز بأنه يتسم بالصبر والتأدب مع كل مَنْ يقترب منه.

وُلد كونز في ولاية بنسلفانيا عام 1955، وشجعه والداه على أخذ دروس في الفن، وعن بداياته يقول: "أتذكر عندما كنت في الثالثة من عمري، قمت برسم وأشاد والدي كثيرًا... كان بإمكان أختي الكبرى كارين القيام بالأشياء بشكل أفضل، في حين كان الفن شيئًا أجيده".

ويضيف، في حواره مع لانج، خلال وجوده بفلورانسا: إنه تعلَّم علم الجمال من والده، الذي كان مصممًا للديكور الداخلي في متجر أثاث.

وأشارت "التايمز" إلى أنه عندما كان صبيًا ، كان كونز مستمتعًا بالنافذة المتغيرة باستمرار في متجر والده، إذ قام بعمل نسخ من الأعمال الفنية الشهيرة، التي عرضها وباعها والده، وهي عملية تحقق مبكرة مهمة في حياته العملية بعد ذلك.

وعام 1972 -تضيف الصحيفة- غادر كونز البالغ من العمر 17 عامًا منزله للالتحاق بكلية معهد ماريلاند للفنون في بالتيمور، مشيرة إلى أنه في البداية شعر وكأنه سمكة خارج الماء، أو على حد تعبيره: "لقد نجوت من مدرسة الفنون لأنني تمكنت من قبول تاريخي الثقافي الخاص، لقد نشأت في ولاية بنسلفانيا في خلفية من الطبقة الوسطى، تمكنت من قبول هويتي ورأيت أنه إذا كان هناك شيء ما يحمل معنى بالنسبة لي، فيمكنني إيصال ذلك إلى الآخرين من خلال فني".

سمسار قطن

انتقل إلى نيويورك بعد تخرجه وحصل على وظيفة في متحف الفن الحديث  (MoMA)حيث اكتسب شهرة بفضل مبيعاته الرائعة، بينما كانت خطوته التالية الانتقال إلى "وول ستريت"، حيث عمل سمسارًا لبيع العقود الآجلة للقطن عبر الهاتف.

وترى "التايمز" أن عمل كونز في "وول ستريت" أساء إليه، بأنه تاجر جيد يعرف كيف يبيع مقتنياته، لكن ذلك يعارضه الفنان نفسه، ويصر على أن بيع السلع ليس أكثر من وظيفة يومية، مشيرًا إلى أنه عمل في "وول ستريت" لتمويل فنه.

أعمال هزلية

وتقول "التايمز" إنه غالبًا ما يصف النقاد عمل كونز بأنه هزلي، وهي كلمة يكرهها لأنها تصدر أحكامًا مسبقة، مشيرًا إلى أنه يعد نفسه تلميذًا للرسام الفرنسي الشهير مارسيل دوشامب.

وترى الصحيفة أن أغلبية منحوتات كونز تأتي في شكل مضاعفات، مشيرة إلى أن هناك أربع طبعات من الأرنب الشهير المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ، وظهر أحدها في فلورنسا، مشددة على أنه من المعروف أنها صعبة للغاية من الناحية الفنية في الإنتاج، إلا أن كونز أبدع في إخراجها بهذا الشكل.

ويعتقد ألكسندر ستورجيس، مدير متحف أشموليان في أكسفورد، أنه يجب رؤية أعمال كونز شخصيًا حتى يتم تقديرها، قائلًا لـ "التايمز": "إن الرعاية والاهتمام المجنون موجودان بشكل ملموس عندما تكون أمام هذه الأعمال"، مشيرًا إلى أن بعض أسطح أعماله تختلف عن أي أسطح تصادفها في أي مكان في العالم، فهي أسطح عاكسة ملونة فائقة اللمعان تكاد تكون سائلة.

وعن اتهامه بأنه تاجر يجيد تقديم أعماله، قال ستورجيس: "إن فكرة كون كونز ناجحًا تجاريًا تحتاج إلى دراسة، إنه ينفق مبالغ لا تصدَّق في تطوير أعماله الفنية وكاد يفلس مرات عدة، لو كان مهتمًا فقط بجني الأموال، لكان بإمكانه كسب الكثير".

وعام 2017، قدَّم كونز عرضًا في بريطانيا خلال مهرجانVirgin V، وكان على هيئة كلب بالون قابل للنفخ بطول 40 قدمًا، ما أدى إلى تغطية ضخمة للفنان على وسائل التواصل الاجتماعي.