المعاملات المالية عبر الإنترنت تتراجع... ماذا حدث لتطبيق باي بال؟
تطبيق باي بال يعاني العديد من المشكلات، لدرجة إخبار كثيرين من المستخدمين بتوقف العمل به، من دون إنذار

ترجمات - السياق
ظهر تطبيق باي بال عام 1998، ويستخدمه مئات الملايين، ويُعد من أكثر الطرق أمانًا لإجراء المعاملات المالية عبر الإنترنت، وربما يكون أكثر أمانًا من استخدام بطاقة الائتمان، لكن مع التطور الرهيب في الأنظمة المالية، ما الذي حل بهذا التطبيق؟
شبكة فري برس الأمريكية، سلَّطت الضوء على المشكلات التي يواجهها التطبيق مؤخرًا، مشيرة إلى أنه بعد مرور نحو ربع قرن على إنشائه، بات الآن حجر الزاوية في نظام الائتمان الاجتماعي الناشئ.
وبينت أن التطبيق يعاني العديد من المشكلات، لدرجة إخبار كثيرين من المستخدمين بتوقف العمل به، من دون إنذار.
وحيال هذا الأمر قالت الشبكة الأمريكية: واحدًا تلو الآخر، يذهبون لبدء يوم عملهم فيفاجأون بالعثور على رسالة محيرة من تطبيق المدفوعات الخاص بهم تخبرهم: "لم يعد بإمكانك القيام بأعمال تجارية مع باي بال".
ورغم عدم وجود تفسير لما حدث، فإن المستخدم يبلغ –ببساطة- عبر بريده الإلكتروني، من قِبل إدارة المخاطر والامتثال في "باي بال"، بأنه بعد إجراء مراجعة داخلية "قررنا تقييد حسابك بشكل دائم نظرًا لوجود تغيير في نموذج عملك، أو اعتبار نموذج عملك محفوفًا بالمخاطر".
وحسب الشبكة، فإنه حال وجود أي شك، يضيف البريد الإلكتروني: "لن تتمكن من إجراء أي أعمال أخرى باستخدام باي بال".
بعد ذلك ، تضيف الرسالة: "إذا كانت لديك أموال في رصيدك على باي بال، سنحتفظ بها مدة تصل إلى 180 يومًا... وبعد هذه الفترة، سنرسل لك معلومات عبر البريد الإلكتروني بكيفية الوصول إلى أموالك".
خدمة العملاء
وتضيف "فري برس": "إذا كنت من المحظوظين وجرى تعليق حسابك للتو، يمكنك الذهاب إلى خدمة العملاء، وشرح موقفك، على أمل أن يرد أحدهم عليك".
وتابعت: "إذا جرى حظرك، ستحتاج إلى محامٍ لتقديم أمر استدعاء بخصوص مستندات باي بال الداخلية لمعرفة سبب حظرك".
ورغم أن تطبيق باي بال لن يذكر عدد المواقع التي أوقفها أو حظرها، فإنه في يونيو 2021، كتبت مؤسسة التخوم الإلكترونية الأمريكية، ومجموعات الحريات المدنية الأخرى رسالة إلى "باي بال" و"فينمو" -وهي خدمة دفع عبر الهاتف المحمول تملكها شركة باي بال- تطالبهما بالانفتاح ووقف عمليات الحظر المتكررة من دون سبب.
ومع ذلك، كشف آرون تير، مدير المناصرة العامة في مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، أن مسؤولي التطبيق لم يردوا على طلبهم حتى الآن.
الغريب -حسب "فري برس"- أن مؤسسي باي بال (بيتر ثيل وإيلون ماسك وديفيد ساكس وماكس ليفشين)، جميعهم من أهم داعمي "حرية التعبير".
وأشارت الشبكة إلى أن جميع هؤلاء أعربوا عن صدمتهم واستيائهم مما يحدث للشركة التي أنشأوها.
وقال بيتر ثيل، الرئيس التنفيذي السابق لباي بال: "إذا جرى تجميد أشكال أموالك عبر الإنترنت، فهذا يشبه تدمير الناس اقتصاديًا، والحد من قدرتهم على ممارسة صوتهم السياسي"، مضيفًا: "هناك شيء ما يتعلق بتدمير الناس اقتصاديًا يبدو كأنه أكثر شمولية".
وحسب الشبكة الأمريكية، فإنه عند إطلاق "باي بال" في ديسمبر 1998، تخيل المؤسسون أنفسهم يربطون الناس بالاقتصاد العالمي، من خلال تجنُّب الرسوم الباهظة التي تفرضها شركات بطاقات الائتمان والسياسات التضخمية للحكومات التي تدار بشكل سيئ.
بينما كان مستخدمو "باي بال" الأوائل يمتلكون "بالم بيلوت" -ثاني إصدارات بالم للحاسوب المصغر- وكانوا يرسلون الأموال من أجهزتهم إلى أي شخص لديه بريد إلكتروني، حيث كانت هذه المراسلات شائعة بشكل خاص بين مستخدمي إيباي، وهي شركة تجارة إلكترونية متعددة الجنسيات.
وهو ما أكده ثيل عام 1999 في أحد اجتماعات الشركة، قائلًا: "ستمنح باي بال المواطنين في جميع أنحاء العالم سيطرة مباشرة على عملاتهم أكثر من أي وقت مضى، لأنهم إذا حاولوا أن يتحول الناس إلى الدولار أو الجنيه أو الين، فإنهم يستطيعون بسهولة التخلص من العملة المحلية التي لا قيمة لها مقابل شيء أكثر أمانًا".
ملايين الحسابات
وأفادت "فري برس" بأنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، جمعت "باي بال" نحو 429 مليون حساب نشط، مشيرة إلى أن 58% من الأمريكيين يستخدمون التطبيق، لافتة إلى أنه عام 2021 وصلت المعاملات لنحو 19.3 مليار، بينما يبلغ التقييم السوقي لهذه المعاملات الآن نحو 84 مليار دولار.
لكن -حسب الشبكة الأمريكية- الشركة التي كان من المفترض أن تحرر عددًا لا يحصى من الأفراد أصبحت شيئًا آخر، وباتت تلعب دور ضابط الشرطة، الذي يقف أمام كل صغيرة وكبيرة، وتقرير الصواب والخطأ، ومن الذي يُسمع، ومن الذي يتم إسكاته.
وأشارت إلى أن دور (هذا الضابط) يتمثل في عزل العديد من الأشخاص أو العلامات التجارية عن النظام المالي، بدعوى انزلاقه خارج حدود الخطاب المقبول، أو أنه يهدد النظام السياسي القائم.
وترى الشبكة الأمريكية، أن ما سمتها هذه الأيديولوجية تفتقر إلى ملامح محددة بوضوح، إذ إنه حدث لبس وتداخل بين معاني الخير والشر، وباتت السياسة التقدمية الجديدة عن العِرق والجنس قوة من أجل الخير، وأصبح إغلاق كورونا عادلاً، والحرب في أوكرانيا نبيلة، والتبادل غير المقيد للأفكار والآراء يُمثل تهديدًا غير مقبول للجميع.
وضربت الشبكة أمثلة على ذلك، قائلة: إن إريك فينمان -24 عامًا وهو مستثمر ورجل أعمال في بتكوين- كان أحد الذين شكلوا على ما يبدو تهديدًا غير مقبول، إذ استيقظ في 18 يوليو 2021، ليجد أن تطبيق باي بال أعلن الحرب على شركته الناشئة التي أطلقها قبل أربعة أيام.
كانت فكرة شركة فينمان الناشئة "فريدوم فون" -التي في الأساس عبارة عن آندرويد أو نظام تشغيل مجاني معاد تنظيمه- تقوم على منح الأفراد إمكانية الوصول إلى أي تطبيق يريدونه.
وأشارت الشبكة إلى أنه كثيرًا ما يحظر متجر تطبيقات آبل التطبيقات، مثل ميتاداتا (البيانات الوصفية)، التي تُخبر المستخدمين بعدد الغارات بطائرة من دون طيار التي تشنها الولايات المتحدة في باكستان واليمن والصومال.
بينما على النقيض من ذلك، يتيح متجر تطبيقات "فريدوم فون" لأي شخص تنزيل أي شيء، إذ يتضمن ذلك بارلير، منصة التواصل الاجتماعي الأمريكية اليمينية المتطرفة التي تم تعليق متجر التطبيقات عليها مؤقتًا، و"تويتر"، التي هدد متجر التطبيقات مؤخرًا بطردها.
لكن -حسب الشبكة الأمريكية- يبدو أن ذلك لم يكن على هوى مسؤولي "باي بال"، الذين قرروا حظر "فريدوم فون" نهائيًا من التطبيق، بعد أيام معدودة من فعل "شوبيفي" -وهي شركة كندية متعددة الجنسيات للتجارة الإلكترونية- و"أمازون باي"- وهي خدمة لمعالجة المدفوعات عبر الإنترنت مملوكة لشركة أمازون- الشيء نفسه.
ومما زاد الطين بلة -حسب وصف الشبكة الأمريكية- أن "باي بال" علقت ما يصل إلى 1.2 مليون دولار من المدفوعات لشركة فينمان.
ورغم أنه في النهاية، حصل فينمان على أمواله، فإن التأخير، كما قال، "قضى على آماله".
إغلاقات عدة
نوهت "فري برس" أيضًا إلى قصة كولن رايت عالم الأحياء التطوري، الذي طُرد من تطبيق باي بال في يونيو الماضي، بدعوى محاولته الترويج لبحثه عن "أيديولوجية النوع الاجتماعي".
وقد أخبر "باي بال"، رايت بأنه إذا أراد معرفة سبب طرده، يجب على محاميه تقديم أمر استدعاء قانوني.
ويقول رايت: "حاول الكثير من النشطاء إلغاء اشتراكي على التطبيق، فقط لأنني أتحدث كثيرًا عن الجدل بشأن الجنس والنوع الاجتماعي".
ولكن نظرًا لأن هؤلاء النشطاء -كما قال رايت- "ليس لديهم حجج جيدة ليقدموها للناس، يسعون لمحاربتي حتى لا يتمكن كل من لديه حجج جيدة من كسب عيشه بالتحدث عنه".
هناك أيضًا قصة الصحفي البريطاني توبي يونغ -مؤسس اتحاد الكلام الحر، رئيس تحرير صحيفة ديلي سكيبتيك- التي شككت في فعالية لقاحات كورونا.
ففي 15 سبتمبر 2022، أبلغ "باي بال" يونغ بتعليق حسابه، وبعد بضع دقائق، علم أن حسابه على "ديلي سكيب" أغلِق أيضًا، وتبع ذلك بعد دقائق قليلة إخباره بأن اشتراكه في "اتحاد الكلام الحر" أصبح معطلًا.
وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أنه في أقل من نصف ساعة، عُزل يونغ عن عالم الخدمات المالية تمامًا.
ويقول يونغ: "لقد شعرت بالفزع عندما اكتشفت أن باي بال علقت حساباتي"، مضيفًا: "نظام الائتمان الاجتماعي الاستبدادي الذي جرى تطويره في الصين ينفذ الآن في الغرب، باستثناء أنه بدلاً من الامتثال الأيديولوجي الذي يفرضه الحزب الشيوعي الصيني، فإنه تتم مراقبته من شركة رأسمالية أكثر تشددًا".
وشملت حسابات "باي بال" الأخرى التي جرى تعليقها مؤخرًا "جايس أجينست جرومرز"، التي تعارض "إضفاء الطابع الجنسي على الأطفال" و"يوسفورثيم" ومجموعة لاو أور فيكشون، وكلتاهما في المملكة المتحدة وعارضتا استجابة الحكومة البريطانية لكورونا، بما في ذلك إغلاق المدارس والإغلاق الإلزامي.
كما علقت "باي بال" حسابات موقع كونسورتيوم نيوز، الذي انتقد تورط الولايات المتحدة في حرب أوكرانيا.
وفي ذلك، يقول كولن رايت عالم الأحياء التطوري: بناء جمهور أساسي يستغرق سنوات -وهم الذين ينقرون على مربع الدفع المتكرر في حساب "باي بال" الخاص بك- ومن ثم عندما ألغى التطبيق ذلك، بات من الصعب جدًا نقل هؤلاء البالغ عددهم 200 شخص إلى معالج دفع آخر.
سبب الإلغاء
وعن أسباب الإلغاء، رأت "فري برس" أنه لا أحد خارج "باي بال" يعرف حقًا كيف ذلك، مشددة على أنه لا يوجد سبب واضح حتى الآن، لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا يتضمن نشر مستخدم ما شيئًا يعد مشكلة على منصة وسائط اجتماعية، فيبلغ ناشط ما أو أحد موظفي "باي بال" بذلك، ومن ثمّ يغلق التطبيق الحساب من دون إنذار.
وتعليقًا على ذلك، نقلت الشبكة الأمريكية عن متحدث باسم "باي بال" قوله: "المنصة ستواصل هدفها في تمكين حرية الرأي والتعبير، لكن مع حماية عملائنا والمنصة بشكل مناسب من الاحتيال والتزوير والأنشطة غير المشروعة".
وللتأكد من عدم الاختراق ولإحكام قبضتها، تعاونت "باي بال" مع رابطة مكافحة التشهير (إيه دي إل) ومركز قانون الفقر الجنوبي -الذي وصف مجلس أبحاث الأسرة بأنه "متطرف"، وهو مجموعة ناشطة محافظة- وتشارلز موراي، وهو عالم سياسي اشتهر بمشاركته في تأليف الكتاب المثير للجدل عام 1994 "منحنى الجرس"، إضافة إلى آيان هيرسي علي، الصومالية المولد الناقدة للإسلام والداعمة لحقوق المرأة، بين آخرين.
وحسب الشبكة الأمريكية، يتميز هذا التعاون بمبادرة بحثية تبحث كيفية استخدام المتطرفين في الولايات المتحدة للمنصات المالية لتمويل أنشطتهم.
ولكن مما يزيد الطين بلة سياسة الاستخدام المقبول، التي جرى تحديثها مؤخرًا من "باي بال"، والتي تمهد الطريق لمزيد من عمليات التعليق والحظر والغرامات.
وتحظر سياسة الاستخدام، التي صدرت في أكتوبر الماضي، جميع الأنشطة "المرفوضة"، محذرة من أن المخالفين يواجهون غرامة قدرها 2500 دولار.
أمام ذلك، غرَّد ديفيد ماركوس، الرئيس السابق لشركة باي بال، قائلاً: السياسة الجديدة "تتعارض مع كل ما أؤمن به، يتعين على شركة خاصة الآن أن تقرر أخذ أموالك إذا قلت شيئًا تختلف معه، وهذا جنون".
أما دان شولمان، وهو رجل أعمال أمريكي شغل منصب الرئيس التنفيذي لـ"باي بال" عام 2014، فقال: "الجزء الصعب هو تحديد الكراهية وحرية التعبير"، في إشارة إلى عدم الوضوح بين الأمرين، وكيفية اتخاذ القرار النهائي بإلغاء حساب شخص ما، واعتبار ما وقع فيه حرية تعبير أم تحريض على الكراهية.
وعن كيفية وصول "باي بال" التي كانت أحد أهم أعمدة نظام الائتمان الاجتماعي الناشئ في الولايات المتحدة، إلى هذا التراجع، نقلت الشبكة الأمريكية عن إريك جاكسون، الذي كان نائب الرئيس المؤقت للتسويق داخل الولايات المتحدة في الأيام الأولى للشرطة، قوله: "كانت الرؤية التأسيسية لشركة باي بال تمكين الأشخاص ومنحهم المزيد من التحكم والحرية، بينما الشركة اليوم بعيدة جدًا عن تلك الرؤية التأسيسية".
وأضاف: "يبدو أن دورها تحول إلى مراقبة ما يفعله الناس ويفكرون فيه أو يقولونه، وهو ما يتعارض تمامًا مع الرؤية التي ابتكرها بيتر ثيل وماكس ليفشين للشركة".
وتابع: "كجزء من فريق باي بال القديم، أشعر بالحزن، لأننا كنا نحاول بناء شيء يعزز الحرية ويحمي الناس... الآن، نرى الناس يتصرفون بطريقة معاكسة تمامًا لذلك".
ويتفق الحرس القديم على أن نقطة الانعطاف الأولى كانت 11 سبتمبر 2001 ورد الحكومة الفيدرالية على الهجمات الإرهابية، بما في ذلك تبني قانون باتريوت أو قانون مكافحة الإرهاب.
فقد فرض قانون باتريوت قيودًا صارمة على تدفق الأموال داخل الولايات المتحدة وخارجها، وفي ذلك يقول جاكسون ساخرًا: "من الواضح أنه سيكون من المنطقي ضمان عدم السماح لأسامة بن لادن بفتح حساب باي بال".