300 يوم من القتال في أوكرانيا... ثغرات في أمريكا والناتو و5 أخطاء لبوتين
تدور الحرب الروسية في أوكرانيا، في ساحتين منفصلتين إلى حد كبير: المعارك البرية في الجنوب والشرق، والمنافسة بين أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية وصواريخ كروز الروسية

السياق
بعد 300 يوم من القتال في أوكرانيا، ما زالت الأزمة لم تعرف طريقًا للسلام، وسط تصعيد عسكري بين الطرفين، واستعدادات لمعركة جديدة، يخوض غمارها البلدان خلال الأيام المقبلة.
فعلى هامش ذلك التوتر الذي بلغ أوجه، ووسط فشل التوصل إلى حلول، يبدو أن الأزمة الأوكرانية في طريقها إلى مزيد من التصعيد، بالنظر إلى الجهود الروسية لتشجيع إيران على مواصلة تزويد قواتها بطائرات من دون طيار وصواريخ، فضلاً عن رغبة موسكو في السيطرة على مدينة باخموت ذات القيمة الاستراتيجية الضئيلة.
ومع تلك المساعي الروسية ووصول القتال إلى طريق مسدود مع حلول الشتاء، يستعد الأوكرانيون لهجمات جديدة، بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا، التي تقدم لهم التدريب والأسلحة، لاستعادة المزيد من الأراضي التي سيطرت عليها موسكو.
آخر التطورات
تدور الحرب الروسية في أوكرانيا، في ساحتين منفصلتين إلى حد كبير: المعارك البرية في الجنوب والشرق، والمنافسة بين أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية وصواريخ كروز الروسية والطائرات من دون طيار التي تستهدف البنية التحتية الكهربائية.
مدير وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية، قال إن روسيا تحاول إقناع أوكرانيا بتحويل مسار جنودها، من منطقة القتال في الجنوب الشرقي، من خلال موجة من الأنشطة العسكرية، إلى الشمال في بيلاروسيا، واصفًا هذا النشاط بـ "مناورات روتينية أو خدع المقصود منها التشويش".
وفي مقابلة واسعة النطاق عن الحرب في أوكرانيا، تحدث رئيس المخابرات العسكرية كيريلو بودانوف، في تصريحات لـ«نيويورك تايمز»، عن الجهود الروسية لتشجيع إيران على مواصلة تزويد قواتها بطائرات من دون طيار وصواريخ، فضلاً عن هوس موسكو لـ«احتلال» مدينة باخموت ذات القيمة الاستراتيجية الضئيلة.
وعلى مدى أسابيع، عززت روسيا قواعدها العسكرية في بيلاروسيا بالمجندين، ونقلت القوات بالسكك الحديدية ذهابًا وإيابًا، ما أثار مخاوف من أنها قد تخطط لـ«غزو ثانٍ» لأوكرانيا من الشمال.
غزو ثانٍ
رغم أن التهديد بـ«غزو» روسي متجدد من الحدود الشمالية لأوكرانيا مع بيلاروسيا ليس وشيكًا، فإن بودانوف قال إنه لا يمكن استبعاده، مضيفًا: «سيكون من الخطأ استبعاد هذا الاحتمال، لكن من الخطأ أيضًا القول إن لدينا أي بيانات تؤكد وجوده».
إلا أنه مع ذلك، فإن المخاطر طويلة الأجل باقية، كما أقر بودانوف، بينما أشار مسؤولون أوكرانيون، في سلسلة من المقابلات، إلى خطر حدوث تصعيد خلال الشتاء.
وبينما قال إن أيًا من القوات الروسية لم ينتظم في تشكيلات هجومية، تمتلئ معسكرات تدريب الجنود الروس بالمدنيين الذين جرى حشدهم حديثًا والذين يتم إرسالهم، بعد الانتهاء من التدريب للقتال في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، مشيرًا إلى أن مواقع التدريب تفتقر إلى عدد كافٍ من العربات المدرعة التي تعمل ميكانيكيًا لشن هجوم.
وقال إن الجيش الروسي حاول دق ناقوس الخطر في الجيش الأوكراني، من خلال تحميل جنود في قطارات، تتجه نحو حدود بيلاروسيا مع أوكرانيا، مشيرًا إلى أن القصف المدفعي الروسي عبر الحدود، على منطقتي سومي وخاركيف شمالي شرق أوكرانيا، الذي أسفر عن قتل وجرح العشرات، ليس نذيرًا بتهديد فوري بتكرار الغزو.
وعن الهجوم العنيف على باخموت، قال: «هذا هو السبب في أن وحدات فاجنر تحاول بشدة الاستيلاء على هذه المدينة. إنهم بحاجة لإثبات أنهم قوة، ويمكنهم فعل ما لا يستطيع الجيش الروسي القيام به. نحن نرى ذلك بوضوح ونفهمه»، مشيرًا إلى أنه في حين أن الاستيلاء على باخموت لا يعد مهما من الناحية الاستراتيجية، فإنه من شأنه أن يحسن موقع روسيا في الشرق، من خلال فتح الطرق إلى مدن دونباس الأخرى، التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
عيوب وثغرات
تقول «واشنطن بوست»، إن الأزمة في أوكرانيا مرت بتحول جذري منذ بدئها أواخر فبراير الماضي، عندما قدَّمت إدارة بايدن الحد الأدنى من الدعم للمدافعين الأوكرانيين، إلا أن واشنطن تعمقت -منذ ذلك الحين- في ترسانتها وخزنتها لتزويد كييف بكميات هائلة من الأسلحة.
هذا الأسبوع، احتفلت الإدارة بالزيارة التاريخية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، بإعلانها نقل بطارية صواريخ باتريوت، وهي أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في ترسانة الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، فإن عملية إمداد الحرب الأولية لم تكن مبنية على المدى الطويل، فمع استمرار الصراع الشاق بلا نهاية تلوح في الأفق، كشف النقاب عن عيوب في التخطيط الاستراتيجي للولايات المتحدة لمعاركها المستقبلية، وكشف عن ثغرات كبيرة في القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي.
نفاد المخزون
وأشارت «واشنطن بوست»، إلى أن مخزونات العديد من الأسلحة والذخائر الرئيسة أوشكت على النفاد، بينما باتت فترات الانتظار لإنتاج جديد للصواريخ تمتد لأشهر، وفي بعض الحالات لسنوات.
وفي المقابلات التي أجريت، خلال الأشهر الماضية، كشف أكثر من عشرين من كبار المسؤولين والخبراء في الحكومة الأمريكية والأوروبية والأوكرانية والخبراء العسكريين، تحدث بعضهم بشرط عدم كشف هويتهم عن الجهود الحساسة، من الناحية الاستراتيجية والدبلوماسية، لإبقاء أوكرانيا واقفة على قدميها في الحرب.
وخلال الجزء الأكبر من العام الماضي، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون اللحاق بالركب في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، بعد أن حجبت في البداية العديد من الأنظمة التي نُشرت الآن هناك، باعتبارها معقدة للغاية لاستخدامها وصيانتها، أو معرضة بدرجة كبيرة لإثارة تصعيد روسي أو حرب أوسع مع "الناتو"، أو من المحتمل جدًا الاستيلاء عليها من جيش موسكو المتقدم.
يأتي ذلك، بينما لا تزال الطلبات الأخرى لكييف -بما في ذلك الطائرات الحربية ودبابات القتال والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى– مرفوضة، حيث يجري البنتاغون تقييمه الخاص للاستراتيجية والقدرات الأوكرانية.
كانت هناك مشكلات لوجستية، حيث كان لا بد من تحديد مكان الإمدادات وتملق الجهات المانحة وتنسيقها، بينما كان الأوكرانيون الذين بدأوا بترسانة مليئة بمعدات الحقبة السوفيتية القديمة، بحاجة إلى التدريب على الأسلحة الغربية الحديثة.
لكن كل مرحلة من مراحل الصراع -محاولة روسيا الأولية الفاشلة لغزو كييف، ومعارك المدفعية في منطقة دونباس الشرقية، واستعادة أوكرانيا للسيطرة على خاركيف في الشمال وخرسون في الجنوب- جلبت المزيد من الأسلحة المتطورة إلى القتال، فما بدا كإمداد مخصص للأسلحة الصغيرة والدفاعات قصيرة المدى، أصبح سيلًا من الأنظمة الدقيقة بأسماء ومختصرات عسكرية - Switchblades و HAWKS و HIMARS و NASAMS والآن باتريوت.
وأدت محاولات موسكو الحالية لإطفاء الأنوار والحرارة في جميع أنحاء البلاد، إلى نداءات جديدة للمزيد من الدفاعات الجوية، وهو أمر كانت أوكرانيا تطلبه منذ اليوم الأول، فبدأت عمليات التسليم العاجلة الموعودة في الوصول، لكن ليست بالكميات التي تحتاجها أوكرانيا.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في مقابلة حديثة بمكتبه في البنتاغون: «علينا أن نتذكر أن هذه المعركة، هذه الحرب، ديناميكية. عندما يتغير الوضع في ساحة المعركة، يجب أن نتحلى بالمرونة الكافية للتغيير أيضًا».
وعلى مدى الأشهر المقبلة، أحضر عشرات الآلاف من القوات الأوكرانية إلى أوروبا، للتعلم واستخدام تكتيكات جديدة ضد الحرب العالمية الثانية، بينما قال مسؤول دفاعي أمريكي رفيع المستوى: «أعتقد أنه إذا كان بإمكاننا تدريب تشكيلات أكبر -شركات وكتائب- على كيفية استخدام الحرائق، وتهيئة الظروف للمناورة، ثم نكون قادرين على المناورة، كما رأيت مناورة الجيش الأمريكي في ساحة المعركة، أعتقد أننا في مكان مختلف».
5 أخطاء لبوتين
يقول موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي، إن هناك 5 «أخطاء» وقع فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال حربه في أوكرانيا، أولها أنه توقع أن تستولي قواته على كييف في غضون أيام بعد شن «غزو» واسع النطاق في 24 فبراير الماضي، بينما حدث العكس، فبعد أشهر حررت القوات الأوكرانية آلاف الأميال المربعة من الأراضي، بما في ذلك العاصمة الإقليمية الوحيدة، التي تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء عليها.
وقال محللون عسكريون لـ«إنسايدر»، إن الحملة الروسية على أوكرانيا مليئة بالحسابات «الخاطئة»، وسوء الاتصالات، والارتباك على نطاق واسع.
وقال جيفري إدموندز، الخبير الروسي في مركز التحليلات البحرية، المحلل العسكري السابق في وكالة المخابرات المركزية: «كنا نظن أنهم سيقومون بعملية مدروسة جيدًا. لم يكن هذا ما فعلوه».
فخلال الأيام الأولى للحرب، كان من المتوقع أن تجمع القوات الروسية بين الدعم الجوي والهجوم البري والتقدم بمجموعات كبيرة من المدفعية والدروع والقوات.
إلا أنه بدلاً من القيادة في حملة جوية كبيرة وكسب التفوق على أوكرانيا، أصدر القادة الروس تعليماتهم لقواتهم بالقيادة إلى كييف، وسرعان ما واجهوا الصداع اللوجستي والعزلة والكمائن.
وقال ماسون كلارك المحلل الروسي الرئيسي في معهد دراسات الحرب: «لقد أخطأ الكرملين ببساطة في الحسابات وتوقع أن ينهار الجيش الأوكراني أسرع بكثير مما كان عليه».
وبينما افترض بوتين أن النصر سيكون سريعًا وسهلاً، وأن قواته ستستولي على كييف في غضون أيام، لم تسقط المدينة التي يبلغ عدد سكانها قرابة 3 ملايين نسمة «فظهرت مقاومة أوكرانيا الشرسة في وقت مبكر جدًا من الحرب»، بحسب «بيزنس إنسايدر».
وصرح كلارك، بأن عدم نجاح روسيا كان لمزيج من سوء التنفيذ، وأن أداء الجيش الأوكراني أفضل و«معنوياته أعلى بكثير مما توقعه أي شخص، والأهم من ذلك الروس».
وقالت وكالات الاستخبارات الأمريكية والغربية إن كييف لن تكون قادرة على مقاومة هجوم روسيا فترة طويلة، لكن القوات الأوكرانية صدته، وفي الأشهر الأخيرة، فاجأت موسكو بتحرير آلاف الأميال المربعة من الأراضي، في هجومين مضادين في الشمال الشرقي والجنوب.
مخزون موسكو ينفد
في الأشهر الأخيرة، شنت روسيا هجمات صاروخية وطائرات مسيرة، استهدفت البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، لكن ذلك أدى إلى نفاد مخزونات موسكو من الذخائر الدقيقة بعيدة المدى.
وفي الآونة الأخيرة، قال مسؤولون استخباراتيون أمريكيون كبار إن روسيا تحرق ذخائرها أسرع مما يمكنها استبدالها، مشيرين إلى أن استخدام كميات هائلة من المدفعية والذخائر دقيقة التوجيه، أجبر موسكو على اللجوء إلى إيران وكوريا الشمالية للحصول على الإمدادات.
وقال الممثل الدائم للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في 9 ديسمبر إن روسيا تسعى للحصول على مئات الصواريخ البالستية من إيران مقابل دعم عسكري غير مسبوق.
واحد من أهم «أخطاء» بوتين كان الاستخفاف بالوحدة الغربية وراء أوكرانيا، بحسب «بيزنس إنسايدر»، الذي قال إن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ظلا متحدين نسبيًا في تقديم المساعدات العسكرية والإنسانية لأوكرانيا، وفي تطبيق عقوبات شاملة على روسيا، مشيرًا إلى أن العملية العسكرية وفرت فرصة لحلف شمال الأطلسي للتوسع -الأمر الذي عارضه بوتين بشدة لعقود- بإضافة السويد وفنلندا، اللتين أصبحتا مثل الدول الأوروبية الأخرى أكثر قلقًا بشأن أمنهما.