التايمز: فضيحة الفساد بين الاتحاد الأوروبي وقطر ليست مفاجأة... بروكسل تشجع الفساد

منظمة الشفافية الدولية وصفت قضية كايلي بـ-الفظيعة-، مؤكدة أنها ليست حادثة منعزلة في مؤسسة تتميز بالإفلات من العقاب.

التايمز: فضيحة الفساد بين الاتحاد الأوروبي وقطر ليست مفاجأة... بروكسل تشجع الفساد
إيفا كايلي

ترجمات -السياق 

رأت صحيفة التايمز البريطانية، أنه رغم أن اعتقال أحد نواب رئيس البرلمان الأوروبي، اليونانية إيفا كايلي، أحدث صدمة كبيرة في أوروبا، فإن الواقعة لا تعد مفاجأة ولا سابقة، في المؤسسة الأوروبية العريقة.

وأشارت إلى أن اعتقال إيفا كايلي، وزوجها فرانشيسكو جيورغي، جاء في أعقاب مداهمات للشرطة ومصادرة 900 ألف يورو مخبأة في حقيبتي الزوجين، في حين كان قد جرى اعتقال عضو سابق في البرلمان الأوروبي، يدعى أنطونيو بانزيري، ومصادرة 600 ألف يورو في إطار اتهامه بقضايا فساد.

ورأت أنه في حين أن الإجرام العلني نادر الحدوث، فإن سمعة الاتحاد الأوروبي في ما يخص الفساد أزالت أي سبب للمفاجأة.

فقد كانت منظمة الشفافية الدولية -التي سلَّطت الضوء منذ فترة طويلة على تجاوزات أعضاء البرلمان الأوروبي- قد وصفت قضية كايلي بـ"الفظيعة"، لكنها أكدت أنها ليست حادثة منعزلة في مؤسسة تتميز بـ "الإفلات من العقاب".

وتعهدت روبرتا ميتسولا رئيسة البرلمان الأوروبي، مؤخرًا بـ"حزمة إصلاحات واسعة النطاق" لتنظيف الهيئة التشريعية وسط فضيحة فساد "مرتبطة بقطر" التي استضافت كأس العالم، وفق ما أفادت وكالة فرانس برس.

وقالت: "الخطة تشمل تعزيز أنظمة حماية المبلغين عن المخالفات في البرلمان، وفرض حظر على مجموعات الصداقة غير الرسمية، ومراجعة مراقبة قواعد السلوك، إضافة إلى نظرة معمقة في كيفية التفاعل مع البلدان الأخرى".

 

كواليس

ونقلت "التايمز" عن مدير منظمة الشفافية الدولية في بروكسل، ميشيل فان هولتن، وهو عضو سابق في البرلمان الأوروبي، قوله: "لن أفاجأ إذا كان هناك المزيد في الكواليس، وما يتضمنه ذلك من  تقديم أموال تحت الطاولة".

وحسب الصحيفة، تشتهر قطر بالضغط على السياسيين الغربيين بـ"الهدايا"، ومن ذلك تقديمها ساعة رولكس بـ 50 ألف يورو إلى مسؤول فرنسي، زار الدوحة في مهمة دبلوماسية.

وأشارت إلى أنه جرى تحذير السياسيين من تلك المخاطر عند لقاء القطريين، بعد الحادثة التي وقعت عام 2009 عندما تسبب برونو لومير، وزير المالية الفرنسي الحالي، في أزمة دبلوماسية برفضه ساعة باتيك فيليب بـ 85 ألف يورو.

وبينت الصحيفة، أنه عادةً ما يتلقى أي وزير خارجية يزور قطر ساعة باتيك فيليب هدية، بينما يحصل الزوار المصنفون أدنى من هذا المنصب، على ساعة أوديمار بيغيه، التي تبلغ قيمتها 60 ألف يورو.

أما البرلمانيون -وفق كريستيان شيسنو، الصحفي الفرنسي الذي كشف في كتابه "سر الخزائن المغلقة" كواليس هذا البلد- فهناك هدايا أخرى مثل أوميغا أو رولكس، ثم كارتييه.

وتبين الصحيفة أن السياسيين والدبلوماسيين المهرة مثل لو مير يرفضون الهدايا، لكن العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي -الذين يُعتقد أنهم بالعشرات- وافقوا على ذلك.

وبموجب القواعد المعمول بها، لا يُسمح لأعضاء البرلمان الأوروبي بقبول هدايا تزيد قيمتها على 150 يورو، ويتوقع منهم إعلان تكاليف الضيافة أو الرحلات الخارجية، لكن الامتثال لتلك القوانين لا ينفذه كثيرون من أعضاء البرلمان.

فعلى مدى العامين الماضيين، قدَّم ثمانية أعضاء فقط من أعضاء البرلمان الأوروبي، تقارير وكشوف حساب عن رحلاتهم ونفقات استضافتهم والهدايا التي تلقوها، وذلك من أصل 705 نواب.

 

غياب المساءلة

وحسب "التايمز" يُعرف أعضاء البرلمان الأوروبي بشعور قوي بالاستحقاق مصحوبًا بغياب صارخ للمساءلة، عندما يتعلق الأمر بالمبالغ الضخمة من الأموال العامة التي يتلقونها في الرواتب والبدلات.

ويتقاضى كل نائب في البرلمان الأوروبي أكثر من 112 ألف يورو سنويًا، بمعدل ضرائب منخفض خاص لمسؤولي الاتحاد الأوروبي، لا يزيد على 22 في المئة، في حين يتجاوز المعدل الطبيعي للضرائب في بلجيكا، التي تستضيف مقر الاتحاد الأوروبي 50 في المئة.

وتهدف الرواتب المرتفعة والضرائب المنخفضة والامتيازات، إلى عزل أعضاء البرلمان الأوروبي عن المغريات وخطر الوقوع في شبكات الفساد، لكن الطريقة التي تُدفع بها المخصصات تشجع على الفساد، وفقًا لكثيرين من الخبراء والمختصين.

فعلى سبيل المثال، يُدفع لجميع أعضاء البرلمان الأوروبي مباشرة "بدل نفقات عام" قدره 4778 يورو شهريًا، أو 57336 يورو سنويًا، معفاة من الضرائب، ولا ضرورة لتقديم أي إثباتات لتلك النفقات.

وحسب الصحيفة، يرفض مكتب البرلمان، وهو هيئة إدارية تتألف من نواب رئيس المؤسسة، بمن في ذلك كايلي، قبل تجريدها من منصبها، التقيد بأي قواعد يمكن اتباعها.

من جهته، قال مدير منظمة الشفافية الدولية بالاتحاد الأوروبي، ميشيل فان هولتن، في بيان: "في حين أن هذه قد تكون أفظع قضية فساد مزعوم، شهدها البرلمان الأوروبي منذ سنوات، إلا أنها ليست منعزلة".

وأضاف أن البرلمان الأوروبي "سمح بتطور الإفلات من العقاب" بفضل القواعد المالية المتراخية وغياب الرقابة الأخلاقية المستقلة، متابعًا: "أعضاء البرلمان الأوروبي أوقفوا محاولات تغيير ذلك".

واستطرد: "أي محاولة لتحسين المساءلة يعرقلها مكتب البرلمان، بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي".

 

رواتب وهمية

وأفادت "التايمز" بأنه بجانب الميزات السابقة، فإن أعضاء البرلمان الأوروبي لديهم ميزانية شخصية تبلغ 320808 يورو سنويًا كـ"بدل مساعدات" لدفع تكاليف موظفيهم، وبعضهم يستغل هذا البدل في دفع رواتب وهمية لآخرين لديهم وظائف أو مراكزم مهمة، مقابل "خدمات متبادلة"، وفقًا لبعض التقارير.

ميزة أخرى يحصل عليها نواب البرلمان الأوروبي، هي بدل "كفاف" يومي بـ 338 يورو معفاة من الضرائب، إلى أعضاء البرلمان الأوروبي نقدًا إذا طلب ذلك، من دون الحاجة إلى أي دليل على النفقات.

ويُعرف البدل باسم "تسجيل الدخول" ويلقى القبض على أعضاء البرلمان الأوروبي بانتظام وهم يوقعون على النقود قبل العودة إلى ديارهم، وفق الصحيفة البريطانية.

وأشارت إلى أن عام 2008 شهد فضيحة كبرى، عندما أفادت الصحف بما في ذلك "التايمز" بإساءة استخدام واسعة النطاق، للمخصصات المدفوعة لأزواج أو أطفال أعضاء البرلمان الأوروبي، مقابل وظائف وهمية، أو من خلال الشركات العائلية.

وبينت أنه بصرف النظر عن مزاعم علاقتها بقطر، كانت إيفا كايلي قيد التحقيق، بتهمة إساءة استخدام البدل.

وأفادت الصحيفة البريطانية، بأنه بينما يقاوم أعضاء البرلمان الأوروبي، الدعوات إلى الشفافية في بروكسل، فإنهم يطالبون بأن تنشر مؤسسات الاتحاد الأوروبي عمليات تدقيق داخلية، قبل أن يوافق البرلمان على نفقات موازنتها السنوية.

وكشفت عن أنه لا توجد داخل الاتحاد الأوروبي سوى مؤسسة واحدة، تحافظ على سرية عمليات المراجعة الداخلية "البرلمان الأوروبي"، موضحة أن ذلك يساعد في زيادة عمليات الاحتيال.

وإضافة إلى الأجور والامتيازات المادية الكبيرة، حصل أكثر من ربع أعضاء البرلمان الأوروبي -العام الماضي- على وظائف أخرى، وصلت رواتبها -حسب بعض التقارير-  إلى 11.5 مليون يورو.

وبموجب "التنظيم الذاتي" في البرلمان، لم يُعاقب أي عضو من أعضاء البرلمان منذ عام 2016 رغم الانتهاكات الصارخة للقواعد التي كُشف عنها.

وهو ما علق عليه هولتن بالقول: "في الواقع لا توجد عقوبات على من يخالفون القواعد والقوانين"، مشددًا: "يجب أن يتغير ذلك الأمر".