وسائل التواصل... مساحة للحرية أم مثيرة للانقسام؟

المواطنين العاديين يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي مكون بنّاء وهدام –في الوقت نفسه- للحياة السياسية.

وسائل التواصل... مساحة للحرية أم مثيرة للانقسام؟

ترجمات -السياق 

مساحة للحرية أم مثيرة للانقسام؟..سؤال تردد صداه كثيرًا في العالم، بشأن مواقع التواصل الاجتماعي، التي يعتقد البعض أنها جعلت من السهل التلاعب بالناس وتقسيمهم، بينما يرى آخرون أنها تزيد الوعي.

يقول مركز بيو للأبحاث، في تقرير ترجمته «السياق»: نظرًا لأن الناس في جميع أنحاء العالم يتجهون -بشكل متزايد- إلى "فيسبوك" و"تويتر" و"واتساب" ومنصات أخرى، للحصول على أخبارهم والتعبير عن آرائهم، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة جديدة للنقاش، أحيانًا، وساحة للجدال بشأن القضايا السياسية والاجتماعية، في أحايين أخرى.

وبينما تعد وسائل التواصل الاجتماعي في أذهان المحللين، أحد أسباب تدهور  الديمقراطية، أظهر استطلاع جديد لمركز بيو للأبحاث، شمل 19 اقتصادًا متقدمًا، أن المواطنين العاديين يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي مكون بنّاء وهدام –في الوقت نفسه- للحياة السياسية، بينما يعتقد معظمهم أن لها تأثيرًا إيجابيًا في الديمقراطية.

وقال 57% من البلدان التي شملها الاستطلاع، إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت أكثر فائدة لديمقراطيتهم، بينما قال 35% إنها كانت شيئًا سيئًا.

اختلافات جوهرية

مع ذلك، فإن هناك اختلافات جوهرية بين الدول بشأن أهمية مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة الولايات المتحدة، التي تغرد منفردة خارج السياق، فـ34% فقط من البالغين في الولايات المتحدة يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت مفيدة للديمقراطية، بينما قال 64% إنها كان لها تأثير سيئ.

ويقول مركز بيو للأبحاث، إن الولايات المتحدة تعد خارجة عن عدد من التدابير، فعدد أكبر من الأمريكيين يرون أن وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة للانقسام.

إلا أن الأمر لم يقتصر على أمريكا، فالبلدان التي تكون فيها تقييمات تأثير وسائل التواصل الاجتماعي إيجابية إلى حد كبير، يعتقد معظم مستخدميها أن لها بعض الآثار الضارة، إذ أدت إلى التلاعب والانقسام داخل المجتمعات.

ويعتقد 84% ممن شملهم الاستطلاع في 19 دولة، أن الوصول إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، جعل الناس أسهل في التلاعب بالمعلومات الكاذبة والشائعات، بينما يُظهر تحليل حديث للدراسة الاستقصائية نفسها أن قرابة 70% ممن شملهم الاستطلاع عبر 19 دولة يرون انتشار المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت تهديدًا كبيرًا، ويحتل المرتبة الثانية بعد تغير المناخ الذي يتصدر قائمة التهديدات العالمية.

ويعتقد 65% في المتوسط أن مواقع التواصل جعلت الناس أكثر انقسامًا في آرائهم السياسية، بينما يقول أكثر من أربعة من كل عشرة إنها جعلت الناس أقل تحضّرًا في طريقة حديثهم عن السياسة (قرابة الربع فقط يقولون إنها جعلت الناس أكثر تحضّرًا).

التأثير في السياسة

بالنظر إلى التلاعب في عالم الإنترنت، والانقسام، والافتقار إلى التحضر، تساءل مركز بيو للأبحاث: كيف يمكن أن يكون هذا البحر اللاذع من المعلومات الكاذبة مفيدًا للديمقراطية؟ ليجيب: إن جزءًا من الإجابة يكمن في أن مواقع التواصل تمنح الناس إحساسًا بالتمكين، في وقت يشعر فيه القليل بالقوة.

وتقول الأغلبية في الدول التي شملها الاستطلاع، إن نظامها السياسي لا يسمح لأشخاص مثلهم بالتأثير في السياسة، بينما يقول تقرير حديث لمركز بيو للأبحاث، إن الناس يعتقدون أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تجعل من السهل البقاء على اطلاع.

ويقول ثلاثة أرباع من شملهم الاستطلاع تقريبًا، إن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت الناس أكثر اطلاعًا على الأحداث الجارية في بلادهم، وكذلك في البلدان الأخرى.

ويرى معظم الذين شملهم الاستطلاع أن وسائل التواصل الاجتماعي أداة فعالة لتحقيق أهداف سياسية، بينما تقول الأغلبية في معظم البلدان، إنها فعالة إلى حد ما، على الأقل في زيادة الوعي، وتغيير آراء الناس في القضايا، وجعل المسؤولين المنتخبين ينتبهون إلى القضايا، إضافة إلى أنها تؤثر في القرارات السياسية.

منفذ للتعبير

بالنسبة للبعض، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعد أيضًا منفذًا للتعبير، ففي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، ما يقرب من نصف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ينشرون أو يشاركون أحيانًا أشياء عبر الإنترنت، في قضايا سياسية أو اجتماعية.

ومع ذلك، فإنه في البلدان الأخرى التي شملها الاستطلاع، فإن النشر بشأن هذه القضايا أقل شيوعًا، بينما يقول أربعة من كل عشرة أو أكثر، في 12 دولة، إنهم لم ينشروا موضوعات سياسية أو اجتماعية.

وبحسب مسح لمركز بيو للأبحاث، أجري من 14 فبراير إلى 3 يونيو 2022، بين 24525 بالغًا في 19 دولة، فإن الأغلبية في معظم الدول التي شملها الاستطلاع، ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت شيئًا جيدًا للديمقراطية في بلادهم.

وجاءت التقييمات إيجابية بشكل خاص، في سنغافورة وماليزيا وبولندا والسويد والمجر وإسرائيل، حيث يتبنى 65% أو أكثر وجهة النظر هذه، في المقابل، فإن الأمريكيين هم الأكثر سلبية بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الديمقراطية: 64% يقولون إنها كانت سيئة.

ويقول مركز بيو للأبحاث، إن الجمهوريين والمستقلين الذين يميلون إلى الحزب الجمهوري (74%) أكثر عرضة بكثير من الديمقراطيين والديمقراطيين الأصغر (57%) لرؤية الآثار السيئة لوسائل التواصل الاجتماعي في النظام السياسي.

ويقول نصف أو أكثر أيضًا، إن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سيئة للديمقراطية، في هولندا وفرنسا وأستراليا، مشيرين إلى أنهم كانوا الأكثر سلبية في ما يتعلق بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الديمقراطية.

ورغم ذلك، فإن الأمريكيين كانوا بين الأكثر سلبية، في تقييماتهم للطرق المحددة التي أثرت بها وسائل التواصل الاجتماعي في السياسة والمجتمع، فعلى سبيل المثال، يعتقد 79% في الولايات المتحدة أن الوصول إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، جعل الناس أكثر انقسامًا في آرائهم السياسية، وهي أعلى نسبة بين 19 دولة شملها الاستطلاع.

أقل حضارة

يقول 69% من الأمريكيين إن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت الناس أقل حضارة، في كيفية حديثهم عن السياسة.

ولمقارنة كيفية تقييم الجمهور لتأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع، أنشأ مركز بيو للأبحاث فهرسًا يجمع الردود على ستة أسئلة تتعلق بما إذا كان الإنترنت يجعل الناس: 1) أقل اطلاعًا على الأحداث الجارية في بلدهم، 2) أكثر انقسامًا في الآراء السياسية، 3) أقل قبولًا للأشخاص من خلفيات مختلفة، 4) أسهل في التلاعب بالمعلومات الكاذبة والشائعات، 5) أقل اطلاعًا على الأحداث الجارية في البلدان الأخرى، 6) أقل حضارة في الطريقة التي يتحدثون بها عن السياسة.

وبينما جرى ترميز المواقف السلبية في جميع هذه الأسئلة على أنها 1 بينما تم ترميز الردود الإيجابية أو «من دون تأثير» على أنها 0، فإن الدرجات على المؤشر العام تبدأ من 0، ما يشير إلى أنهم لا يرون أي آثار سلبية للإنترنت والمجتمع عبر هذه الأسئلة، إلى 6، ما يعني إجابة سلبية على الأسئلة الستة.

ويقول مركز بيو للأبحاث: بالنظر إلى هذه البيانات، فإنها توضح الدرجة التي يتميز بها الأمريكيون في موقفهم السلبي من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن متوسط الدرجات التي أعطاها المشاركون في الولايات المتحدة للاستطلاع وصلت إلى 3.05، وهو أعلى درجة والأكثر سلبية في الاستطلاع.

إلا أن المشاركين الهولنديين والهنغاريين والأستراليين كانوا –كذلك- أكثر سلبية من غيرهم.

في المقابل يقدِّم الماليزيون والإسرائيليون والبولنديون والسنغافوريون تقييمات أقل سلبية.