هل يكسر بوتين المحرمات النووية؟
تساءلت بروسغارد: لماذا يعلن بوتين للعالم أنه زاد استعداد بلاده نوويًا؟ مجيبة بأنه ربما أدى غزو أوكرانيا إلى وضع أكثر خطورة مما توقعته القيادة الروسية، مشيرة إلى أن هذا الغزو، لم يسر وفقًا للخطة الموضوعة، إذ استنزف الرد الغربي الكبير نطاقًا واسعًا من القدرات المتاحة لموسكو، بخلاف المساعدة العسكرية المباشرة لأوكرانيا.

ترجمات - السياق
بعد سقوط منشأة زابوريجيا النووية في أوكرانيا، بيد القوات الروسية، واندلاع حريق فيها، وسط مخاوف من تسريب نووي محتمل، تساءلت الأكاديمية كريستين فين بروسغارد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة أوسلو النرويجية، عن إمكانية لجوء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ما سمته "كسر المحرمات النووية".
وقالت بروسغارد، في تحليل بصحيفة غارديان البريطانية: قرار بوتين قبل أيام، برفع درجة الاستعداد لقوات الردع النووي، يشكل تهديدًا خطيرًا، محذرة من أن الرئيس الروسي قد يلجأ إلى الحل النووي إذا استمر الغرب مُتحدًا في توقيع المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد موسكو.
كانت السلطات الأوكرانية أعلنت أن حريقًا اندلع في محطة زابوريجيا نتيجة قصف روسي، بعد دقائق من إعلان وكالة تفتيش المواقع النووية الأوكرانية، أن القوات الروسية سيطرت على أراضي المنشأة الواقعة جنوبي البلاد.
تحرك بوتين
وأشارت بروسغارد، المتخصصة في الاستراتيجية النووية الروسية، إلى أن تهديد بوتين -بتأهب قوات الردع النووي- فسَّره وزير دفاعه سيرجي شويغو، بأن المقصود هو أن قوات الثلاثي النووي الروسي بدأت المناوبات بفرق معززة، وأنه تنفيذًا لأمر الرئيس الروسي، بدأت مراكز التحكم التابعة لقوات الصواريخ الاستراتيجية والأسطول الشمالي وأسطول المحيط الهادئ وقيادة الطيران بعيد المدى، تنفيذ هذه المناوبات القتالية.
وذكرت أنه رغم هذه التطمينات الروسية، بأنه ليس هناك تغيير كبير في حالة الترسانة النووية الروسية، ورغم أن مسؤولين أمريكيين وبريطانيين قالوا إنهم لم يلحظوا أي تغيير، في ما يخص انتشار الصواريخ الأرضية، أو تحميل الطائرات برؤوس حربية نووية، أو الحركة في المخازن المركزية، حيث تحتفظ روسيا برؤوسها النووية شبه الاستراتيجية، فإن الأمر يكشف عن تصعيد خطير.
وأمام هذه التطمينات، تساءلت أستاذة العلوم السياسية: لماذا يعلن بوتين للعالم أنه زاد استعداد بلاده نوويًا؟ مجيبة بأنه ربما أدى غزو أوكرانيا إلى وضع أكثر خطورة مما توقعته القيادة الروسية، مشيرة إلى أن هذا الغزو، لم يسر وفقًا للخطة الموضوعة، إذ استنزف الرد الغربي الكبير نطاقًا واسعًا من القدرات المتاحة لموسكو، بخلاف المساعدة العسكرية المباشرة لأوكرانيا.
وأضافت: "لذا يسعى بوتين، كما فعل مرات عدة، للتأثير في الحسابات الغربية، من خلال تكرار أن المواجهة مع روسيا قد تنطوي على مخاطر نووية كبيرة، وأشار إلى أن الخطاب العدواني للغرب تجاه روسيا، يبرر هذا الإجراء".
وأوضحت بروسغارد، أنه لا يزال من غير المحتمل أن يفكر بوتين بجدية في العمل الانتحاري، المتمثل في استخدام الأسلحة النووية ضد الدول الغربية، إلا أنه مع ذلك "هناك بعض التطورات المقلقة التي تضع إمكانية الاستخدام النووي المحدود قيد التنفيذ".
العقيدة الروسية
وعن العقيدة الروسية بشأن الاستخدام النووي، أوضحت أستاذة العلوم السياسية أنه قبل هذا الصراع، كانت العتبة النووية لروسيا "تستبعد الاستخدام النووي إلا في حالات محددة"، مشيرة إلى أن العقيدة العسكرية للجيش الروسي خلال الـ12 عامًا الماضية، نصت على عدم التفكير في الاستخدام النووي، إلا في المواقف التي تهدد وجود الدولة، وهو ما يفسِّره معظم المحللين بأنه يعني صراعًا حيث تتعرض الأراضي الروسية لهجوم شديد.
كانت روسيا وافقت في يناير 2021 على تمديد معاهدة "نيوستارت" للحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة خمس سنوات، قبل أيام من انتهاء صلاحيتها.
وتحد هذه المعاهدة من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية والصواريخ وقاذفات القنابل، التي يُمكن لروسيا والولايات المتحدة نشرها.
وعن إمكانية قصف أوكرانيا بأسلحة نووية، استبعدت بروسغارد، أن تلجأ روسيا لاستخدام هذه الأسلحة، لتحقيق النتيجة العسكرية المرجوة، مشيرة إلى أنها لم تستخدم -حتى الآن- قوتها التقليدية، كما لا تزال ترى أن ذلك صراع محلي، بعيدًا عن "الناتو".
وأوضحت أن دور الأسلحة النووية في هذه الصراعات، يتمثل في ردع المزيد من التصعيد، وفي هذه الحالة منع الدعم الغربي المباشر، ومع ذلك، تضيف أستاذة العلوم السياسية محذرة: "هناك أسباب للقلق".
وقالت إن التصريحات الروسية الأخيرة بالفعل "مدعاة للقلق"، خصوصًا أنها تتحدث عن تهديدات وجودية، إذ يشير المراقبون إلى أن تصريحات بوتين بأنه "لا يمكن أن يكون هناك عالم من دون روسيا" مثيرة للقلق.
تراجع روسي
وأمام هذه المخاوف، حذرت بروسغارد، من أن الوضع الحالي قد يدفع روسيا إلى مراجعة "عقيدتها النووية"، إذ لم يتوقع قادتها أن يتحد الغرب بهذه القوة، مضيفة: "قد ترى روسيا أن الضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي تتعرض له يشكل تهديدًا وجوديًا، وقد تزيد الوحدة الغربية أيضًا من جنون العظمة الروسي في ما يتعلق بالتدخل الغربي".
السبب الآخر للقلق -حسب أستاذة العلوم السياسية- الحالة الذهنية لبوتين، فقد أصبح خطابه يزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، كما أن المشاهد في اجتماعات مجلس وزرائه مقلقة، مشيرة إلى أن هناك تكهنات بتأثير عزل كورونا في ذهنه، كما أن دائرته الداخلية تتكون من المتشددين فقط، والمعلومات التي تُنقل إليه قد تكون مضللة أو منحرفة.
وأضافت: "لا نعرف ما إذا كان هناك أي نقاش بشأن خيارات السياسة في روسيا"، وتساءلت: "هل يرفض المستشارون السياسيون أو العسكريون الروس لبوتين قراراته أو يختلفون معه؟ وهل وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف يماطلان أو يؤيدان فكرة الاستخدام النووي؟"، وأوضحت أنه لحسن الحظ، أن النظام الروسي يجبر بوتين على التشاور معهم قبل إصدار أي أمر عسكري خطير.
أما السيناريو الأكثر إثارة للقلق، فهو -حسب بروسغارد- الضغط على بوتين وحشره في الزاوية، من دون مخرج، وتصوره بأنه ليس لديه ما يخسره، مشيرة إلى أنه في هذه الظروف، قد يكون من الممكن تخيُّل ضربة نووية روسية محدودة للغاية، يكون الغرض منها إحداث تعطيل للصراع، وربما إجبار الخصم على الخضوع.
وتأكيدًا لوجهة نظرها هذه، بينّت أنه "في الماضي، ناقش الاستراتيجيون الروس إمكانية استخدام الأسلحة النووية بهذه الطريقة، إلا أن القادة الروس لا يستطيعون معرفة ما إذا كانوا سيحصلون على النتيجة المتوقعة من كسر المحرمات النووية".
وشددت أستاذة العلوم السياسية، على أن القادة الروس يعرفون أن المخاطر ستكون هائلة، ووجودية، كما أنهم قلقون من كيفية السيطرة على التصعيد النووي، مؤكدة أنهم على يقين بأن الحرب النووية "أخطر سيناريو يمكن أن يواجهوه".
وأضافت: "العام الماضي، أيد بوتين مرتين بيانات ثنائية ومتعددة الأطراف، تنص على أنه "لا يمكن كسب حرب نووية ويجب عدم خوضها"، معلقة: "دعونا نأمل أن يستمر ذلك، بينما يفكر في خطوته التالية بأوكرانيا".