رسالة مؤثرة لجندي روسي وشجاعة الأوكرانيين.. الوجه الآخر للحرب الأوكرانية
تحدى المئات، بل الآلاف من الأوكرانيين الجنود الروس، في مشاهد تبدو من وحي خيال أي كاتب، إلا أن الواقع كان صورة نابضة بحياة شعب رفض الامتثال لاحتلال بلده، ورغم ذلك، فإن القوات الروسية واصلت غزوها للبلد الأوراسي.

السياق
«أمي... أنا خائف»، رسالة جندي روسي لوالدته، قبل دقائق من قتله في أوكرانيا، كشفت أحد أوجه الصراع الغائبة، في الحرب الروسية على البلد الأوراسي، إلا أن جانبًا آخر كشف استبسال الأوكرانيين في الدفاع عن وطنهم.
صورتان نمطيتان متناقضتان، كشفتا عن وجه غائب للصراع في أوكرانيا، بين رفض من الجنود الروس، الذين قال بعضهم إنهم خُدعوا، وكفاح الأوكرانيين واستماتتهم في الدفاع -حتى الرمق الأخير- عن وطنهم.
لحظات مذهلة جسَّدها الأوكرانيون، الذين نظموا سلاسل بشرية، لإغلاق طريق قافلة دبابات روسية، ما أجبر الآليات العسكرية لموسكو على التوقف، في مشاهد أعادت للأذهان قصة «رجل الدبابات» في ميدان تيانانمن، الذي عرقل القوات الصينية عام 1989.
وتظهر اللقطات، التي قيل إنها صُورت في كوريوكيفكا، وهي بلدة على بعد أميال فقط من الحدود مع روسيا، العشرات -وربما المئات- من السكان يسيرون بهدوء نحو الصفوف المدرعة.
وتحدى المئات، بل الآلاف من الأوكرانيين الجنود الروس، في مشاهد تبدو من وحي خيال أي كاتب، إلا أن الواقع كان صورة نابضة بحياة شعب رفض الامتثال لاحتلال بلده، ورغم ذلك، فإن القوات الروسية واصلت غزوها للبلد الأوراسي.
ويعد تحدي الأوكرانيين للقوات الروسية وآلياتها العسكرية، الحالة الثالثة للمدنيين الأوكرانيين، في تلك الحرب التي دخلت يومها السادس، إذ أظهرت مقاطع فيديو، رجلًا يتسلق ببطولة دبابة روسية، أثناء مرورها عبر مفترق طرق.
وبحسب مقاطع الفيديو، فإنه بمجرد توقف الدبابة عن الحركة، يمكن رؤية الرجل ينزل من الدبابة ويركع في الطريق، ما يعيق تقدم القافلة الروسية.
وإدراكًا لعدم جدوى احتجاج الرجل، شوهد المتفرجون يحاولون جر الرجل بعيدًا عن الدبابة، إلا أنه مع ذلك، استمر في التمسك بمقدمة الدبابة.
رجل الدبابة
وأظهر فيديو المواجهة الشجاعة، رتلًا من الدبابات الروسية يمر عبر تقاطع طرق في بلدة أوكرانية، بينما كانت العربات الهائلة تندفع من خلالها، إلا أن رجلًا قرر اتخاذ موقف وتسلق ببطولة إلى مقدمة إحدى الدبابات، واستمر في التقدم على بعد أمتار قليلة، لكنه توقف بعد ذلك، وسد طريق من يتبعونه.
الحادث جاء بعد أن انتشرت مواجهة مماثلة، على نطاق واسع يوم الجمعة، لرجل يسير بشجاعة منتصف الطريق، وفي طريق عمود آخر من المركبات العسكرية الروسية يمر عبر أوكرانيا.
وتُظهر اللقطات، التي يُعتقد أنها صُورت جنوبي البلاد بالقرب من شبه جزيرة القرم، الرجل وهو يلوح بشجاعة بالقافلة، في محاولة لسد طريقها.
وانحرفت بعض الآليات العسكرية في الموكب حول الرجل، بينما توقف الآخرون من أجله، ما أدى إلى توقف من ورائهم أيضًا.
وأُطلق على الرجل منذ ذلك الحين لقب «تانك مان» على وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما نالت شجاعته ثناء الآخرين، الذين استلهموا من احتجاجه، رمزًا لمقاومة أوكرانيا.
في الجهة المقابلة، كان العالم على موعد مع رسالة لجندي روسي، قرأها سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرجي كيسليتسيا، في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلة الاثنين، مع استمرار الحرب في البلاد لليوم السابع.
وقال الجندي الروسي -قبل وقت قصير من قتله- في الرسالة التي عرضها الدبلوماسي الأوكراني، على أعضاء الجمعية العمومية: «أمي، أنا خائف».
ويخبر الجندي والدته بأنه لم يعد يمارس التدريبات العسكرية في شبه جزيرة القرم، وعندما تسأل والدته إذا كان بإمكانه إرسال طرد له، قال: «أريد فقط أن أشنق نفسي»، ثم أخبرها بأنه في أوكرانيا، حيث تدور «حرب حقيقية».
وتابع الجندي الروسي: «أخشى أن نضرب في أي مكان، قيل لنا إن الناس هنا سيرحبون بنا، لكنهم يسقطون على عجلات سياراتنا، حتى لا يسمحوا لنا بالمرور، يسموننا الفاشيين(..) أمي، هذا صعب للغاية».
مقاومة شرسة
وبعد ستة أيام من الغزو، تعثرت تحركات الجيش الروسي بسبب المقاومة الشرسة على الأرض، والعجز المفاجئ عن السيطرة على المجال الجوي، إلا أنه في غضون ذلك، أمضى العديد من المدنيين الأوكرانيين ليلة أخرى في الملاجئ أو الأقبية أو الممرات.
وقالت ألكسندرا ميخائيلوفا، وهي تمسك قطتها بملجأ في ماريوبول، باكية: «أجلس وأدعو أن تنتهي هذه المفاوضات بنجاح، حتى يتوصلوا إلى اتفاق لإنهاء المذبحة»، بينما حاول الآباء من حولها مواساة الأطفال.
وأثار الكرملين مرتين في أيام عدة، شبح الحرب النووية، ووضع في حالة تأهب قصوى ترسانة تحتوي على صواريخ بالستية عابرة للقارات وقاذفات بعيدة المدى. وفي تصعيد للهجته، ندد الرئيس فلاديمير بوتين بالولايات المتحدة وحلفائها، ووصفهم بـ«امبراطورية الأكاذيب».
من جانبه، قال فاديم بريستايكو، سفير أوكرانيا في المملكة المتحدة، إن القوات الروسية قد تحاول أيضًا إثارة أزمة غذائية، بقطع الإمدادات عن المدن الكبرى، مشيرًا إلى أن الصور أظهرت أن بعض أرفف المتاجر فارغة بالفعل في العاصمة.
ذخائر عنقودية
وقالت منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، إن القوات الروسية استخدمت على ما يبدو ذخائر عنقودية محظورة على نطاق واسع، متهمة إياها بمهاجمة حضانة شمالي شرق أوكرانيا، لجأ المدنيون إليها.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن القانون الإنساني الدولي يحظر استخدام الأسلحة العشوائية بطبيعتها مثل الذخائر العنقودية، مشيرة إلى أن شن هجمات عشوائية -تقتل أو تصيب المدنيين- يشكل جريمة حرب.
بدورها، ذكرت أوكسانا ماركاروفا، سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة، بعد اجتماع مع أعضاء في الكونجرس الأمريكي، أن روسيا استخدمت سلاحًا حراريًا، يُعرف بالقنبلة الفراغية، في غزوها لبلدها.
وأكدت ماركاروفا، بعد اجتماع مع نواب: «لقد استخدموا القنبلة الفراغية اليوم(..) الدمار الذي تحاول روسيا إلحاقه بأوكرانيا كبير».
وتمتص القنبلة الفراغية، أو السلاح الحراري، الأكسجين من الهواء المحيط لتوليد انفجار عالي الحرارة. وعادة ما ينتج عنه موجة انفجار لمدة أطول بكثير من تلك التي تحدث في المتفجرات التقليدية، وهي قادرة على تبخير الأجسام البشرية.
وبينما لم يكن هناك تأكيد رسمي لاستخدام أسلحة حرارية بالصراع في أوكرانيا، قالت شبكة «سي إن إن»، إن أحد فرقها رصد قاذفة صواريخ متعددة البارات الحرارية، بالقرب من الحدود الأوكرانية.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي، إنها اطلعت على تقاريرفي هذا الشأن، لكن ليس لديها تأكيد لاستخدام روسيا هذه الأسلحة.
وقالت في مؤتمر صحفي: «إذا كان ذلك صحيحًا، من المحتمل أن يكون جريمة حرب»، مشيرة إلى أن هناك منظمات دولية ستقيّم ذلك، وأن إدارة الرئيس جو بايدن ستبدو جزءًا من تلك المحادثة.
وقال النائب الديمقراطي براد شيرمان، أحد المشرعين الذين حضروا الاجتماع، إن الأوكرانيين طلبوا منطقة حظر طيران، فرضته الولايات المتحدة فوق أوكرانيا، لكنه شعر بأن ذلك أمر خطير للغاية، لأنه قد يثير صراعًا مع روسيا.
إلا أن نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب، حذر من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد ينتقم بشكل متزايد من التكتيكات القاسية، إذا واجه غزوه لأوكرانيا المزيد من العقبات، مضيفًا: «يمكننا أن نتوقع، مع كل تلعثم وتعثر، أن يحاول العودة لتكتيكات أكثر قسوة».
عزلة روسية
ومع تصاعد إراقة الدماء، وجد الكرملين نفسه في عزلة متزايدة، بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية، التي أدت إلى انخفاض عملته.
وبعد الجلسة الأولى، التي استمرت خمس ساعات من المحادثات بين أوكرانيا وروسيا، لم تسفر عن توقف القتال، اتفق الجانبان على اجتماع آخر في الأيام المقبلة، لكن الرئيس الأوكراني المحاصر قال إنه يعتقد أن القصف المكثف، كان يهدف إلى إجباره على تنازلات.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطاب بالفيديو: «أعتقد أن روسيا تحاول الضغط على أوكرانيا بهذه الطريقة البسيطة»، مشيرًا إلى أن كييف ليست مستعدة لتقديم تنازلات عندما يضرب جانب آخر بالمدفعية الصاروخية.