مقال رأي: بوتين ليس مجنونًا والغزو الروسي لأوكرانيا لم يفشل

أوهام الغرب بشأن الحرب الأوكرانية وفشله في فهم العدو سيمنعانه ​​من إنقاذ أوكرانيا كما كتب المحلل العسكري بيل روجيو في مقال بصحيفة الديلي ميل

مقال رأي: بوتين ليس مجنونًا والغزو الروسي لأوكرانيا لم يفشل

ترجمات – السياق

 أدى التعاطف مع المدافعين عن العاصمة الأوكرانية كييف، إلى المبالغة في الانتكاسات الروسية، وسوء فهم الاستراتيجية الروسية، وحتى الادعاءات التي لا أساس لها من المحللين النفسيين الهواة، بأن بوتين فقد عقله.

يُظهر تحليل أكثر رصانة، أن روسيا ربما تكون قد سعت إلى الضربة القاضية، لكن كانت لديها خطط معدة جيدًا للهجمات اللاحقة، إذا ثبت أن تحركاتها الأولية غير كافية.

لقد قلل العالم من شأن بوتين، وأدت تلك الأخطاء، جزئيًا، إلى هذه المأساة في أوكرانيا.

يجب أن نكون واضحين الآن، بما أن الحرب جارية.

ومع ذلك، حتى المحترفون في البنتاغون تركوا التعاطف يخيم على حكمهم.

بعد يومين فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، سارع خبراء وزارة الدفاع الأمريكية، إلى الادعاء بأن الفشل في الاستيلاء على كييف -في الأيام الأولى من الحرب- كان انتكاسة خطيرة.

أشار محللون في وزارة الدفاع، إلى أن الهجوم الروسي كان متأخرًا عن جدوله الزمني، أو أنه فشل حتى، لأن العاصمة لم تسقط.

لكن كان ينبغي على قادة الولايات المتحدة، أن يتعلموا كبح جماح آمالهم، بعد انسحابهم الكارثي من أفغانستان.

مرة أخرى، يقع المسؤولون الأمريكيون والغربيون، بفخ الفشل في فهم العدو وأهدافه.

يُزعم أن بوتين كان يعتقد أن الحكومة الأوكرانية ستنهار، بمجرد عبور القوات الروسية للحدود، ومن ثم الدفع بها نحو كييف، وأن العملية فشلت، لأن الحكومة الأوكرانية لا تزال في مكانها.

من الواضح أن بوتين كان يأمل -بالتأكيد- تحقيق نصر سريع، لكنه لم يكن يعتمد على استراتيجية دخول الأراضي الأوكرانية، كخطة وحيدة للنجاح.

بدلاً من ذلك، كان الجيش الروسي مستعدًا للسيطرة على البلاد بالقوة، إذا فشلت ضربة قطع الرأس السريعة.

يجب أن يكون هذا النوع من الخطط مألوفًا للأمريكيين، الذين يتذكرون غزو العراق عام 2003.

في الساعات الأولى من الحرب، شنت القوات الجوية الأمريكية حملة "الصدمة والرعب" في محاولة لقتل صدام حسين وغيره من القادة وإسقاط الحكومة، نجا صدام، لكن الجيش الأمريكي كان مستعدًا لمتابعة هجوم بري.

وتظهر نظرة على الهجوم العسكري الروسي، أن هناك خطة لغزو واسع النطاق، وهو ما تنفِّذه روسيا الآن.

فالحرب التقليدية –بآلياتها- مشروع يستهلك الكثير من الوقت والموارد، وعملية من هذا النطاق لا يكون تجميعها في أيام.

الهجوم الروسي على أربع جبهات منفصلة، والجبهة الخامسة، شرقي أوكرانيا، التي أعلن بوتين استقلالها الأسبوع الماضي، كما تعمل القوات الروسية على محاصرة القوات الأوكرانية، بطريقة تعجزها عن التحرك والمواجهة في أماكن أخرى.

 يتقدم الجزء الأكبر من القوات الروسية جنوبًا من بيلاروسيا إلى كييف.

 وتشتبك القوات الروسية المتقدمة، بما في ذلك القوات الجوية والمتحركة والاستطلاعية، مع القوات الأوكرانية خارج كييف منذ بداية الحرب.

هناك رتل ضخم من القوات الروسية، طوله أكثر من 40 ميلاً، على بعد 20 ميلاً فقط شمالي كييف، ومن المحتمل أن يتجمع لمحاصرة العاصمة.

 إذا تمكنت القوات الروسية من السيطرة على كييف، والدفع جنوباً للارتباط بالقوات على جبهة القرم، وتقسيم أوكرانيا إلى قسمين، ستكون تلك ضربة كبيرة لحكومة زيلينسكي.

ما يهم أكثر من حفنة من الانتكاسات، أن القوات الروسية تقدمت 70 ميلاً في منطقة متنازع عليها في أقل من أسبوع، وهي الآن في ضواحي العاصمة.

هذه ليست علامة على هجوم غير منظم وسوء وفشل التنظيم.

يتم دعم الدفع، باتجاه الجنوب من بيلاروسيا إلى كييف، برتل روسي آخر، انطلق من الشرق بالقرب من كورسك.

 إذا كان بإمكان هذا العمود الارتباط بالقوات الروسية بالقرب من كييف، سوف يغلق الطريق على القوات الأوكرانية في معظم مقاطعتي تشيرنيهيف وسومي، ما يحرم الجيش الأوكراني من الجنود والمواد الحربية، التي تشتد الحاجة إليها في أماكن أخرى، ويعزل الحكومة عن مقاطعتين شماليتين.

 شرقاً، شنت القوات الروسية هجوماً واسعاً على خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، التي تخضع الآن للحصار.

وفي الجنوب، تدفقت القوات الروسية، مدعومة بهجمات برمائية من بحر آزوف، على أوكرانيا من القرم.

على هذه الجبهة، احتشدت القوات الروسية بمحورين رئيسين، أحدهما شمال غربي على طول نهر بيفديني بوه، والآخر شمال شرقي على طول الساحل والداخل باتجاه منطقة دونباس، التي أعلنت روسيا استقلالها قبل الغزو.

 إذا تمكنت الأرتال الروسية من إحدى الجبهتين الجنوبية من الارتباط بقوات في الشمال، فإنها ستقطع العديد من القوات الأوكرانية عن التعزيزات، وقد تقدم أحد الرتلين بالفعل لمسافة 160 ميلاً تقريبًا.

وغالبًا ما اختار الجنرالات الروس، تجاوز البلدات والمدن التي تتضمن معارضة شديدة، وتم عزلها للتعامل معها لاحقًا.

وأفادت تقارير بأن القوات الروسية صعَّدت هجماتها على المدنيين، لا سيما في خاركيف.

 إذ في الوقت الحالي، كان القصف بالمدفعية والصواريخ محدودًا، ربما لتوجيه رسالة إلى المواطنين كتحذير لما قد يأتي.

يبدو أن بوتين يريد السيطرة على أوكرانيا، لكنه لن يتردد في زيادة مستوى الوحشية، إذا لزم الأمر.

وتتعارض الطبيعة الممنهجة للهجوم الروسي، مع التكهنات بأن بوتين فقد السيطرة على حواسه.

لا أحد يعرف على وجه اليقين، لكن يبدو أن تصرفات بوتين تصرفات خصم بارد، ولديه حسابات للخصم.

 إن رفض قراره بغزو أوكرانيا -كشكل من أشكال الجنون- في الواقع ذريعة لتجاهل دوافع بوتين المحتملة وأفعاله المستقبلية.

من الناحية الاستراتيجية، بدأ تقدم بوتين في أوكرانيا منذ أكثر من عقد من الزمان، عندما غزا جورجيا وحاول تجزئتها، من خلال الاعتراف بالأنظمة الموالية للكرملين، في مناطق أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

عام 2014، احتل بوتين وضم المنطقة الاستراتيجية الأوكرانية لشبه جزيرة القرم، التي كانت منصة انطلاق للغزو الحالي، ودفع بوتين وقتها ثمناً ضئيلاً للإجراءين.

 حيث فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات محدودة، لكنهما واصلا التواصل معه بشأن الاتفاق النووي الإيراني وقضايا أخرى.

اليوم، قدر بوتين أن الاستيلاء على أوكرانيا بالقوة، في مصلحته ومصلحة روسيا. لا شك أنه توقع أن يفرض الغرب عقوبات دبلوماسية واقتصادية، سبق أن هدد بها زعماء الولايات المتحدة وأوروبا.

ربما أخطأ بوتين في تقدير المقاومة الأوكرانية وشدة معارضة الغرب، لكن ذلك لا يعني أنه مجنون، أو لم يفكر في الاحتمالات واختار الغزو بصرف النظر عن تبعاته.

 يبقى أن نرى ما إذا كانت خطة بوتين ستنجح أم تفشل، لكن ما هو واضح أنه كانت هناك خطة لغزو أوكرانيا سارية المفعول، ونُفِّذت هذه الخطة منذ اليوم الأول.

بينما تخوض القوات الأوكرانية معركة شجاعة، في مواجهة احتمالات طويلة وظروف صعبة، تمتلك روسيا معظم المزايا إن لم يكن جميعها، حيث يتمتع الجيش الروسي بميزة القوة البشرية، فضلاً عن التفوق الجوي والبحري والدروع، كذلك لديها موارد هائلة للاستفادة منها. 

وبينما تحظى أوكرانيا بدعم كبير من المجتمع الدولي، الذي يوفر الأسلحة، فإنها تقاتل بمفردها.

 إن الاعتقاد بأن هجوم روسيا لا يسير على ما يرام، قد يجعلنا نشعر بتحسن، لكنه يتعارض مع الحقائق، لا يمكننا مساعدة أوكرانيا إذا لم نكن صادقين بشأن محنتها.

 

مترجم عن: "الديلي ميل"