هل تتخلى تركيا عن جماعة الإخوان لإصلاح العلاقات مع مصر والإمارات؟

بينما تهدف تركيا إلى إنهاء عزلتها الإقليمية وتحسين اقتصادها، تتطلع الدول الثلاث، إلى إيجاد حلول في ليبيا وسوريا فضلاً عن إنهاء التحريض التركي ودعم جماعة الإخوان المسلمين.

هل تتخلى تركيا عن جماعة الإخوان لإصلاح العلاقات مع مصر والإمارات؟

ترجمات – السياق

بعد ثماني سنوات من العداء، تنخرط تركيا في حوارات دبلوماسية مكثَّفة مع مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، معلنة اهتمامها بإصلاح العلاقات مع هذه الدول العربية المؤثِّرة، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.

وأشارت الصحيفة -في تقرير- إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التقى نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، نهاية أغسطس المنصرم، كما التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.

 

إنهاء العزلة

وبينما تهدف تركيا إلى إنهاء عزلتها الإقليمية وتحسين اقتصادها، تتطلع الدول الثلاث، إلى إيجاد حلول في ليبيا وسوريا، فضلاً عن إنهاء التحريض التركي ودعم جماعة الإخوان المسلمين.

وتساءلت الصحيفة: هل التسوية ممكنة وكيف ستؤثِّر في التحالفات الإقليمية القائمة؟

وأوضحت أن العلاقات بين تركيا والدول العربية، ساءت خلال ما يسمى "الربيع العربي"، عندما دعمت أنقرة حركات الإخوان المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الجماعة "زعمت انتصارها" في ذلك الوقت، واحتفلت بصعودها إلى السُّلطة في تونس ومصر.

لكن بحلول عام 2013، تغيَّـر كل شيء، إذ أدت موجة ثورية أخرى، إلى إطاحة الرئيس المصري محمد مرسي -التابع للإخوان- وسرعان ما توقَّفت العلاقات بين القاهرة وأنقرة، واستدعي السفراء إلى الوطن.

وأشارت إلى أن المصريين وحلفاءهم الإماراتيين والسعوديين، كانوا حذرين من التدخل التركي في الشؤون الداخلية لمصر، بينما رفضت أنقرة الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي، واستخدمت وسائل الإعلام للتحريض ضده.

 

ثأر شخصي

واعتبرت "جيروزاليم بوست" أن هذا الصدع كان أكثر بكثير من مجرَّد ثأر شخصي، ووصفته بأنه كان معركة أيديولوجيات، فقد انضمت تركيا إلى جماعة الإخوان المسلمين وفروعها، وتحولت أنقرة إلى ملاذ آمن لآلاف الأعضاء من جماعة الإخوان المنفيين.

وأوضحت الصحيفة، أن الخلاف بين هذه الأطراف كان عميقًا، واعتبر غير قابل للتسوية، حيث اقتربت مصر والإمارات العربية المتحدة من اليونان وقبرص، وشكلت ما يسمى التحالف اليوناني، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة، ووسعت التعاون في مجال الطاقة، كما عزَّزت إسرائيل علاقاتها باليونان وقبرص والدول العربية.

وعن هذا الأمر، نقلت "جيروزاليم بوست" عن الدكتور أسا أوفير، الخبير في الشؤون التركية، قوله: إن عزلة تركيا المتزايدة وتقلص الاقتصاد جعلاها تعيد التفكير في سياساتها الخارجية الإقليمية.

وأوضح أن أنقرة قلقة من التحالف اليوناني، وقلقة أيضًا من تدريبات اليونان العسكرية مع الإماراتيين والسعوديين، مشيرًا إلى أنها بحاجة إلى إحياء الاستثمارات في الاقتصاد التركي من خلال هذه الدول، لذلك فهي تعد العدة لتخريب التحالف اليوناني ومنعه من النمو.

يرى أوفير أيضًا، صِلة بين نتائج الانتخابات الأمريكية والديناميكيات الإقليمية المتغيرة، ويؤكد الطبيعة التكتيكية للنهج التركي الجديد، قائلا: "يبدو أن أردوغان حذر من الرئيس الأمريكي جو بايدن وسياساته الجديدة تجاه تركيا، وهذا ما يجعله أقرب إلى مصر ودول عربية أخرى".

 

اتفاق العلا

وأشارت الصحيفة إلى أنه في ديسمبر 2020، وقَّعت مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر اتفاقية العلا، التي أنهت الخلاف العربي مع الدوحة، ومن ثم يبدو أن هذه المصالحة مهدت الطريق لتقارب تدريجي بين الدول العربية وتركيا.

وعن سبب اتفاق مصر على الدخول في حوار مع أنقرة، نقلت الصحيفة عن هيثم حسنين، المحلل السياسي، الزميل السابق في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، اعتقاده بأن القاهرة تتطلع إلى هدفين مهمين: "أولًا تسعى مصر إلى انسحاب القوات التركية والميليشيات الأجنبية المتحالفة معها من ليبيا، ما يسمح لعملية سياسية مدعومة دوليًا بالمضي قدمًا، لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عقود، كما أن القاهرة تريد تسليم 15 من أعضاء جماعة الإخوان مطلوبون في مصر لصِلتهم بالهجمات الإرهابية بعد عزل مرسي عام 2013.

 

العصى والجزر

وأضافت "جيروزاليم بوست" -في تقريرها- أنه بعد فترة وجيزة من ختام الجولة الثانية من المحادثات المصرية التركية في أنقرة 8 سبتمبر الجاري، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي: "رغم التقدم، هناك بعض القضايا العالقة بين البلدين"، مشيرًا إلى أنه إذا تم حل هذه القضايا، فإن الدولتين يمكن أن تعيدا علاقاتهما بنهاية هذا العام.

وبحسب مدبولي، يبقى الملف الليبي، القضية الرئيسة بالنسبة لمصر، وقال للصحفيين في القاهرة: "ينبغي لأي دولة ألا تتدخل في ليبيا".

ورد وزير الخارجية التركي، مولود شاوش أوغلو، بالدفاع عن الدور العسكري لبلاده في ليبيا عبر وسائل الإعلام المحلية، قائلًا: "الوجود التركي في ليبيا وسوريا وأذربيجان، أعاد تحديد المعادلات والنتائج السياسية".

وفي الربيع الماضي، ذكر شاوش أوغلو أن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاق مع مصر بشأن الحدود البحرية شرقي البحر المتوسط، ومنذ ذلك الحين يبحث الجانبان بعناية وقف التصعيد.

وتعليقًا على ذلك، قال الدكتور أسا أوفير: ليس هناك شك أيضًا في أن تركيا ستظل داعمًا قويًا للحركات الإسلامية السياسية في المنطقة، حتى لو قلَّصت من الناحية التكتيكية مشاركتها.

وأضاف: لقد كتموا جزئيًا بعض التحريض المناهض لمصر على القنوات التي ترعاها تركيا، وأغلقوا عددًا قليلاً من مراكز الإخوان المسلمين، ومع ذلك، هناك الآلاف من أعضاء الجماعة المنفيين الذين يقيمون في تركيا، ويقومون بأنشطتهم من هناك، مشيرًا إلى أن هذا الدعم له طبيعة أيديولوجية.

وتوضح الصحيفة، أنه بعد عشر سنوات من الربيع العربي، فشلت الأحزاب الإسلامية الصديقة لتركيا في جميع أنحاء المنطقة، إذ تم إزاحتها من السُّلطة في تونس، وخسرت الانتخابات في المغرب، ولم تستطع التعافي في مصر.

 

حصان خاسر

ووفقًا لحسنين، فإنه على مدى العامين الماضيين، أصبحت أنقرة مقتنعة تدريجيًا بأن المعارضة المنقسمة للإخوان المسلمين في المنفى، كانت "حصانًا خاسرًا لم يعد من الممكن استخدامه لتخويف الرئيس المصري". فيما

بينما يتوقع ألا تسمح تركيا بعد الآن، بالخطاب التحريضي ضد مصر، ما قد يؤدي إلى رحيل بعض شخصيات الإخوان إلى وجهات أخرى، مثل قطر.

وتقول "جيروزاليم بوست": رغم أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستذهب تركيا في تقليص دعمها لجماعة الإخوان، فإنه من الواضح أنها مهتمة بزيادة الاستثمار السعودي والإماراتي في اقتصادها.

وأوضحت أن الأمر لم يقتصر على الاقتصاد التركي، بل تقلَّص أيضًا الاقتصاد السعودي والإماراتي والمصري، منذ بداية انتشار وباء كورونا، ومن ثم يبحث الجميع عن طرق لتسريع عملية التعافي.

في الوقت الحالي -تضيف الصحيفة- يبدو أنه في حين أن جميع الأطراف مستعدة للتخفيف التدريجي للتصعيد من أجل الاستفادة اقتصاديًا، لكن كما هو الحال مع قطر، سيظل الحذر عندما تزداد العلاقات دفئًا، ومن ثم ستظل قضايا الخلاف المركزية، ودعم تركيا لجماعة الإخوان وكذلك وجودها العسكري في ليبيا وسوريا، من الصعب حلها.