السودان.. هل يطرق الإسلاميون أبواب السلطة؟
ماذا يعني ترحيب الإخوان الحار بعودة محمد طاهر إيلا آخر رئيس وزراء في عهد البشير؟

السياق
«جرى استقباله كرئيس دولة وليس استقبال عشيرة وقبيلة».. بهذه الكلمات رحب تنظيم الإخوان الإرهابي في السودان بعودة محمد طاهر إيلا، آخر رئيس وزراء في عهد عمر البشير إلى البلاد مرة أخرى.
ذلك الاستقبال والذي وصف بـ«الاستثنائي» و«الضخم»، أثار جدلًا كبيرًا بين مؤيدي الرجل ومعارضيه؛ ففيما أثارت عودته مخاوف في أوساط المعارضة من تصدر تيار الإسلام السياسي المشهد، اعتبر أنصار البشير عودته «نصرًا مؤزرًا» قد يساعدهم في تجاوز أزمة فقدانهم الحكم.
إلا أن ستقبال إيلا والذي تزامن مع تواتر أنباء غير رسمية تشير إلى عودة عبد الحي يوسف القيادي بالحركة الإخوانية إلى البلاد مرة أخرى، جاءت بعد أشهر من الإفراج عن قيادات بارزة في نظام البشير، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أبرزهم رئيس حزب المؤتمر الوطني السابق إبراهيم غندور، ومدير الإعلام الأسبق بجهاز أمن النظام السابق العميد محمد حامد تبيدي.
تلك المؤشرات، تشير بطريقة أو بأخرى إلى زحف قوى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير نحو الانخراط في العملية السياسية مرة أخرى، ما أطلق جرس إنذار من تصدر نظام الإخوان مرة أخرى العملية السياسية، في البلد الذي مازال يتلمس خطواته نحو الديمقراطية.
عودة تيار الإسلام السياسي
وإلى ذلك، توقعت مصادر سودانية قريبة من دوائر صنع القرار في تصريحات لـ«السياق»، عودة قوى الإسلام السياسي في نظام البشير، لكن عبر بوابة ما أسماه بـ«تيار الإصلاح»، مؤكدة أن هناك تيارًا إصلاحيًا داخل الإسلام السياسي بالسودان، بات أقرب إلى «الليبرالية»، وقادرا على التعاطي مع الوضع الراهن بقدر من المرونة.
من جانبه، قال صلاح خليل، الباحث السوداني في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في تصريحات لـ«السياق»، إن ثمة حقيقة لا يجب إغفالها في المشهد السوداني، وهي ضرورة احتواء تيار الإسلام السياسي في البلاد، نظرًا لطبيعة المجتمع السوداني، الذي يعتبر هذا التيار مكونًا أساسيًا فيه.
وأوضح الباحث السوداني، أن تيار الإسلام السياسي وحزب المؤتمر الوطني، له نفوذ كبير داخل الولايات السودانية على المستوى الشعبي، نتيجة سياسات التمكين التي استمرت 3 عقود، ما يفسر عودة إيلا مباشرة إلى بورتسودان، في ظل تصاعد التوترات القبلية هناك.
وشدد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على ضرورة إطلاق حوار وطني، شامل للقوى السياسية كافة، بما فيها التيار الإسلامي، يهدف إلى احتواء الأخير، ووضع ترتيبات وأسس التفاعلات في المرحلة المقبلة، التي يمكن تخرج بالبلاد من الأزمة الراهنة.
وحول موقف القوى السياسية المدنية والمكون العسكري، قال الباحث في مركز الأهرام، إن احتواء قوى الإسلام السياسي وتحديدًا التيار الإصلاحي، سيكون له ظهير شعبي، يمكن أن يدفع القوى المدنية لقبول التعامل معه سياسيًا، وفق قواعد وأطر محددة.
وحذر من أنَّ إطالة أمد الأزمة السياسية في السودان يهدد الأمن الإقليمي في شرق إفريقيا، وهو ما تعيه جيدًا القوى الخارجية، والتي كانت زيارة الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني إلى نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، مناسبة وصفت بـ«مهمة» لبحث الانسداد السياسي في البلد الإفريقي.
زحف نظام البشير
من ناحية أخرى، قالت أسماء الحسيني مديرة تحرير صحيفة الأهرام المصرية المتخصصة في الشؤون العربية والإفريقية لـ«السياق»، إن هناك «خللا» في المكون المدني، تسبب في زحف قوى الإسلام السياسي ورموز نظام البشير نحو العملية السياسية.
وأوضحت الحسيني أن ما وصفته بـ«الخلل والتشرذم في المكون المدني» أعطى دفعة لرموز نظام البشير في إمكانية العودة من جديد، خاصة أنهم ما زالوا يحافظون على قوة التنظيم وهياكله، مشيرة إلى أنه لا يمكن تجاهل تراكم الثروات الكبيرة التي استحوذ عليها نظام الجبهة الإسلامية، من خلال الاحتكار المطلق للسلطة والثروة على مدار حكمهم خلال الثلاثة عقود الماضية.
وحول زحف تيار الإسلام السياسي إلى السلطة، قالت مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية إنه يمكن قراءة المشهد الراهن، عبر عدة محاور، أولهما ذلك الحوار الدائر بين أطراف فاعلة في المكون العسكري وأخرى في تيار الإسلام السياسي من النظام السابق والمعزول.
وأوضحت مديرة تحرير صحيفة الأهرام، أن هذا التنسيق يفسر وجود عناصر «إسلامية» فاعلة إما في المشهد السياسي أو من خلف ستار الأمن، الأمر الذي كان متواريًا أو يتم على استحياء قبل قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن بعد هذه القرارات انزاح الستار وبدأ وجود عناصر الإسلاميين ينمو ويتبلور في المشهد السياسي في السودان يوما بعد آخر.
وأوضحت الحسيني أن هناك بعدا آخر في هذه المعادلة الجديدة، وهو تغلغل عناصر من النظام السابق في السودان في دوائر الحياة السودانية، والذي طال أمده لأكثر من ثلاثين عامًا، لا يمكن محوه في عام أو عامين من سقوط نظام البشير.
إلا أنها قالت إن الضغوط الدولية والشعبية على تيار الإسلام السياسي، ستجعل من الصعب بمكان سيطرتهم على السلطة مجددًا، رغم هشاشة المشهد السياسي السوداني.
ورغم ذلك، إلا أنها قالت إن تيار الإسلام السياسي لن يطرق المشهد السياسي بنفس الهوية، لكن ستكون عودتهم عبر واجهات شبابية أو قبلية أو عبر طرق صوفية وأحزاب ولافتات جديدة أو منظمات مجتمع مدني.