ما أسباب عزل 57 قاضياً في تونس؟

تضمنت القائمة أيضاً الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بتونس الطيب راشد، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحلّ يوسف بوزاخر، وعميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس عماد الجمني، إضافة إلى القاضية إكرام مقداد التي جرى ضبطها في أغسطس 2021 خلال عملية تهريب أكثر من 440 ألف يورو

ما أسباب عزل 57 قاضياً في تونس؟
الرئيس التونسي قيس سعيد

السياق

حزمة من القرارات الصارمة، أصدرها الرئيس التونسي قيس سعيد، كان آخرها مرسوماً يعزل بموجبه 57 قاضياً اتهمهم بالفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب وتعطيل العدالة.

نشر القرار الرئاسي في الجريدة الرسمية، متضمناً قائمة بأسماء القضاة المعزولين، بينهم أسماء توّلوا أو يتولون مراكز قيادية في الجهاز القضائي، مثل وكيل الجمهورية بشير العكرمي، المتهم بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب وتعطيل التحقيق فيها، وارتكاب إخلالات قانونية في ملف الاغتيالات السياسية.

تضمنت القائمة أيضاً الرئيس الأول لمحكمة التعقيب بتونس الطيب راشد، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحلّ يوسف بوزاخر، وعميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس عماد الجمني، إضافة إلى القاضية إكرام مقداد التي جرى ضبطها في أغسطس 2021 خلال عملية تهريب أكثر من 440 ألف يورو، وفقاً لوسائل إعلام تونسية.

اتهامات عدة للقضاة

واتهم الرئيس عددًا من القضاة التونسيين، وتحدّث عن التجاوزات والخروق التي اقترفوها وهدّدت المصالح العليا للدولة.

وأشار سعيّد إلى "تورط قضاة في فساد مالي وتزوير أوراق رسمية والتستر على متورطين في الإرهاب، وحماية مسؤولين سياسيين وحزبيين من المحاسبة، ومنع إجراء تحقيقات أمنية في قضايا إرهابية، إضافة إلى قضايا أخلاقية وتأديبية"، منتقداً "الامتناع عن فتح قضايا جزائية ذات صبغة إرهابية، يصل عددها إلى 6 آلاف و268، والسعي إلى حماية الشبهة ذاتها في ملفات إرهابية، وكذلك في قضايا تتعلق بالجهاز السري" المتهمة فيه قيادات حركة النهضة، على رأسها راشد الغنوشي".

وقال الرئيس التونسي: "أعطيت الفرصة تلو الفرصة والتحذير تلو التحذير حتى يطهّر القضاء نفسه"، مؤكداً أنه "لا يمكن أن نطهّر البلاد من الفساد وتجاوز القانون إلا بتطهير القضاء"، مكرراً التنديد بـ "تأخر وتأخير متعمّد لفتح كل الملفات رغم أنّها جاهزة".

وشدد على أن "مسؤوليته أمام الشعب تحتم عليه اتخاذ هذا القرار، وأن لا نيّة له للتدخّل في عمل القضاء".
إلى ذلك أعلن عن مشروع تقرّر اتخاذه يتعلق بتنقيح المرسوم المتصل بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، ومشروع آخر لتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء، استعدادًا لـ 25 يوليو المقبل، المتعلق بوضع دستور لجمهورية جديدة.

السيادة والتدخل الأجنبي

سبقت تلك القرارات -التي أطلق عليها محللون "إصلاحات قضائية"- دعوة أطلقها قيس سعيد، بمغادرة أعضاء لجنة البندقية -الأوروبية- البلاد، لتضيف له رصيدًا شعبيًا جديدًا لدى التونسيين، الذين عدوها موقفًا للتعبير والحفاظ على السيادة التونسية، حسب مراقببن تحدثوا لمنصة "السياق".

وأعلن الرئيس التونسي -بشكل واضح- أن ما تقوم به اللجنة يعد تدخلًا سافرًا وغير مقبول، في الشأن الداخلي التونسي.

وقال سعيّد، خلال لقائه وزير الشؤون الخارجية عثمان الجرندي: "الدستور يوضع في تونس لا في البندقية، وإن لزم الأمر تنتهي عضويتنا في هذه اللجنة".

ولقيت دعوة سعيد لأعضاء لجنة البندقية بمغادرة البلاد، تأييدًا واسعًا بين نشطاء تونسيون بمواقع التواصل الاجتماعي، أعربوا عن دعمهم للرئيس فى اتخاذ أي قرار يحمي به سيادة البلاد، حتى وإن كان رأي لجنة البندقية استشاريًا ولا تأثير له -بأي شكل من الأشكال- على المسار الديمقراطى للبلاد.

ما هي لجنة البندقية؟

يرجع تاريخ نشأة لجنة البندقية إلى عام 1990 بعد سقوط جدار برلين، كلجنة استشارية في البرلمان الأوروبي، لمساعدة دول أوروبا الشرقية، التي كانت خاضعة للمعسكر الشرقي، في صياغة قوانين ودساتير متلائمة مع ما هو في دول أوروبا الغربية.

عام 2002 حين سمح لدول غير أوروبية بأن تكون عضوًا فى هذه اللجنة، بادرت الدولة إلى الانضمام، لتأكيد احترامها للمعايير الدولية في صياغة القوانين من جهة، وسعيًا لجعل تونس شريكا متميزًا فى السوق الأوروبية المشتركة من جهة أخرى.

التدخل الأجنبي

وبحسب مراقبين للشأن التونسي، يعد رفض سعيد لعمل لجنة البندقية، خطوة ضد كل أشكال التدخل الأجنبي، في صياغة ملامح النظام السياسي التونسي.

وتتفق الدكتورة ريم بن عامر الناشطة الحقوقية التونسية، رئيسة فرع رابطة حقوق الإنسان في تصريحات لـ«السياق»، مع رفض التدخل الخارجي في الشأن الداخلى لتونس، لافتة إلى أنه سبق التنديد بالتدخل الأجنبي، وطالبت رابطة حقوق الإنسان التونسية باحترام السيادة الوطنية.

وتعد  ريم بن عامر المرحلة الحالية التي تمر بها بلادها بالغة الدقة، وتحتاج أن تكون ردود الفعل، خاصة الرسمية، مدروسة وغير انفعالية.

 لهذا ترى في الوقت نفسه، أن دعوة الرئيس سعيد أعضاء لجنة البندقية لمغادرة البلاد "رد فعل مبالغ فيه" لأن عملها استشاري وقراراتها غير ملزمة.

وتحذر الناشطة الحقوقية ريم بن عامر، من محاولات حركة النهضة الإخوانية، وغيرها من القوي المناصرة والداعمة لها، من سعيهم المستمر لإقحام أطراف خارجية للتأثير والضغط في القرار الداخلي للبلاد، وهو ما تعده -بشكل قاطع- أمرًا مرفوضًا وخطيرًا، لأنه يمس سيادة بلادها الوطنية.

 الوجه الآخر

من ناحية أخرى، تطرح الكاتبة الصحفية التونسية ضحي السعفى في تصريحات لمنصة "السياق"، تساؤلًا عن تبعات هذا القرار، رغم أنه يحفظ سيادة البلاد، لكنها تخوفت من آثاره خصوصًا في المستوى الاقتصادي، ورفض القوى الغربية دعم تونس اقتصاديًا، ردًا على هذا القرار الرئاسي.

وتنتقد الكاتبة الصحفية التونسية، موقف حركة النهضة، الذي رفض قرار الرئيس التونسي، لافتة إلى أن النهضة تكيل بمكيالين بما يخدم مصلحتها فقط.

وأشارت إلى أنه عام 2015، رفضت لجنة البندقية -بكل وضوح- قانون المصالحة الاقتصادية، التي أعلنها آنذاك الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، وأكدت مخالفته للفصل 148 من الدستور التونسي.

الأمر الذي جرت مهاجمته من حركة النهضة وحليفها حزب نداء تونس، ووقع بالفعل التصديق على قانون المصالحة الاقتصادية من مجلس النواب، خلال عشرية حكم الإخوان، لأنه يتماشى مع مصالحهم آنذاك.

دعم الرئيس

إلى ذلك يرى مختار اللواتي، الكاتب والمحلل السياسي التونسي، في تصريحات لمنصة "السياق"، ضرورة دعم الرئيس سعيد، الرافض للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي التونسي.

وانتقد المحلل السياسي، مطالبة اللجنة بإلغاء المرسوم الرئاسي الصادر في 22 أبريل 2022 بعد أن زعمت ببطلانه، مشيرًا إلى أن الأمر يتجاوز المشورة إلى التدخل في شؤون دولة ذات سيادة، فضلًا عن أن الدولة التونسية ليست هي التي طلبت الاستشارة.

الجدير بالذكر أن  اللجنة زعمت أن تقريرها جاء بناءً على طلب من مفوضية الاتحاد الأوربي لإبداء الرأي ف يما يتعلق بالإطار الدستوري والتشريعي الخاص بالاستفتاء والانتخابات، التي أعلنها رئيس الجمهورية في مرسوم 22 أبريل 2022.

لكن المحلل السياسي التونسي يرى فى الوقت نفسه، أن هناك ضرورة للتعامل بشكل مختلف مع عمل لجنة البندقية، ولفت إلى أنه كان يكفي إصدار بيان عن الخارجية التونسية تتم صياغته بدقة وبتعاون مع الرئاسة، تراعى فيه الثوابت الدبلوماسية في التعامل مع هذه القضايا.