اتهما السياسيين... تصريحات للبرهان وحميدتي تكشف عن صراع بين أضلاع الحُكم في السودان

توالت ردود أفعال الأحزاب السياسية، بعد تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي انتقد فيها القوى السياسية في البلاد، متهماً إياها بإضاعة الثورة عبر الصراع على المناصب.

اتهما السياسيين... تصريحات للبرهان وحميدتي تكشف عن صراع بين أضلاع الحُكم في السودان

السياق

«شعارات الثورة ضاعت بين الصراع على المناصب»، تصريحات لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، في أعقاب إعلان فشل الانقلاب في السودان، سلَّطت الضوء على صراع خفي بين أضلاع وزوايا الحُكم في البلد الإفريقي.

البرهان، الذي حمَّل الحكومة والسياسيين في بلاده، مسؤولية التشرذم الحاصل، أكد في كلمة ألقاها أمام حفل تخرج عسكري في أم درمان، أن المجلس السيادي يعمل وحده، من دون دعم الحكومة المدنية، التي يرأسها عبدالله حمدوك.

وقال رئيس المجلس السيادي: «لا توجد حكومة منتخبة، نحن أوصياء للحفاظ على أمن الوطن ورغم أنف الجميع على وحدة وأمن السودان».

انحراف المسار

ورغم أن البرهان، أكد أن القوات المسلحة تركت العمل التنفيذي للسياسيين، فإن المسألة انحرفت عن مسارها الصحيح، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة قبلت مبادرة رئيس الوزراء، رغم إقصائها المكوِّن العسكري.

وتابع رئيس مجلس السيادة: لم تتم دعوتنا لمبادرة رئيس الوزراء، رغم أننا شركاء في المرحلة الانتقالية، أقول للشركاء السياسيين يجب أن نعمل معًا، من دون إقصاء لأي مكوِّن.

وبينما قال البرهان إن القوى السياسية تتجاهل معاناة الشارع، وتركز جهدها على الإساءة للعسكريين، شدد على أن مجلس السيادة يؤمن بالتحول الديمقراطي، وضرورة نجاح الفترة الانتقالية، ولا يطمع في السلطة.

 

السياسيون السبب

الأمر نفسه، كرره النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي حمَّل مسؤولية تكرار محاولات الانقلاب في السودان إلى السياسيين.

وقال حميدتي: «بشكل واضح وصريح، أرى أن السبب في تكرار محاولات الانقلاب، هم السياسيون الذين أعطوا الفرصة لقيام الانقلابات»، مشيرًا إلى أن «السياسيين أهملوا المواطن وخدماته الأساسية، وانشغلوا بالصراع على الكراسي والمناصب، ما سبَّب حالة من عدم الرضا والتململ لدى المواطنين، الذين اضطر كثيرون منهم إلى الهجرة خارج البلاد وبيع بعض ممتلكاتهم، لمجابهة الحياة».

وثمَّن دور القوات النظامية، التي أفشلت المحاولة الانقلابية وما أعقبها من محاولات القبض على المجموعة التي قامت بذلك، من دون خسائر، مؤكدًا أنها ليست المحاولة الأولى في الفترة الانتقالية، التي تصدت لها القوات النظامية.

وأعلنت الحكومة السودانية، إحباط محاولة انقلاب «فاشلة»، واعتقال عسكريين ومدنيين بتهمة التخطيط لها، بينما استطاعت القوات المسلحة السيطرة على الوحدات العسكرية، التي كان مدبرو الانقلاب ينوون السيطرة عليها.

وأكد حمزة بلول، وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، أن الأوضاع تحت السيطرة، وأعلن القبض على قادة المحاولة الانقلابية من العسكريين والمدنيين، وبدء التحقيق معهم، بعد «تصفية آخر جيوب الانقلاب في معسكر الشجرة».

وأكد دقلو أنهم في القوات النظامية، منذ  تغيير النظام، لم يبخلوا بشيء، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة السودانية «سخرت كل إمكاناتها لمصلحة السودانيين، تنفيذاً للعهد الذي قطعناه للشعب، بالحفاظ على الفترة الانتقالية، وتحقيق شعارات الثورة حرية وسلام وعدالة».

 

مرحلة مفصلية

نائب رئيس مجلس السيادة، قال إن هذه المرحلة مفصلية في تاريخ التغيير للسودان، متمنيًا أن تكون أفضل مما تشهده البلاد اليوم، مشيرًا إلى أن المخرج لأزمة البلاد هو «توحيد كلمة الحادبين على الوطن، والعمل بروح وطنية خالصة، من دون أجندة ولا محاولات للإقصاء».

وطالب بضرورة التوافق على برنامج وطني، يخرج الشعب من أزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتجنُّب الاستهداف للمؤسسات الوطنية، التي تحافظ على أمن واستقرار هذه البلاد.

وأبدى النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، تفهمه لضرورة توحيد الجهود السياسية والاجتماعية، للمضي بالفترة الانتقالية إلى نهاياتها المطلوبة، مشيرًا إلى دعمه لمبادرة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لتجاوز الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد، وترك النظر للمناصب والمصالح الحزبية الضيقة.

أخطر من الانقلاب

توالت ردود الأفعال، بعد تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي انتقد فيها الطبقة السياسية في البلاد، متهماً إياها بإضاعة الثورة عبر الصراع على المناصب.

حزب الامة القومي – أحد أكبر الأحزاب السودانية- وصف تصريحات البرهان بالخطيرة وغير المقبولة، مشيراً إلى يجري الاتصالات بغية الجلوس مع المكون العسكري.

من جهته، قال طه عثمان إسحق، القيادي بقوى الحرية والتغيير، إن خطاب رئيس مجلس السيادة ونائبه محمد حمدان دقلو أخطر من الانقلاب نفسه.

وأضاف إسحق، أن الخطاب يحاول "تحميل المدنيين مسؤولية ما حدث"، في إشارة إلى محاولة الانقلاب الفاشلة التي أعلن الجيش إحباطها وإلقاء القبض على جميع المتورطين فيها.

 

تشاكسات

طالما شهدت العلاقات بين المكوِّنين المدني والعسكري في السودان، تشاكسات منذ توقيع العسكريين والمدنيين في أغسطس 2019 اتفاقًا لتقاسم السلطة، نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا بعد أن أبرمت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع عدد من حركات التمرد المسلحة.

وبموجب اتفاق 2019، فإن الجيش يتولى السُّلطة على المستوى السيادي، بينما تقود حكومة مدنية ومجلس تشريعي الفترة الانتقالية.

إلا أن محللين قالوا، إنه بعد مرور أكثر من عامين على إطاحة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، ما زال الجيش السوداني مهيمنًا على مقاليد الأمور، مع تراجع دور القوى المدنية لما تشهده من انقسام.

من جانبه، قال جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية، في تصريحات لـ«فرانس 24»،  إن «طرفي الحكم (الجيش والقوى المدنية) أقاما علاقات ودية، بينما يعملان بتناسق متقطع مع احتفاظ الجيش بسُلطته بشكل فعال»، مشيرًا إلى أن «الانقسامات الداخلية ونقص القدرات أضرا بقدرة المدنيين على الاستمرار بإدارة الفترة الانتقالية».

وتعمَّقت الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف المعارضة المدني الرئيس، الذي قاد الاحتجاجات المناهضة للبشير عام 2019، وشهد الدعم الشعبي للحكومة الانتقالية -بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك- بعض التراجع خلال العامين الماضيين، بسبب الإصلاحات الاقتصادية الحكومية، التي أثرت سلبًا في معيشة العديد من الأسر السودانية.

كما تصاعدت الانتقادات للحكومة، بسبب التأخير في تحقيق العدالة لعائلات الضحايا، الذين سقطوا تحت نظام البشير، خلال احتجاجات 2019 التي أعقبت إطاحته.