أين تقف تركيا في الحرب الباردة الجديدة؟
تركيا وروسيا خصمان تاريخيان، وتقاتلان في نزاعات مثل ليبيا وسوريا، لكن أنقرة غير مستعدة لاستعداء بوتين، على الأقل بطلب من الغرب

ترجمات – السياق
تساءلت الكاتبة، أصلي أيدن طاشباش: أين تقف تركيا في الحرب الباردة الجديدة، وقالت إن الجواب "ليس معقدًا بالطبع"، مشيرة إلى أن الغرب يعيد تشكيل نفسه "وآمل أن تكون الحكومة التركية والمعارضة براغماتيين بما يكفي، للوقوف مع الجانب الصحيح".
وقالت طاشباش، في مقال بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية: "لم أسمع كلمة النازيين الجدد تتكرر، كما سمعتها في وسائل الإعلام التركية، منذ بداية الحرب في أوكرانيا"، وأضافت: "الأسبوع الماضي، ناقشت، في لقاء تلفزيوني مع مجموعة من المعلقين، الذين اعتقدوا أن أوكرانيا يديرها نازيون جدد، فكرة أن (الناتو) أداة حرب ينبغي على تركيا الخروج منها بأسرع وقت".
ورغم أن هذا الحديث في قناة معارضة يسارية، يعتقد أنها تأثرت بالرواية الروسية عن أوكرانيا، فإن المشاعر في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، لم تكن أقل معاداة للغرب.
حيث صاغ المحللون في الشبكات الرئيسة، الداعمة لمواقف الحكومة، مفهموم الحرب على أنها مواجهة بين "الناتو" وروسيا، بدلاً من هجوم غير قانوني على دولة ذات سيادة.
وبينما كان هناك الكثير من التعاطف مع فولوديمير زيلينسكي والشعب الأوكراني، بدا أن الموقف الثابت هو إلقاء اللوم على "الناتو" في كل شيء.
روسيا سيئة
وأشارت أصلي أيدن طاشباش، إلى وجود الكثير من العناوين الرئيسة عن كيفية تمييز الغرب الشرير ضد الأفارقة المحاصَرين في أوكرانيا، أو تفضيل الأوكرانيين البيض على المسلمين السوريين، وأضافت: "كانت الرسالة واضحة: روسيا سيئة، لكن الغرب شرير أيضًا".
وقالت إن لا شيء من ذلك يثير الدهشة، فباستثناء الانضمام الأوروبي، فإن المشاعر المعادية للغرب واضحة في مواقف كل الأحزاب، وعلى مدى الطيف السياسي، مع أن البلد يقف في التحالف العابر للأطلسي، منذ الحرب العالمية الثانية، وعضو في حلف الناتو منذ عام 1952.
وذكرت أن محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 أدت إلى تفاقم الوضع، وإضفاء الشرعية على معاداة الغرب في لغة الحكومة.
وعلاوة على ذلك صعَّدت أنقرة تعاونها مع "الناتو" وزودت أوكرانيا بطائرات من دون طيار، استخدمها الجيش الأوكراني بشكل فعال لإبطاء التقدم الروسي الأسبوع الماضي، وأصبحت عنوانًا على تصميم الأوكرانيين ضد الغزاة.
وفرضت أنقرة أيضًا قيودًا على وصول البحرية الروسية إلى البحر الأسود، من خلال بنود اتفاقية مونترو لعام 1936، التي تنظم حركة المرور البحرية على المضائق التركية.
قلق تركي
تساءلت طاشباش: لماذا يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمورًا مثل "لا يمكننا التخلي عن أوكرانيا ولا عن روسيا"؟ ولماذا امتنعت تركيا عن التصويت في مجلس الأمن الدولي بشأن قرار تعليق مقعد روسيا؟ وقررت دعم قرار في الجمعية العامة يشجب العدوان ضد أوكرانيا؟
وقالت الكاتبة إن الغموض الاستراتيجي هو قلب عملية التوازن في العلاقة بين تركيا وروسيا، مشيرة إلى أن صانعي القرار في تركيا قلقون من روسيا التي تسيطر على سوريا، وقد وسعت وجودها العسكري في القوقاز، وتهدد بالسيطرة على الجناح الشمالي لتركيا، عبر البحر الأسود.
وذكرت أن تركيا وروسيا خصمان تاريخيان، وتقاتلان في نزاعات مثل ليبيا وسوريا، لكن تركيا غير مستعدة لاستعداء بوتين، على الأقل بطلب من الغرب.
وقالت الكاتبة إن أردوغان جعل تركيا ضعيفة اقتصاديًا واستراتيجيًا أمام روسيا، وهو يعلم أن قدرة أنقرة على العمل في سوريا، تستند إلى موافقة بوتين.
وهناك أيضًا الغاز الروسي والسياح الروس والاستثمارات الروسية، كل ذلك جعل العلاقة غير المريحة بالفِعل تثير أعصاب تركيا.
وقال مسؤول تركي كبير: "إذا كانت هناك حرب باردة جديدة، فلا شك في موقفنا"، لكنه استهل هذا التعليق بانتقاد معاملة الولايات المتحدة الباردة لتركيا وأردوغان، لافتًا إلى أن أردوغان يريد التوجه مع الغرب، لكن ليس بالضرورة من خلال العودة إلى نادي الديمقراطيات، فهو يريد نهاية للتباعد الاجتماعي من بايدن، لكن من دون تغيير سياساته التي قد تؤثر على قيادته في الداخل.
خشية روسيا
عام 1945، اصطف القادة الأتراك مع الغرب، لأنهم كانوا يخشون روسيا في عهد ستالين، وأرادوا أن يكونوا في الجانب الصحيح من التاريخ.
وكجزء من الصفقة، قبل الرئيس التركي حينه عصمت أينونو بنظام التعددية الحزبية، ودخول تركيا في المؤسسات العابرة للأطلسي، وكان ذلك بالمجمل جيدًا لتركيا.
وفي مواجهة هذه المعضلة، على أردوغان عمل ما هو أفضل لتركيا: إعادتها إلى الديمقراطية والنظام الأمني عبر الأطلسي، ويمكنه أن يبدأ ارتباطًا جديدًا بخطوات صغيرة لكسر عزلة أنقرة، وفتح مفاوضات مع إدارة بايدن بشأن نظام الدفاع الصاروخي S-400 أو إطلاق سراح أسماء رمزية، مثل زعيم المجتمع المدني عثمان كافالا، لأن ذلك سيفتح الأبواب في واشنطن وأوروبا.
آمل أن يفهم قادة تركيا والمعارضة، أن الغرب يعيد تشكيل نفسه، وآمل أن يكونوا براغماتيين بما يكفي للوقوف مع الجانب الصحيح، رغم الارتباك الأخلاقي في الإعلام التركي، وآمل -كما حدث عام 1945- أن تنطوي الصفقة الكبرى مع تركيا على التحول الديمقراطي، لأن البديل لأنقرة متروك لبوتين، وذلك بالتأكيد غير آمن.