فورين بوليسي: استراتيجية إيران الجديدة تجاه أوروبا محكوم عليها بالفشل

القيادة الإيرانية الجديدة، لم تتحدث كثيراً عن سياستها تجاه أوروبا، إلا أن ما قالوه يشير إلى أنهم ربما ينتهجون استراتيجية جديدة، لسوء الحظ، تمت تجربتها، لكنها لم تكن ناجحة

فورين بوليسي: استراتيجية إيران الجديدة تجاه أوروبا محكوم عليها بالفشل

ترجمات-السياق

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن استراتيجية إيران تجاه أوروبا، محكوم عليها بالفشل، مشيرة إلى أنه منذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان منصبيهما في أغسطس الماضي، يُنظر إلى بناء العلاقات مع جيران طهران ودول آسيا، باعتباره أولوية قصوى في السياسة الخارجية للبلاد، إلى جانب الاستمرار في تعزيز ما يُسمى محور المقاومة في الشرق الأوسط.

لكن القيادة الإيرانية الجديدة، لم تتحدث كثيراً عن سياستها تجاه أوروبا، إلا أن ما قالوه يشير إلى أنهم ربما ينتهجون استراتيجية جديدة، لسوء الحظ، تمت تجربتها، لكنها لم تكن ناجحة.

 

ثلاث ركائز

وأضافت المجلة، في تقرير، أنه في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، كانت سياسة إيران تجاه أوروبا تتألف من ثلاث ركائز، الأولى: السعي لتحقيق الترابط الاقتصادي مع أوروبا، لردع القيود المالية المستقبلية ضد البلاد، وتعويض تكاليف اضطرارها إلى التراجع عن برنامجها النووي.

أما الركيزة الثانية فكانت تبني نسخة مخففة جداً من مبدأ "فرِّق تسُد"، إذ منح الانقسام بين أوروبا وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة، بشأن الاتفاق النووي لعام 2015، فرصة لطهران للاستفادة من النفوذ السياسي والدبلوماسي الأوروبي، لا سيما في الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة.

أما الركيزة الثالثة، فقد بدأت بعد تفشي وباء كورونا، لأنه نظراً للبنية التحتية الصحية الضعيفة نسبياً في طهران، والاستجابة الوطنية المتأخرة للانتشار الواسع لكورونا هناك، فقد كان وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، قلقاً من أن الإدارة السيئة للجائحة، يمكن أن تتحول إلى كارثة إنسانية.

وتابعت: "ركز ظريف جهود إدارته الدبلوماسية، على الوصول إلى القدرات الطبية المتعلقة بكورونا في أوروبا، فضلاً عن إقناع العواصم الأوروبية بالضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات، والسماح لطهران بالحصول على قروض بـ5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لكن لأنه كان من الممكن اعتبار هذا النوع من الدبلوماسية الصحية، إعادة تنشيط للعلاقات الهشة بين إيران وأوروبا، فإن الأخيرة لم تتسرع على ما يبدو، لتلبية حاجات طهران المُلِحة".

 

الاتفاق النووي

وأشارت المجلة، إلى أنه بالنظر لأن حكومة رئيسي، ترى أن سياسة إدارة روحاني تجاه أوروبا كانت فاشلة، يبدو أنها ستتجه نحو نهج مختلف، حيث أكد عبد اللهيان، في أغلبية محادثاته الهاتفية والتغريدات الموجَّهة إلى المسؤولين الأوروبيين، سلبية أوروبا، لا سيما ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، تجاه الحفاظ على الاتفاق النووي لعام 2015، بعد انسحاب الولايات المتحدة، كما انتقد فشل القارة في الوفاء بالوعد الذي قطعته، في الأسبوع التالي لانسحاب الولايات المتحدة، بالحفاظ على الصفقة والعلاقات الاقتصادية مع إيران وتعميقها.

وأضافت المجلة: "إلى جانب خسارة الفوائد الاقتصادية لإيران، فإن إدارة رئيسي ترى أن تقاعس ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، عن إنقاذ الاتفاق النووي، أضر باحترام طهران لهم، إذ إنه في المحادثات مع المسؤولين الأوروبيين، الذين كان معظمهم من هذه البلدان الثلاثة، دعا الرئيس ووزير الخارجية إلى (الاحترام المتبادل)، وهي عبارة نادراً ما تظهر في المحادثات والتغريدات، التي تضم مسؤولين غير أوروبيين".

ورأت المجلة، أن الإدارة الإيرانية الجديدة، بدأت تنظر إلى الثلاثي القوي "ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة" بريبة عميقة، لذا فقد قررت تبني  سياسة تُعرف بـ "أوروبا الثانية"، ظهرت لأول مرة في خضم المفاوضات النووية في مايو 2014، بكتاب لمجموعة من المفكرين المقرَّبين من المعسكر المحافظ والدولة العميقة في إيران، الذين كانوا متشككين في مستقبل المحادثات النووية، إذ توقَّع الكتاب أن يكون الاتفاق المحتمل بين إيران والقوى العظمى هشاً، لذلك حثَّ إدارة روحاني على وضع خطة بديلة لسياسة البلاد المستقبلية تجاه أوروبا.

 

أوروبا الثانية

وقالت "فورين بوليسي" إن الخطة البديلة المقترحة في الكتاب، هي سياسة أوروبا الثانية، التي لم تكن تتضمن خطة عمل ملموسة، لكنها كانت مجموعة من المقترحات، إذ اقترح الكتاب الاستفادة من الانقسام الداخلي في الاتحاد الأوروبي، بشأن سياسة أوروبا تجاه إيران، لبناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول الأوروبية الرئيسة، خارج المجموعة المذكورة أعلاه، وهي إيطاليا، النمسا، والنرويج، وإسبانيا، والسويد، وسويسرا، وبلجيكا، التي يمكن أن تتماشى مصالحها مع طهران، حسب الكتاب.

ولفتت المجلة، إلى أنه في ذلك الوقت، كان فريق روحاني للسياسة الخارجية، منشغلاً بالتركيز على الركيزة الثالثة لسياسة إيران تجاه أوروبا، لذا فقد اغتنم مؤيدو نهج أوروبا الثانية الفرصة لتعزيز أجندتهم.

وأضافت المجلة، أن مضمون فكرة أوروبا الثانية هذه، ليس جديداً في صُنع السياسة الخارجية لإيران، موضحة أن هذه الفكرة اختُبرت لأول مرة في الثمانينيات، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث اعتقد صانعو السياسة في ذلك الوقت، أن تطور العلاقات التجارية بين طهران والدول الصناعية الكبرى في أوروبا، أمر بعيد المنال، لأن فرنسا -على سبيل المثال- انحازت على الفور إلى بغداد ودعمتها عسكرياً في ساحة المعركة، وسياسياً في الأمم المتحدة.

وتابعت: "نتيجة لذلك، سعت طهران إلى إقامة علاقات تجارية مع دول أوروبية أخرى، مثل الدنمارك وفنلندا والسويد وسويسرا، لمنع الدول الأوروبية الأكبر من أن تكون قادرة على السيطرة عليها اقتصادياً، وكذلك لبناء تحالفات في أوروبا، يمكن أن تقاوم أي أجندة معادية لإيران، بسبب مصالحها الاقتصادية في البلاد".

ووفقاً للمجلة، فإنه في حين أن هذه السياسة أدت في النهاية، إلى تحسين العلاقات التجارية الإيرانية مع أوروبا الثانية، ومع بقية المجموعة الأوروبية إلى حد ما، إلا أنها لم تنتج الفوائد السياسية والدبلوماسية، التي كانت طهران تأملها.

صحيح أن العالم الآن مختلف، مقارنة بفترة الثمانينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن ما لم يتغير هو العداء الطويل الأمد بين طهران وواشنطن، لذا فإنه يجب على صانعي السياسة الجدد في إيران، أن يضعوا في اعتبارهم أن عقيدتهم في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية، المتمثلة في التعامل مع الغرب، بعيداً عن الولايات المتحدة، تتعارض مع الحقائق الحالية في العالم الغربي.

وفي نهاية تقريرها، قالت "فورين بوليسي" إن العديد من دول أوروبا الثانية، تضع في اعتبارها الآن التهديدات في الداخل وفي جوارها، التي تتطلب مواجهتها المزيد من المبادرات، التي تقودها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بينما يلتزم آخرون بالشراكة عبر الأطلسي، ويتصرفون بما يتماشى مع سياسات الاتحاد الأوروبي، لذا فإنه من غير المحتمل أن تكون أي دولة أوروبية، بما في ذلك دول أوروبا الثانية، قادرة أو مستعدة، لتغيير وضعها من خلال التعامل مع طهران.