مستشار ألمانيا السابق وصديق بوتين.. في قلب الصراع الروسي الألماني
بالنسبة للمستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، أصبح الزعيم السابق مصدر إزعاج

ترجمات – السياق
بينما احتشدت القوات الروسية على حدود أوكرانيا، اتهم غيرهارد شرودر -الذي قاد ألمانيا من 1998 إلى 2005 لصالح حزب الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة شولز- كييف بإذكاء التوترات من خلال "قعقعة السيوف".
ازداد الغضب الذي أعقب ذلك، عند ترشيح المستشار السابق البالغ من العمر 77 عامًا في 4 فبراير لمجلس إدارة شركة غازبروم العملاقة للطاقة الروسية المملوكة للدولة، ما عزز مكانته باعتباره تجسيدًا لعلاقات الطاقة العميقة بين ألمانيا وروسيا، والرئيس فلاديمير بوتين، وتوسيعًا لنطاق الوصول إلى السياسة الأوروبية، من خلال ثروات موسكو من الغاز الطبيعي، وفقا لـ "واشنطن بوست".
وأثارت هذه الخطوة مخاوف من أن بوتين قد يستخدم صديقه منذ فترة طويلة، لدق إسفين في الحزب الحاكم بألمانيا، حيث يكافح لصياغة سياسة متماسكة تجاه موسكو، مع تجمع القوات الروسية بالقرب من حدود أوكرانيا، ما دفع حزب شولز للنأي بنفسه عن شرودر، وسط تساؤلات عن التأثير الذي ما زال يمارسه المستشار السابق، الذي أصبح عضوًا في جماعات الضغط الروسية بمجال الطاقة .
نورد ستريم2
لعب شرودر دورًا مهمًا في ولادة المشروع، الذي كان أكبر نقطة شائكة بين الحكومة الألمانية وواشنطن خلال الأزمة الحالية، نورد ستريم 2، خط أنابيب الغاز الطبيعي، الذي لم يعمل بين روسيا وألمانيا.
ورغم ضغوط الولايات المتحدة، كان شولتز مترددًا في الانضمام إلى الرئيس بايدن، في التصريح القاطع بأن خط الأنابيب لن يشغل في حال الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرًا إلى ما وصفه بأنه "الغموض الاستراتيجي".
ومع أن شرودر لا يشغل منصبًا سياسيًا في ألمانيا، إلا أن صلاته بقطاع الطاقة الروسي -في هذه الفترة الحساسة- أثارت إدانة من جميع الأطياف السياسية، بما في ذلك دعوات لتجريده من الامتيازات الممولة من دافعي الضرائب.
و قال رودريش كيزيوتر، النائب الديمقراطي المسيحي في لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، عن قرار شرودر رفع علاقاته بقطاع الطاقة الروسي: "في أوقات التصعيد هذه، هذا خطأ حقًا"، مضيفا أنه في أفضل الأحوال، يتصرف شرودر "بشكل غير لائق" ويضر بصورة ألمانيا.
لكن المشرع يخشى أيضًا أن يكون المستشار السابق جزءًا من "لعبة شطرنج" لبوتين، لمحاولة تقسيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولز، الذي يقود ائتلافًا من ثلاثة أحزاب تشكل بعد الانتخابات في سبتمبر، والتي شكلت نهاية قيادة أنجيلا ميركل للبلاد.
نفوذ سياسي
المستشار السابق ليس وحده المؤمن بما يطلق عليه "الشروديره" المتزايدة للسياسة الأوروبية، حيث تحاول موسكو كسب النفوذ السياسي، من خلال الباب الدوار بين رجال الأعمال والسلطة.
فهناك وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنيسل، التي عُينت العام الماضي في مجلس إدارة شركة روسنفت النفطية العملاقة الروسية، التي تسيطر عليها الدولة وتم تصويرها عام 2018 وهي ترقص مع بوتين في حفل زفافها.
كما رُشح رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون العام الماضي، لمجالس إدارة شركة النفط الحكومية الروسية زاروبجنفت وشركة البتروكيماويات الروسية العملاقة سيبور.
وعُين المستشار النمساوي السابق، وولفجانج شوسيل، عضوًا في مجلس إدارة شركة النفط الروسية Lukoil عام 2019، لكن أيًا من علاقاتهما لا تقترب من نطاق وتأثير شرودر، إذ رفض المستشار السابق إجراء مقابلة ولم يرد على الأسئلة المرسلة إلى مكتبه.
إحراج الجميع
هدف بوتين هو الإضرار بمصداقية ألمانيا بين شركائها، سواء الولايات المتحدة أم الاتحاد الأوروبي. قالت سودها ديفيد ويلب، نائب مدير مكتب برلين لصندوق مارشال الألماني، عن نية بوتين ترشيح شرودر الجديد، لكن الأهم من ذلك، كما قالت، السؤال عن كيفية حل الاشتراكيين الديمقراطيين لخلافاتهم بشأن سياسة حزبهم تجاه روسيا.
وبالنسبة إلى الاشتراكيين الديمقراطيين، أصبح التعامل مع شرودر مثل "التعامل مع العم الغريب الذي يأتي لتناول العشاء، فأنت لا تريد إحراج الجميع"، على حد قولها.
نأى كبار مسؤولي الحزب بأنفسهم عن شرودر، وأكدوا أنه لم يعد له تأثير كبير في الحزب.
وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، كيفين كونرت، في مقابلة مع صحيفة دير تاجشبيجل الألمانية، إن الطريقة التي يخلط بها شرودر بين المصالح التجارية ودوره كمستشار سابق "ليست خاطئة فحسب بل إنها حزينة".
بينما قال مالو دراير، رئيس الوزراء الاشتراكي الديمقراطي عن ولاية راينلاند بالاتينات، لصحيفة ألمانية: "لا أعرف أي شخص في الحزب يشاطره آراءه".
وأكد شولتز في مقابلات أجريت بالولايات المتحدة وألمانيا، أن المستشار السابق لا يتحدث باسم الحزب. وأضاف عندما سُئل عن وجود مستشارين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي يدليان ببيانين متناقضين بشأن الأزمة: "إذا فهمت دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية بشكل صحيح، هناك مستشار اتحادي واحد فقط هو أنا".
لكن اتضح هذا الأسبوع أن عضوًا في حكومة شولتز، التقى شرودر الشهر الماضي لمناقشة "مستقبل العلاقات الألمانية الروسية والمجتمع المدني في روسيا" في خضم الأزمة الأوكرانية، ما أثار الانتقادات.
وقال ماتياس هاور، وهو برلماني عن الديمقراطيين المسيحيين: "احتجاجات قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي للنأي بأنفسهم عن غيرهارد شرودر، تدحضها حقيقة أن المستشار السابق وأحد كبار أعضاء جماعات الضغط في روسيا، لا يزالون على اتصال وثيق بحكومة شولتز".
والتقى شرودر يوهان ساثوف، وزير الخارجية البرلماني في وزارة الداخلية في يناير، وكان ساثوف مسؤول مكتب الخارجية عن روسيا حاضرًا وكذلك هينو فيزي، وهو عضو سابق في البرلمان عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي وعضو ضغط أيضًا، وهو كذلك القنصل الفخري لروسيا في هانوفر، وماتياس بلاتزيك، الزعيم الاشتراكي الديمقراطي السابق لولاية براندنبورغ.
ولم يرد ساثوف على طلبات صحيفة واشنطن بوست للتعليق، لكنه قال لصحيفة زودويتشه تسايتونج الألمانية، إنه طلب الاجتماع لمناقشة "المجتمع المدني" وإن شرودر لم يحاول التأثير في عمل الحكومة، بعدما عُرفت الميول المؤيدة للكرملين للمستشار السابق، بينما كان مستشارًا عام 2004، اشتهر شرودر بوصف بوتين بأنه "ديمقراطي لا تشوبه شائبة"، وفي العام نفسه، سافر بوتين إلى منزل شرودر في هانوفر للاحتفال بعيد ميلاد المستشار الستين.
عناق دافئ
لقد استغل أيامه الماضية في منصبه، لتحريك العجلات لأول خط أنابيب نورد ستريم، وكان ذلك قبل 10 أيام من انتخابات 2005، التي بدا أنه سيخسرها، عندها غادر الحملة الانتخابية لتوقيع خطاب نوايا مع بوتين على خط الأنابيب. لقد أعطت روسيا طريقة لإرسال الغاز الطبيعي إلى أوروبا تجاوزت روسيا البيضاء وبولندا وأوكرانيا، وأضعفت نفوذ تلك الدول ضد موسكو.
وبعد أقل من ثلاثة أسابيع من ترك شرودر منصبه، عُين رئيسًا للجنة المساهمين في نورد ستريم. ومنذ ذلك الحين، استخدم علاقاته للضغط نيابة عن المشروع الجديد، نورد ستريم2، وفتح الباب أمام الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم أليكسي ميلر للقاء المسؤولين في برلين.
وفي خضم الصراع الأخير في أوكرانيا، احتفل شرودر بعيد ميلاده السبعين بسانت بطرسبرغ، في حدث استضافه نورد ستريم وحضره بوتين، حيث استقبل كل منهما الآخر بعناق دافئ .
تيمو لانج، الناشط في "لوبي كنترول"، وهي منظمة ضغط مقرها برلين قال: "بالتأكيد، إنه مجرد مستشار سابق، لكن لديه بالطبع شبكة ضخمة في ألمانيا، في الخطاب العام، يتحدث بسلطة مستشار سابق، إنه يسبب الكثير من المتاعب للسياسيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي".
وأوضح مقال نشره مؤخرًا موقع T-online الإخباري الألماني اجتماعات شرودر مع مانويلا شفيزيغ، رئيسة وزراء ولاية مكلنبورغ فوربومرن، حيث وصل خط أنابيب نورد ستريم2 إلى اليابسة في ألمانيا.
شفيزيغ أيضًا ديمقراطية اجتماعية معروفة بدعمها للروابط التجارية مع روسيا، بما في ذلك خط الأنابيب. قال لانج عن حكومة الولاية: "لديهم مصلحة اقتصادية ضخمة جدًا في مشروع نورد ستريم".
وقال المستشار السابق إنه يعمل لمصلحة العلاقات الروسية الألمانية. و عندما سُئل عما إذا كان يخشى أن يستخدمه بوتين، رد: "أنا لست قابلاً للاستخدام".
يأتي الجدل في الوقت الذي يكافح فيه الاشتراكيون الديمقراطيون للتوحد في حلو السياسة بشأن روسيا، ويحاول شولتز الجمع بين جناح ذي ميول يسارية يتبنى انفراجًا تجاه روسيا على النحو الذي قدمه مستشار الحزب في حقبة الحرب الباردة ويلي برانت، وصياغة النهج مع الواقع، مع أخذ الجغرافيا السياسية بالاعتبار.
قال بيتر ماتوشيك، رئيس قسم البحوث السياسية والاجتماعية في مؤسسة الاستطلاعات "فورسا" الألمانية: "الحزب ليس له اتجاه حقيقي ولا يتحدث بصوت واحد، المستشار السابق شرودر يعقد الأمور أكثر".