الحرب الأوكرانية تهز أوروبا.. وخبراء: ستغير موازين القوى عالميًا

قال حسام حسن الباحث في جامعة فيينا، في تصريحات لـالسياق، إن خروج بوتين منتصرًا من الحرب الأوكرانية، سيجعل روسيا أقوى بكثير من أي وقت مضى، ويمكن أن يدفع دول المركز في أوروبا -مثل فرنسا وألمانيا- للدخول في سباق سياسي واقتصادي وعسكري مع موسكو بعيدًا عن التكتل الأوروبي، الذي سيخرج ضعيفًا من الأزمة.

الحرب الأوكرانية تهز أوروبا.. وخبراء: ستغير موازين القوى عالميًا

السياق

أكثر من عشرة أيام من الحرب الأوكرانية الروسية، كانت كفيلة بإحداث تغييرات كبرى في معظم البلدان، التي تأثرت -بطريقة أو بأخرى- بالأزمة، رغم أن بعضها قد يكون بعيدًا ملايين الأميال عنها.

وهبت رياح الحرب، حاملة معها آثارًا اقتصادية وسياسية وعسكرية، على الجميع، إذ لم يقتصر الأمر على بلدين نشبت بينهما حرب في منطقة ما من العالم؛ بل إن هذين البلدين يؤثران بشكل كبير في معظم الاقتصادات؛ ما أدى إلى التفكير في إعادة تشكيل موازين القوى محليًا ودوليًا.

تلك الرياح كانت وما زالت القارة العجوز أكثر تأثرًا بنسماتها «اللافحة»، بشكل قد يدفعها لإعادة بناء قدراتها الاستراتيجية والعسكرية، وإعادة النظر في العديد من الملفات والقضايا خصوصًا الأمنية.

وهو ما مهد إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريح قبل يومين، مؤكدًا فيه أن «موازين القوى في أوروبا ستشهد تغييرات جذرية في الأشهر المقبلة».

إلا أن ماكرون لم يكن وحده الذي توقع نسمات التغيير؛ بل إن المستشار الألماني أولاف شولتز أعلن أمام البرلمان، زيادة ميزانية الدفاع في موازنة 2022 إلى 2%، وبدء تحديث الجيش الألماني.

 

تغيير جذري

إلى ذلك، قال الدكتور توفيق إكلمندوس، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة ورئيس وحدة الدراسات الأوروبية بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لـ«السياق»، إن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت أوروبا إلى إعادة بناء قدراتها الاستراتيجية، والنظر في العديد من الملفات والقضايا خصوصًا الأمنية.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية، أن الحرب في أوكرانيا دفعت ألمانيا لإعادة تحديث جيشها، والنظر في التشريعات المنظمة لمسألة التجنيد، ما قد يغير موازين القوى عالميًا، إلا أنه توقع أن ذلك لن يحدث في المستقبل المنظور؛ كون بناء الجيش، يحتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، ما يعني استمرار قيادة فرنسا لأوروبا عسكريًا في المرحلة الراهنة.

وعن إمكانية بناء تحالف عسكري موازٍ لـ«الناتو»، قال إكلمندوس إنها ليست مطروحة، خصوصًا أن أوروبا لديها مظلة تعمل من خلالها هي الاتحاد الأوروبي، الذي يتيح تشكيل قوة أوروبية موحدة.

 

تسليح غير مسبوق

من جانبه، قال حسام حسن الباحث في جامعة فيينا، في تصريحات لـ«السياق»، إن أوروبا ستشهد عملية تسليح غير مسبوقة، سواء في دول المركز فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أو دول الهامش مثل بولندا ودول شرق أوروبا.

وأرجع الباحث في جامعة فيينا هذه التوجه، إلى معالجة ما وصفه بـ«الخطأ» في الرؤية الأوروبية، الممثلة في «إهمال» القوة العسكرية مقابل تعظيم المصالح والإمكانات الاقتصادية.

واستدل حسام حسن، على رؤيته بالوضع في ألمانيا، مشيرًا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية، ستكون نقطة تحول تاريخية، تدفعها للتخلص من سياسة حكمتها منذ 1945، أو ما يعرف بـ«القوة المدنية»، التي تتلخص في «تقزيم» القوة العسكرية لصالح الإمكانات الاقتصادية، التي من خلالها، حاولت برلين تحقيق مصالحها.

 

تحولات سياسية

إلا أن التحول العسكري المتوقع لأوروبا، سيصحبه تحول أكبر على صعيد السياسة الخارجية، بحسب الباحث في جامعة فيينا، الذي أشار إلى حالة من التوافق لأول مرة داخل ألمانيا، على دعم طرف في نزاع بالسلاح على حساب آخر، وهي درجة من درجات التدخل العسكري، الذي رفضته برلين طوال عقود.

فبينما كانت ألمانيا تكتفي بعمليات حفظ السلام والتدريب وتقديم المشورة، أو المشاركة في طلعات استطلاعية فقط، في التحالف الدولي ضد «داعش»، محاولة إحداث تأثير عالمي بالاقتصاد القوي والنموذج التنموي الجذاب، إلا أن تلك النظرة تتغير، ما سيحدث تداعيات عدة على المديين القريب والبعيد، بحسب حسام حسن.

وأوضح أن عجز الغرب عن حماية أوكرانيا من التهديدات الروسية، وعدم فعالية ضغوطه الاقتصادية على موسكو، في وقف الحرب حتى الآن، سيعززان مخاوف الجناح الشرقي الملاصق لروسيا، متوقعًا تفاقم الانقسام بين الغرب والشرق في التكتل الأوروبي وحلف الناتو.

 

تداعيات خطرة

وأشار إلى أن الحرب في أوكرانيا، ستعزز شعور فقدان الأمن في الدول القريبة من روسيا، خاصة إذا نجحت الأخيرة في السيطرة على البلد الأوراسي، مؤكدًا أن تداعيات الغزو الروسي ستكون أقوى وأخطر على أوروبا، وستثير ذعرًا في دول مثل بولندا والتشيك وغيرها، وستفرز شعورًا بعدم الثقة بحلف الناتو، وقدرته على حمايتها من أي غزو روسي يبدو محتملًا.

وحذر الباحث في جامعة فيينا، من أن خروج الرئيس الروسي بوتين منتصرًا من الحرب الأوكرانية، سيجعل روسيا أقوى بكثير من أي وقت مضى، ويمكن أن يدفع دول المركز في أوروبا -مثل فرنسا وألمانيا- للدخول في سباق سياسي واقتصادي وعسكري مع موسكو بعيدًا عن التكتل الأوروبي، الذي سيخرج ضعيفًا من الأزمة.

 

تخبط وارتباك

رؤية حسن للوضع في أوروبا حاليًا ومستقبلًا، وافقه فيها الكاتب والمحلل السياسي ثائر نوفل أبو عطيوي، الذي أكد -في تصريحات لـ«السياق»- أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرب الموازين التقليدية، التي كان الغرب والدول الأوربية تتعامل بها، وأسهم في «حالة الارتباك والتخبط» التي تعيشها أوروبا، على حد قوله.

وعن مستقبل حلف الناتو أوروبيًا، قال المحلل السياسي، إن الدول الأوروبية وتحديدًا الشرقية، لم تشعر بقوته أمام روسيا؛ فهو لم يتخذ أي إجراءات من شأنها ردع التحركات العسكرية لموسكو أو التأثير فيها خلال مجريات المعركة.

وأشار إلى أن روسيا، كانت لديها تقديرات مستقبلية، استطاعت من خلالها قراءة القرارات الغربية المتوقعة، حال شن الحرب على أوكرانيا؛ فنجحت في تكوين صندوق مالي تتراوح قيمته بين 643 مليارًا وتريليون دولار، فضلًا عن تأسيس علاقات استراتيجية اقتصادية وعسكرية روسية صينية.

وتوقع المحلل السياسي أن تقتصر مساعدة الدول الأوروبية لأوكرانيا على المال والسلاح، مشبهًا الحالة الأوكرانية بالمشهد السوري، مشيرًا إلى أن الجيش الروسي لن يتقدم أكثر في أوكرانيا.