كلاب الحرب الحقيقية في العراق

تكشف الوثائق نقل شحنات وقود غير قانونية لحساب الشركة، من خلال معبر الحاج عمران الحدودي، الخاضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الخاضع بدوره لسيطرة آل بارزاني.

كلاب الحرب الحقيقية في العراق

ترجمات - السياق

زاك كوبلين - أميريكان بروسبكت

في أول يوم عمل، بصفتي مقاولاً دفاعيًا لدى "دي جي سي إنترناشيونال" للخدمات اللوجستية، يواجه البعض مهمة غير تقليدية، ذلك أنه داخل مكتب الشركة  في مكلين بفيرجينيا، طلب المسؤولون من بعض المعينين الجدد مشاهدة فيلم "كلاب الحرب" (وور دوجز) الذي صدر بدور العرض عام 2016، وحقّق نجاحًا كبيرًا حينها.

ويقوم الفيلم على قصة حقيقية، لصبيين يُلقى القبض عليهما، بعد خداعهما البنتاغون. ومن وِجهة نظر أغلبية المشاهدين، كان الفيلم قصة تحمل عبرة، لكن يبدو أن المسؤولين التنفيذيين لدى "دي جي سي إنترناشيونال" اعتبروا الفيلم مرشداً لكيفية التعامل مع المنتفعين من الحرب. ومثلما جاء على لسان أحد أبطال الفيلم، فإن "الحرب عبارة عن اقتصاد".

كانت الولايات المتحدة قد غزت العراق، باسم محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية، لكن المقاولين المتعاونين مع البنتاغون، استمروا في تقويض هذين المبررين.

وكشفت العقود، التي فازت بها اثنتان من الشركات الكبرى، التي كانت تتنافس لتوفير الوقود للقواعد الأمريكية بالعراق، عن حجم النفاق الذي تنطوي عليه المهمة العسكرية الأمريكية هناك.

وفي الوقت الذي وفَّرت فيه هذه العناصر احتياجات الجيش الأمريكي بأسعار مرتفعة، فإنها مكّنت العناصر الفاعِلة الشريرة، التي تتعارض مصالحها مع السياسة الأمريكية. ونجحت هذه الترتيبات في إثراء مسؤولين أكراد، ارتكبوا فظائع وأعمالاً وحشية.

كما أن المنافس الرئيس لـ"دي جي سي إنترناشيونال"، شركة مقاولات جمال العالم، التي تتخذ من بغداد مقرًا لها، تواجه مزاعم بخرق العقوبات الأمريكية، بإمدادها قواعد أمريكية في العراق بوقود اشترته من إيران، وكان أول إصدار أشار إلى هذا الأمر "إنتليجنس أونلاين".

من ناحية أخرى، لم يكن باستطاعة القوات الأمريكية، تنفيذ عمليات في العراق وسوريا المجاورة، من دون الوقود الذي وفّرته "دي جي سي إنترناشيونال" وجمال العالم. وجنت الشركتان، خصوصًا الأولى، أرباحًا هائلة من هذه العقود.

وعلى سبيل المثال، تراوحت أسعار الغازولين بين 3.50 وأكثر من 4 دولارات للغالون، ما يشكّل زيادة كبيرة على سعر السوق، الذي كان في نطاق دولارين للغالون. وفي نقطة ما مطلع عام 2020، تجاوزت معدلات أسعار "دي جي سي إنترناشيونال" 10 دولارات للغالون لعمليات التسليم قصيرة الأجل.

وأسهمت هذه الأسعار هائلة الارتفاع، في جعل "دي جي سي إنترناشيونال" في المرتبة الـ11 بين أسرع الشركات نموًا داخل الولايات المتحدة.

جدير بالذكر أن ثمة منافسة محتدمة اشتعلت على مثل هذه التعاقدات من شركات محلية ودولية، وكثيرًا ما خرق المقاولون القانون، في محاولة لكسب ميزة تنافسية في مواجهة الآخرين. ومع ذلك، فإنه مع استمر تدفق الوقود على القواعد الأمريكية في العراق، تغافل البنتاغون عن الأمر برمته.

وفازت شركة "دي جي سي إنترناشيونال" بعقودها الكردية، من خلال شراكة سِرية مع شركات يملكها منصور بارزاني، شقيق رئيس الوزراء الكردستاني، عضو النخبة الحاكمة في كردستان.

وسعيًا لحماية التدفقات المالية القذرة من التعاقدات الفاسدة، مثل التعاقد المبرم مع "دي جي سي إنترناشيونال"، أقدمت قوات الأمن في كردستان على قتل متظاهرين مناهضين للفساد، وإلقاء القبض على صحفيين واتهمتهم بالتجسس.

وفي برقية سرَّبها موقع ويكيليكس، كتب دبلوماسي أمريكي في برقية عام 2006 أن "لب الفساد يكمن في أولئك الذين يسيطرون على قوات الأمن في إقليم كردستان العراق. إنهم يبقون على اللعبة مستمرة، لأن سيطرتهم على الأسلحة، تعني قدرتهم على فرض تعاقداتهم غير القانونية".

وبفضل هؤلاء الجنود والثروة القادمة من عقود قذرة، نجحت أسرة بارزاني في تعزيز سيطرتها على كردستان العراق، وسحق أي انشقاق.

والآن، تجري وزارة العدل الأمريكية تحقيقًا في اتهام "دي جي سي إنترناشيونال" بالفساد، في ما يخص صفقاتها في إقليم كردستان العراق. والصيف الماضي، توجَّه عملاء من مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى منازل موظفين بالشركة، طبقًا لما كشفته رسائل مسرَّبة من قيادة الشركة.

ويبدو أن هذا التحقيق والأسعار المرتفعة على نحو خيالي، قد جعلا لمنافسي شركة مقاولات "دي جي سي إنترناشيونال" التي يوجد مقرها في فيرجينيا، اليد العليا.

وفي أبريل 2020، قرَّر البنتاغون عدم تجديد عقود بـ 200 مليون دولار لتوفير الوقود، كانت من نصيب "دي جي سي إنترناشيونال". وتضمنت العقود التي خسرتها الشركة، بعض أكثر العقود إدرارًا للربح، مثل عقد لتوفير الإمدادات لقاعدة تتبع البنتاغون في مطار أربيل، عاصمة كردستان العراق.

ومع ذلك، فازت "دي جي سي إنترناشيونال" بتجديد عقود أخرى مهمة لها مع البنتاغون، تتجاوز قيمتها 250 مليون دولار، رغم التحقيقات الجارية من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي عن الشركة.

من ناحية أخرى، من الواضح أن أنشطة المنافس الرئيس لـ"دي جي سي إنترناشيونال"، شركة جمال العالم، تحمل القدر ذاته تقريبًا من الفضائح. وتبعًا لقواعد بيانات الحكومة الأمريكية، أمدت الشركة العراقية الغامضة، القوات الأمريكية بقرابة 10 ملايين غالون من الوقود، العام الماضي. وتكشف وثائق أن شركة جمال العالم، تستورد وقودًا على نحو غير قانوني، تتولّى إيران تكريره.

وتبعًا لوثائق نقل شاحنات، جرى تسريبها وتصويرها من حارس على الحدود الإيرانية - العراقية، واطلعت عليها "أميريكان بروسبكت"، فإن شركة جمال العالم، كانت تشتري وقودًا من معمل تكرير أراك الإيراني.

وتكشف الوثائق نقل شحنات وقود غير قانونية لحساب الشركة، من خلال معبر الحاج عمران الحدودي، الخاضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الخاضع بدوره لسيطرة آل بارزاني.

وكشف تحليل أجراه مركز دراسات الدفاع المتقدِّمة، وهو مؤسسة غير ربحية، عن أسماء الشركات الواردة في وثائق الشحن، شبكة شركات واسعة شاركت في هذه الترتيبات، منها كيانات على صِلة بمؤسسات إيرانية تخضع للعقوبات.