لماذا لا يدعم القادة الأفارقة موقف الغرب في أوكرانيا؟
الالتزام بعدم الانحياز ، والخوف من غضب الصين، والاعتماد على روسيا في التسلح والأمن، أسباب دفعت القادة الأفارقة إلى تجاهل مطالب واشنطن بدعم موقفها في أوكرانيا

ترجمات - السياق
"الالتزام بعدم الانحياز ، والخوف من غضب الصين، والاعتماد على روسيا في التسلح والأمن"، أسباب دفعت القادة الأفارقة إلى تجاهل مطالب واشنطن بدعم موقفها في أوكرانيا، بحسب مجلة فورين بوليسي.
وذكرت المجلة، في تقرير، أنه عندما صوتت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، امتنعت الدول الأفريقية إلى حد كبير عن التصويت، مشيرة إلى أن واشنطن حاولت ممارسة ضغوط دبلوماسية على الحكومات الأفريقية، لدعم العقوبات ضد التدخل الروسي في أوكرانيا، إلا أنه جرى تجاهل هذه الضغوط بشكل كبير من قادة القارة السمراء.
ورفضت أيضًا بيلاروسيا وبوليفيا وبوروندي وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو وكوبا وكوريا الشمالية، وكذلك لم توافق على القرار إرتيريا وإثيوبيا والغابون وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان ولاوس ومالي ونيكاراغوا وفيتنام وزيمبابوي.
أما قائمة الدول الممتنعة، فضمت 12 دولة عربية: (السودان ومصر والأردن وقطر والبحرين والكويت والعراق وتونس واليمن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان)، إضافة إلى جنوب إفريقيا والسنغال.
جنوب إفريقيا
كانت جنوب إفريقيا ضمن 58 دولة امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عقابًا لها على عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وهذه هي المرة الثالثة التي تمتنع فيها جنوب إفريقيا عن التصويت على قرارات متعلقة بهذا النزاع.
ونقلت "فورين بوليسي" عن محللين تفسيرهم لموقف جنوب إفريقيا، بالقول: إنها محاولة لمغازلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرين إلى أنه رغم تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن -خلال مكالمة مع رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا- أهمية الحاجة إلى رد دولي واضح وموحد على العدوان الروسي في أوكرانيا، ورغم إدانة الاتحاد الأفريقي بوضوح للعدوان الروسي، فإن عدم وجود إجماع من القادة الأفارقة، أعاق الخطط الدبلوماسية لواشنطن ضد موسكو.
أما في ما يخص السنغال، فأوضحت المجلة الأمريكية، أن دكار حليف قوي للغرب، ولا يمكن أن يُعزى رفضها إلى النفوذ الروسي، إلا أنه بدلاً من دعم الموقف الأمريكي في أوكرانيا، أكد الرئيس السنغالي ماكي سال، خلال مكالمة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، "الحاجة إلى تفضيل الحوار للتوصل إلى نتيجة تفاوضية للصراع".
وأرجعت المجلة، موقف سال إلى ما سمته (اتباع مبدأ عدم الانحياز داخل القارة)، الذي يعود تاريخه إلى ستينيات القرن العشرين، عندما سعت الدول الإفريقية المستقلة حديثًا إلى رفض الهيمنة الغربية.
ونقلت المجلة الأمريكية عن صامويل راماني، -وهو كاتب مساهم في فورين بوليسي- قوله: حرب روسيا مع أوكرانيا ستقتل عددًا أكبر من الأفارقة بسبب المجاعة، أكثر من الأوكرانيين في ساحات القتال، وعلى إفريقيا أن تبتعد عن السياج وتدين العدوان الروسي".
نقطة تحول
وحسب محللين تحدثوا لـ "فورين بوليس"، فإن رد الفعل ونبرة النقاش نقطة تحول في كيفية استمرار الدبلوماسيين ومراقبي السياسة الخارجية في النظر إلى إفريقيا على أنها متجانسة، وأنها تفتقر إلى الفروق الدقيقة في 54 دولة ذات سيادة، تعمل كل منها على أساس المصالح الدبلوماسية والاقتصادية المعقدة.
ونقلت المجلة عن خلود خير -محللة سياسية سودانية وشريكة إدارية في شركة "إنسايت ستراتيجي بارتنرز"- قولها: "لقد أصبح القادة الأفارقة أكثر حساسية تجاه هذه النبرة، وهو أمر اكتشفته الصين، ويبدو أن الرسائل القادمة من الصين تكتسب المزيد من الزخم"، مشيرة إلى أن بكين أكثر جاذبية للبلدان الإفريقية، التي تحاول تأكيد قوتها السياسية.
وبينت المجلة أن موقف الصين من روسيا، أثر بشكل كبير في مواقف تلك الدول الإفريقية التي تعد بكين أكبر وأقرب شريك تجاري لها، موضحة أنه بالنسبة لبعض البلدان، قد لا يُترجم الامتناع عن التصويت -بالضرورة- على أنه موقف مؤيد لروسيا، لكن على أنه متحالف مع الصين.
معايير مزدوجة
وحسب "فورين بوليسي" فإن عددًا من المراقبين الأفارقة الذين يدافعون عن الامتناع عن التصويت، أرجعوا ذلك إلى الاهتمام الإعلامي غير المتكافئ بأوكرانيا، مقارنةً بالصراعات الأخرى والمعايير المزدوجة للغزو الغربي لليبيا والعراق، ووجود ما سموه "النفاق" في فرض العقوبات التي تؤثر في الدول الإفريقية، بينما أنفقت أوروبا 35 مليار يورو (38 مليار دولار) على شراء الطاقة الروسية منذ بدء الحرب.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن بعض القادة الأفارقة يحاولون التوازن بين ضعف بلدانهم أمام الأسواق الاقتصادية المتقلبة، وتزايد عدد الشباب المحبطين، ومواجهة تحدياتهم الأمنية الخاصة التي تتطلب مجموعة من الحلفاء، مبينة أنهم خلصوا –ببساطة- إلى أن حكوماتهم لا تستطيع أن تنحاز إلى أي طرف.
ورأت أن الخروج المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان، والمشاهد المروعة المتمثلة في تشبث الناس بالطائرات، جعلت بعض صانعي السياسة الأفارقة ينظرون إلى واشنطن على أنها شريك غير موثوق به، يضع حاجاته الأمنية في المقام الأول.
واستشهدت المجلة ببعض التصرفات الأمريكية التي تعد سببًا آخر في تغير مواقف الدول الإفريقية، مشيرة إلى أنه عام 2021، عندما أوقفت الولايات المتحدة صفقة أسلحة مع نيجيريا، بسبب مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، لجأت أبوغا إلى روسيا، أكبر مصدر للأسلحة إلى إفريقيا، لتجديد ترسانتها للقتال ضد حركة "بوكو حرام".
وبينت المجلة، أنه غالبًا ما عززت روسيا علاقاتها مع الحكومات الأفريقية أثناء التوترات مع الغرب.
ونقلت عن ساندون موناسينغ -من معهد توني بلير للتغيير العالمي- قوله: "إفريقيا كانت في مرحلة ثانية من مواجهة بوتين مع الغرب".
أيضًا -حسب المجلة الأمريكية- صوتت مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ضد العقوبات الروسية، مشيرة إلى أن العداء بشأن قتل المدنيين، خلال عملية برخان الفرنسية، ورفض باريس الاعتراف بالمسؤولية، أرسيا الأساس لتوسع روسي في مالي، بينما في المقابل منعت موسكو مؤخرًا طلبًا قدمته فرنسا لإجراء تحقيق للأمم المتحدة في مزاعم مرتزقة فاغنر بارتكاب مذبحة مدنية في مالي.
وفي ما يخص جمهورية إفريقيا الوسطى، أوضحت المجلة الأمريكية، أن جماعات فاغنر شبه العسكرية تؤمن حكومة الدولة ضد المتمردين المسلحين، لكن الحكومة اتهمت مرتزقة روسًا بارتكاب 103 حوادث منفصلة لانتهاكات حقوق الإنسان.
أسباب أخرى
من الأسباب التي ذكرتها "فورين بوليسي" أيضًا لتراجع الدعم الإفريقي للغرب، خصوصًا في القضية الأوكرانية، أن معاملة الطلاب الأفارقة -الفارين من الحرب في أوكرانيا- أدت إلى تعقيد الآراء الإفريقية.
ونقلت عن افتتاحية صحيفة غارديان نيجيريا قولها: "على غرار الحكومات الإفريقية، يسعد العالم أن يتسامح مع تجريد الأفارقة المحاصَرين في الحرب في أوكرانيا من إنسانيتهم".
وأشارت المجلة إلى أن هناك آخرين يلاحظون التحرك العالمي السريع ضد روسيا، بينما يجرى تجاهل الدعوات لإزالة منتهكي حقوق الإنسان الأفارقة من مجلس حقوق الإنسان.
وبينت أنه كثيرًا ما خاض الكاميرونيون حملة لفرض عقوبات على إدارة رئيسهم بول بيا، بسبب الفظائع التي ارتكبها الجنود الكاميرونيون (بدعم من الولايات المتحدة) في القتال ضد "بوكو حرام" والانفصاليين الناطقين بالإنجليزية.
وأوضحت أنه بدلًا من ذلك، أعيد انتخاب الكاميرون العام الماضي عضوًا في مجلس حقوق الإنسان، الذي دخل حيز التنفيذ في يناير، ونقلت المجلة الأمريكية عن السياسي الكاميروني كاه والا قوله: "إذا كنا سنتخذ إجراءات لمعاقبة الطغاة، فلنفعل ذلك، لكن دعونا نفعل ذلك للجميع".
ووفقًا لـ "فورين بوليسي" فإنه نظرًا لأن القادة الأفارقة يجدون أنفسهم على خلاف مع الدول الغربية، وتهدد الحرب بتحويل الدعم الأمريكي وتهديد الالتزامات تجاه السلام والأمن والانتعاش الاقتصادي التي أعلِن عنها مؤخرًا في قمة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، فإن هناك رغبة محدودة في القارة السمراء للتنقل بين خلافات خصوم الحرب.