أمريكا تسجل أعلى تضخم منذ 40 عامًا... هل يطيح بايدن؟

عادة ما تكون نسبة البطالة في أدنى مستوياتها التاريخية، أمرًا يحلم به الرؤساء الأميركيون، غير أن جو بايدن يواجه -في المقابل- معدل تضخم مقلقًا قد يكلفه وحزبه الديمقراطي ثمنًا باهظًا.

أمريكا تسجل أعلى تضخم منذ 40 عامًا... هل يطيح بايدن؟
جو بايدن

السياق

في أسرع وتيرة تضخم منذ 40 عامًا، قفزت الأسعار في الولايات المتحدة بأعلى معدلاتها منذ عام 1981، بعد أن أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع تكاليف الطاقة للأمريكيين.

عادة ما تكون نسبة البطالة في أدنى مستوياتها التاريخية، أمرًا يحلم به الرؤساء الأميركيون، غير أن جو بايدن يواجه -في المقابل- معدل تضخم مقلقًا قد يكلف حزبه الديمقراطي ثمنًا باهظًا.

وتراجعت شعبية بايدن في الأشهر الأخيرة بسبب التضخم، مع أن نسبة البطالة استمرت في التراجع.

 

تراجع شعبية بايدن

قال تشارلي كوك، مؤسس النشرة السياسية التي تلقى متابعة واسعة "كوك بوليتيكال ريبورت": "على الصعيد السياسي، لا شيء يهم سوى ارتفاع الأسعار".

وبلغ التضخم أعلى مستوياته منذ أربعين عامًا، إذ وصل إلى 8.5% في مارس بمعدل سنوي، مقابل 7.9% في فبراير، بحسب مؤشر أسعار المستهلك الصادر الثلاثاء.

وتراجعت نسبة التأييد لجو بايدن إلى 42.2%، بحسب موقع "فايف ثيرتي إيت" الذي يجمع استطلاعات الرأي. ومع اقتراب انتخابات منتصف الولاية الرئاسية بعد سبعة أشهر، قد يخسر الديمقراطيون أغلبيتهم الضئيلة في أحد مجلسي الكونغرس أو حتى في مجلسيه.

وقال ويل مارشال، رئيس معهد السياسة التقدمية المصنف من يسار الوسط: "الأسعار المرتفعة تمنع الأميركيين من لمس الازدهار في عهد بايدن".

وتولى بايدن مهامه، في وقت كانت البطالة في تراجع، بعدما بلغت 14.7% في ذروة الأزمة الصحية، وبعدما سرحت الشركات أعدادًا كبيرة من الموظفين، عند بدء تفشي كورونا.

وتراجعت نسبة العاطلين عن العمل في عهد بايدن باستمرار على مدى عام 2021 لتصل إلى 3.6% الشهر الماضي، ملامسة مستواها ما قبل الوباء.

لكن مع ارتفاع أسعار المستهلك بوتيرة هي الأعلى منذ نهاية 1981، تجد الإدارة الأميركية صعوبة في تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزته سوق العمل.

 

أخطاء

وتظهر استطلاعات الرأي أن الأميركيين يحمّلون الرئيس مسؤولية التضخم. وكشف تحقيق أجرته وكالة أسوشييتد برس ومركز أبحاث الشؤون العامة، نُشرت نتائجه نهاية الشهر الماضي، أن نحو ثلثي الأميركيين غير موافقين على إدارة بايدن للاقتصاد.

كما أشار معهد نافيغيتور التقدمي لاستطلاعات الرأي، إلى أن العدد الأكبر من الأميركيين يعتقد أن الاقتصاد يخسر وظائف بدلًا من كسبها.

ونسبة التضخم المرتفعة ناجمة عن أزمة المكونات العالمية وسياسة الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الذي اعتمد معدل فائدة متدنيًا فترة طويلة، وخطط المساعدات المالية التي أسهمت في زيادة طلب المستهلكين الأميركيين.

لكن ويل مارشال يشير إلى أن إدارة بايدن ارتكبت أخطاء، في تحديد أولوياتها مع الكونغرس.

وإن كان الرئيس حصل على دعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لخطة ترميم البنى التحتية، فقد فشل – في المقابل- بحمل الكونغرس على إقرار خطته الواسعة النطاق، لإعادة بناء الخدمات الاجتماعية المعروفة بـ "بيلد باك بيتر" أو إعادة البناء بصورة أفضل.

وقال الخبير: "مع مرور الوقت يفترض أن تكون سوق العمل النشطة مكسبًا يصب في مصلحة الرئيس، لكن في الوقت الحاضر، لا يرى الناس هذا الرابط، والتضخم جزء من المشكلة".

وسعيًا لضبط ارتفاع الأسعار يعمل الاحتياطي الفدرالي على زيادة معدلات الفائدة، ويعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أن التضخم سينحسر خلال العام.

لكن من غير المؤكد أن يحصل ذلك في الوقت المناسب لجو بايدن.

وخسر الرئيسان السابقان السيطرة على مجلس النواب في انتخابات منتصف ولايتيهما، ويتوقع كوك أن يشهد بايدن المصير ذاته.

وحذر: "هل نرى انخفاضًا كبيرًا في التضخم بحلول موعد بدء التصويت بين نهاية سبتمبر وأكتوبر؟ لا أعتقد أن ذلك واقعي".

 

ارتفاع الأسعار

وأعلنت وزارة العمل الأمريكية –الثلاثاء- أن الأسعار في الولايات المتحدة ارتفعت 8.5% خلال العام حتى نهاية مارس الماضي، متأثرة بالأزمة الأوكرانية التي دخلت أسبوعها السابع.

ووفقًا لوزارة العمل الأمريكية، فإن أسعار الطاقة في الولايات المتحدة قفزت 32% العام المنتهي في مارس، مشيرة إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال الفترة نفسها 8.8%.

وبحسب صحيفة الغارديان، فإن ارتفاع أسعار الغاز كان المحرك الرئيس للارتفاع، فقفز مؤشر البنزين 18.3% في مارس، وشكل أكثر من نصف الزيادة الشهرية لجميع البنود.

وارتفع مؤشر الغذاء 1% في مارس مقارنة بفبراير، وبزيادة 8.8% مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، كما ارتفعت أسعار الفاكهة والخضراوات المعلبة 3.8% من فبراير إلى مارس، وارتفعت أسعار الأرز 3.2%، والبطاطس 3.2%، واللحم المفروم 2.1%.

يأتي أحدث مؤشر لأسعار المستهلك (CPI) - الذي يقيس أسعار سلة من السلع والخدمات - بعد ارتفاع المؤشر 7.9% في العام حتى فبراير الماضي، وهي أسرع وتيرة تضخم سنوي منذ 40 عامًا.

 

مستويات قياسية

ووصل التضخم إلى مستويات لم تشهدها الولايات المتحدة، منذ أن تولى رونالد ريغان رئاسة البيت الأبيض من جيمي كارتر، مدفوعًا بمشكلات سلسلة التوريد المستمرة، وزيادة الطلب وارتفاع أسعار الطاقة.

وتعد الزيادات في الأسعار واسعة النطاق، بحسب صحيفة الغادريان، التي قالت إن تكلفة الإيجار والغاز والطعام، تسببت في معاناة خاصة للأمريكيين ذوي الدخل المنخفض، وتمثل ضربة كبيرة لإدارة الرئيس جو بايدن، التي تواجه احتمالات صعبة للاحتفاظ بالسيطرة على الكونجرس، في انتخابات التجديد النصفي لنوفمبر.

وقال أندرو هنتر، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في كابيتال إيكونوميكس، إن أسعار الطاقة ستنخفض في الأشهر المقبلة، مشيرًا إلى أن هناك إشارات إلى أن ضغوط الأسعار تبدو معتدلة.

 

الاحتياطي الفيدرالي

لكنه أضاف أن الأرقام من المرجح أن تعزز خطة الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة، في الوقت الذي يكافح فيه لخفض التضخم.

ومع ظهور مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أكثر تشددًا يومًا بعد الآخر، لن تغير بيانات مارس خططهم لزيادة وتيرة رفع أسعار الفائدة إلى 50 نقطة أساس لكل اجتماع، بدءًا من الشهر المقبل، بحسب هنتر.

وأضاف كبير الاقتصاديين في مذكرة للمستثمرين: «ومع ذلك، فإنه يدعم وجهة النظر القائلة إنه، بعد أن تباطأ إدراكنا أن الارتفاع الأولي لم يكن مؤقتًا (..) الآن أصبح مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي متشائمين بعض الشيء، بشأن السرعة التي سينخفض ​​بها التضخم مرة أخرى».

وحذر البيت الأبيض -قبل صدور التقرير- من أنه يتوقع مجموعة سيئة من الأرقام، وهو ما أشار إليه السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جين بساكي، الذي قال –الاثنين- إن التقرير السابق لوزارة العمل لم يتضمن أغلبية الزيادة في تكاليف النفط والغاز الناجمة عن الحرب الأوكرانية.

وقال بساكي: «نتوقع أن يكون التضخم الرئيس لمؤشر أسعار المستهلكين لمارس مرتفعًا بشكل غير عادي بسبب ارتفاع أسعار بوتين».

 

نسختان لأسعار المستهلك

وبحسب «الغارديان»، فإن هناك نسختين من مؤشر أسعار المستهلك، إحداهما تشمل الأسعار التي يواجهها المستهلكون، والأخرى مؤشر أسعار المستهلك الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، التي تميل إلى أن تكون أكثر تقلبًا.

وارتفعت الأسعار الأساسية 6.5% في العام حتى مارس، مقابل 6.4% في العام حتى فبراير، بينما أشار المؤشر الأساسي إلى أن وتيرة التضخم كانت تتباطأ، لترتفع 0.3% عن فبراير مقارنة بـ 0.5% في الشهر السابق.

وقال بساكي إن الإدارة تتوقع تباينًا كبيرًا بين الإجراءين بسبب ارتفاع أسعار الغاز، مشيرًا إلى أنه على الصعيد الوطني، يبلغ متوسط ​​سعر جالون الغاز 4.11 دولار، مقارنة بـ 2.86 دولار قبل عام.

وتحدث جو بايدن عن أحدث أرقام التضخم، بخطاب في دي موين بولاية أيوا، معلنًا خططًا لاستخدام المزيد من الإيثانول في وقود الولايات المتحدة خلال الصيف، في محاولة لمعالجة ارتفاع أسعار الغاز.