من باكستان إلى بيرو.. ارتفاع أسعار الغذاء والوقود يدفع العالم إلى حافة الهاوية
الاضطرابات التي شهدتها سريلانكا وباكستان وبيرو -الأسبوع الماضي- تسلِّط الضوء على المخاطر التي قد نواجهها بسبب ارتفاع أسعار الغذاء

ترجمات - السياق
حذرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، من الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للغذاء والوقود، الذي قالت إنه يدفع العالم إلى حافة الهاوية.
وأشارت الشبكة -في تقرير بموقعها الإلكتروني- إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، إذ وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بعدما أدى وباء كورونا وسوء الأحوال الجوية وأزمة المناخ، إلى تعطيل الزراعة وتهديد الأمن الغذائي للملايين، ثم جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا، ما زاد الوضع سوءًا، وأدى إلى ارتفاع كبير في تكلفة الوقود.
حافة الهاوية
حذرت الشبكة من أن هذا المزيج، يمكن أن يولد موجة من عدم الاستقرار السياسي في العالم، حيث يدفع الأشخاص، الذين كانوا محبطين بالفعل، من قادة حكوماتهم، إلى حافة الهاوية بسبب ارتفاع التكاليف.
ونقلت الشبكة عن الزميل البارز في كلية كينيدي بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الإفريقي، رباح أرزقي، قوله: "إنه أمر مقلق للغاية".
ورصدت الشبكة الاضطرابات في بعض الدول، قائلة: "الاضطرابات التي شهدتها سريلانكا وباكستان وبيرو -الأسبوع الماضي- تسلِّط الضوء على المخاطر التي قد نواجهها بسبب ارتفاع أسعار الغذاء".
وتابعت: "في سريلانكا، اندلعت احتجاجات بسبب نقص الغاز والسلع الأساسية، كما أدى التضخم -المكون من رقمين في باكستان- إلى تراجع الدعم لرئيس الوزراء عمران خان، ما أجبره على التنحي عن منصبه، ولقي ستة أشخاص على الأقل مصرعهم، في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة في بيرو، التي أثارها ارتفاع أسعار الوقود، لكن الصراع السياسي لن يقتصر على هذه البلدان".
ويقول هاميش كينير، محلل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة "Verisk Maplecroft" الاستشارية العالمية للمخاطر: "لا أعتقد أن الناس شعروا بأثر ارتفاع الأسعار حتى الآن".
حرب أوكرانيا
وقالت الشبكة إن حرب أوكرانيا دفعت العالم إلى حافة أزمة غذاء، مشيرة إلى أنه رغم أن الظروف تختلف في كل دولة على حدة، فإن الصورة الأكبر كانت واضحة، إذ إن الارتفاع الشديد في أسعار القمح هو الجزء الرئيس من المشكلة.
وأضافت الشبكة أن الوضع الآن أسوأ مما كان عليه في الفترة السابقة، إذ وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى مستوى قياسي جديد، ووصل مؤشر الفاو لأسعار الغذاء في مارس الماضي إلى 159.3، بزيادة 13% تقريباً عن مؤشر فبراير.
ومن المتوقع أن تؤدي الحرب في أوكرانيا، المُصدِّر الرئيس للقمح والذرة والزيوت النباتية، والعقوبات القاسية على روسيا، المنتج الرئيس للقمح والأسمدة، إلى زيادة الأسعار مرة أخرى في الأشهر المقبلة.
ونقلت الشبكة عن جيلبرت هونجبو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية قوله:"40% من صادرات القمح والذرة من أوكرانيا، تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، التي تعاني بسبب الجوع، ولذا فإن نقص الغذاء أو زيادة الأسعار، قد يؤدي إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية هناك".
اقتصادات هشة
وذكرت "سي إن إن" أن ارتفاع أسعار الطاقة يزيد آلام العالم، إذ ارتفعت أسعار النفط العالمية 60% تقريباً عما كانت عليه قبل عام، كما ارتفعت تكلفة الفحم والغاز الطبيعي أيضاً.
وقالت: "صحيح أن العديد من الحكومات تكافح لحماية مواطنيها، لكن الاقتصادات الهشة التي اقترضت بكثافة لتجاوز الأزمة المالية عام 2008 ووباء كورونا، هي الأكثر عرضة للخطر، فمع تباطؤ النمو، وتضرر عملاتهم وزيادة صعوبة مواكبة مدفوعات الديون، سيكون الحفاظ على دعم الغذاء والوقود أمراً صعباً، خاصة إذا استمرت الأسعار في الارتفاع.
بدوره قال الزميل البارز في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، كبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الإفريقي، رباح أرزقي: "نحن الآن في وضع الدول فيه مثقلة بالديون، ونتيجة لذلك، ليس لديها أي بديل لمحاولة احتواء التوترات، التي ستنشأ عن ارتفاع الأسعار".
ووفقاً للبنك الدولي، فإن ما يقرب من 60% من أفقر البلدان كانت "في ضائقة ديون بالفعل أو معرضة لخطر كبير" عشية غزو أوكرانيا.
أين تشتد التوترات؟
في آسيا، بدأت أزمة اقتصادية وسياسية تتفاقم في سريلانكا، التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، حيث نزل المتظاهرون إلى الشوارع، في تحد لحظر التجول واستقالة وزراء الحكومة بشكل جماعي، وفي مواجهة مستويات الديون المرتفعة والاقتصاد الضعيف الذي يعتمد على السياحة، اضطرت سريلانكا إلى استنزاف احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، وهو ما منع الحكومة من سداد مدفوعات للواردات الرئيسة مثل الطاقة، ما تسبب في نقص مدمر وإجبار الناس على قضاء ساعات في طوابير طويلة للحصول على الوقود، حسب الشبكة.
وتابعت: "كما خفض قادتها قيمة عملتهم، الروبية السريلانكية، أثناء محاولتهم الحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، لكن ذلك جعل التضخم أسوأ في الداخل، إذ وصل في يناير الماضي إلى 14%، أي ما يقرب من ضعف معدل زيادات الأسعار في الولايات المتحدة".
وصوَّت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن خان، الأحد الماضي، ما أدى إلى إزاحته من السلطة وتغيير حكومته، ورغم أن مشكلاته السياسية تعود إلى سنوات، فإن مزاعم سوء الإدارة الاقتصادية، مع ارتفاع تكلفة الغذاء والوقود، واستنفاد احتياطي النقد الأجنبي، جعلت الوضع أسوأ، إذ يقول كينير من "Verisk Maplecroft": "لقد وحدت الفوضى الاقتصادية المعارضة ضد خان".
فقراء العالم
أما في الشرق الأوسط وإفريقيا، فيراقب الخبراء أيضاً علامات الضيق السياسي في المنطقة، التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية من منطقة البحر الأسود، وغالباً ما تقدِّم دعماً سخياً للسكان.
وفي لبنان، حيث كان ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان يعيشون في فقر العام الماضي، نتيجة الانهيار السياسي والاقتصادي، يأتي ما بين 70% و80% من القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، كما دُمِّرت صوامع الحبوب الرئيسة، خلال انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
ويواجه البرنامج الضخم لدعم الخبز في مصر -أكبر مشتر للقمح في العالم- ضغوطاً هائلة، إذ حددت البلاد مؤخراً سعراً ثابتاً للخبز غير المدعوم بعد ارتفاع الأسعار، كما تحاول تأمين واردات القمح من دول كالهند والأرجنتين.
ويحذر أرزقي من أنه مع وجود نحو 70% من فقراء العالم في إفريقيا، فإن القارة ستكون "معرضة بشدة" لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.
كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر -الأسبوع الماضي- أن موجات الجفاف والصراعات في دول مثل إثيوبيا والصومال وجنوب السودان وبوركينا فاسو، تسببت في أزمة أمن غذائي لأكثر من ربع سكان القارة، محذرة من أن الوضع قد يزداد سوءًا في الأشهر المقبلة.
وذكرت الشبكة أن عدم الاستقرار السياسي بدأ بالفعل، في أجزاء من القارة، إذ وقعت سلسلة من الانقلابات غربي ووسط إفريقيا منذ بداية عام 2021.
أوروبا تعاني
وقالت "سي إن إن": حتى أوروبا، التي تضم دولاً ذات اقتصادات أكثر تقدماً، التي لديها قدرة أفضل على حماية المواطنين من الزيادات المؤلمة في الأسعار، لن تمتلك الأدوات اللازمة لتخفيف الضربة.
ولفتت الشبكة إلى تجمع آلاف المحتجين في جميع أنحاء اليونان -الأسبوع الماضي- للمطالبة برفع الأجور لمواجهة التضخم، كما تشهد فرنسا انتخاباتها الرئاسية، التي ستتأثر نتيجتها بخطط المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان لخفض تكاليف المعيشة، بينما أعلنت حكومة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون -الشهر الماضي- أنها تدرس إصدار قسائم غذائية، حتى تتمكن الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض من تحمُّل نفقات الطعام.