بعد ثلاث سنوات من سقوط البشير... السودان يواجه الانهيار
شهر رمضان هذا العام، لن يكون مناسبة عائلية بهيجة معتادة للعديد من السودانيين، لأنه يأتي في وقت تعاني فيه البلاد مشكلات اقتصادية عدة وشحًا في القمح وارتفاعًا غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية.

ترجمات - السياق
توقعت مجلة إيكونوميست البريطانية، أن يشهد السودان، خلال شهر رمضان الجاري، تصاعد المواجهات بين الشعب -الذي وصفته بالمحبط بعد إفقاره- والسلطة الحاكمة، بعد نحو 3 سنوات من إسقاط حكم عمر البشير.
وقالت إن شهر رمضان هذا العام، لن يكون مناسبة عائلية بهيجة معتادة للعديد من السودانيين، لأنه يأتي في وقت تعاني فيه البلاد مشكلات اقتصادية عدة وشحًا في القمح وارتفاعًا غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية.
وأوضحت أنه مما فاقم أزمات السودانيين -الذين لم يشهدوا مثل هذه الظروف- التراجع المستمر في قيمة العملة، التي فقدت أكثر من ربع قيمتها منذ أكتوبر من العام الماضي، بينما وصل معدل التضخم -وفق الدوائر الرسمية- إلى 260%.
جوع حاد
وذكرت "إيكونوميست" أن نحو 9 ملايين شخص في السودان، يواجهون خطر مجاعة حادة، وقد يتضاعف هذا العدد بحلول سبتمبر المقبل، وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
وأشارت إلى أن العاصمة الخرطوم تشهد احتجاجات يومية مناهضة للنظام، تواجَه أحيانًا برد عنيف من قوات الأمن، ما أسفر عن قتل نحو 90 شخصًا خلال الأشهر الخمسة الماضية.
وعزت الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة، التي يعيشها السودان، إلى الإجراءات العسكرية، التي اتخذها قائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان في أكتوبر 2021، الذي أدى إلى تعطيل مسار التحول الديمقراطي.
وذكرت أن الشعب السوداني، الذي انتفض قبل 3 سنوات لإطاحة نظام عمر البشير، كان يأمل بناء دولة ديمقراطية مزدهرة، لكنه بدلاً من ذلك يرزح تحت أزمة سياسية واقتصاد منكمش وعنف متصاعد.
وأوضحت أنه بعد إطاحة نظام البشير، الذي وصفته بأنه (طاغية إسلامي حكم البلاد 30 عامًا)، في أبريل 2019، استولى الجيش على السلطة، على أمل إبقاء قبضته على السياسة والاقتصاد، إلا أن المظاهرات والضغوط الدولية، دفعت الجنرالات إلى اتفاق مع قادة الاحتجاجات، حيث وعدوا بتسليم السلطة للمدنيين عام 2021 قبل الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها هذا العام.
توقف المساعدات
ورأت "إيكونوميست" أنه بينما تعهد المانحون الغربيون والبنوك المتعددة الأطراف، بتقديم عشرات المليارات من الدولارات كمساعدات وتخفيف عبء الديون، لدعم التحول الديمقراطي في البلاد، إلا أن إجراءات قائد الجيش، تسببت في توقف معظم هذه المساعدات.
وأشارت إلى أن الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أوقفت تدفق ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار من المساعدات، بينما لجأ مجلس السيادة -الذي يقود البلاد ويسيطر عليه العسكريون- إلى رفع الدعم الذي كان يوفره لخفض أسعار القمح والوقود، ما أدى إلى ارتفاع أسعار القمح والمواد الأساسية بشكل غير مسبوق.
وأمام هذه التطورات، توقعت المجلة البريطانية، خروج المزيد من الاحتجاجات الفترة المقبلة، مشيرة إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا فاقمت المشكلات الاقتصادية في السودان، الذي يستورد أكثر من 80% من القمح من روسيا وأوكرانيا.
وبينّت أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى انقطاع تلك الواردات، ما تسبب في ارتفاع سعر القمح في الأسواق المحلية، ليصل إلى أكثر من 550 دولارًا للطن الواحد الشهر الماضي، بزيادة قدرها 180% عن العام الماضي.
ضرائب متزايدة
وأوضحت "إيكونوميست" أنه لاحتياجه الدائم إلى المال، يفرض النظام الحاكم المزيد من الضرائب على الشركات والمواطنين، ما يفاقم الأزمة ويزيد الهوة بينه وبين الشعب.
ونقلت المجلة عن خلود خير، المحللة الاقتصادية السودانية، قولها: "سد الثغرات في الميزانية، مجرد أمنيات، لأن قلة من الأعمال التجارية في السودان هي التي تدفع الضريبة".
التقارب من روسيا
وكشفت "إيكونوميست" أن النظام الحاكم في السودان، يحاول التقرب إلى روسيا، التي لديها طموحات قديمة لإقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، كما أنها من المشترين المهمين للذهب السوداني، مشيرة إلى أنه ربما كان الموضوعان على طاولة النقاش، عندما زار نائب محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي) موسكو عشية الغزو الروسي لأوكرانيا.
واستبعدت أن يكون توقيت زيارة حميدتي إلى موسكو صدفة، مشددة على أن روسيا بحاجة لمزيد من الذهب السوداني، كي تقوي اقتصادها ضد العقوبات الغربية.
وبينّت أن على الحكومة أن تقلق، ليس فقط من الاحتجاجات التي تشهدها الخرطوم، ولكن أيضًا من تصاعد العنف في المنطقة الغربية من دارفور.
وأشارت إلى أن أول زعيم للجنجويد ظهر هذا الأسبوع، أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ليواجه اتهامات بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي أول حالة متعلقة بالنزاع في دارفور، لافتة إلى قتل نحو 48 شخصًا في مواجهات بالمنطقة الشهر الماضي.
وذكرت "إيكونوميست" أنه عندما انتفض السودانيون قبل 3 أعوام ضد البشير أملوا في السلام والازدهار، لكنهم يواجهون أزمة سياسية وانكماشًا في الاقتصاد وزيادة في العنف.
ونقلت عن فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمم المتحدة في القرن الأفريقي، خلال جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي، قوله: تلك الأزمات "تهدد وجود السودان، وما لم يجرى تصحيح المسار، فإن البلاد تتجه نحو انهيار اقتصادي وأمني، ومعاناة إنسانية كبيرة".