ما جريمة الإبادة الجماعية وكيف يمكن إثباتها؟
منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، درجت واشنطن وكييف على اتهام روسيا بارتكاب إبادة جماعية في أوكرانيا، لكن جريمة الحرب لها تعريف قانوني صارم، ونادرًا ما يمكن إثباتها في المحكمة، منذ ترسيخها في القانون الإنساني بعد الهولوكوست.

ترجمات - السياق
"إبادة جماعية"... هكذا وصف الرئيس الأمريكي ممارسات روسيا في حربها ضد أوكرانيا، مشيرًا إلى أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين "يحاول محو أوكرانيا".
ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، درجت واشنطن وكييف على اتهام روسيا بارتكاب إبادة جماعية في أوكرانيا، لكن جريمة الحرب لها تعريف قانوني صارم، ونادرًا ما يمكن إثباتها في المحكمة، منذ ترسيخها في القانون الإنساني بعد الهولوكوست.
جاءت تصريحات المسؤولين الغربيين، بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لقتلى مدنيين في شوارع بلدة بوتشا، قرب العاصمة الأوكرانية كييف.
وأعلنت وزارة الداخلية الأوكرانية أن عدد القتلى في بلدة بوتشا والمناطق المجاورة لها ارتفع إلى 720، بينما اعتبر 200 في عداد المفقودين.
وذكر عمدة بوتشا أناتولي فيدوروك، أنه جرى العثور على 403 جثث جديدة في البلدة، مرجحًا ارتفاع الحصيلة بعد إزالة كاسحات الألغام هذه المتفجرات المزروعة في الأرض.
ما الإبادة الجماعية؟
تعرّف "جرائم الحرب" بأنها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، تُرتكب ضد مدنيين أو مقاتلين أثناء نزاع مسلح، وتؤدي إلى تحميل مرتكبيها مسؤولية جنائية فردية، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
هذه الجرائم تنطبق على الانتهاكات التي في اتفاقيات جنيف التي أقرت عام 1949 في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وهذا التعريف أدرج في المادة الثامنة من "نظام روما" المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية التي جرى اعتمادها في يونيو 1998.
وأشارت صحيفة جيروزاليم الإسرائيلية، إلى ثلاث قضايا فقط -وصلت حتى الآن- إلى المحاكم الدولية: (مذبحة الخمير الحُمر الكمبوديين بحق أقلية التشام المسلمة في سبعينيات القرن الماضي، التي راح ضحيتها نحو 1.7 مليون شخص بسبب الجوع والتعذيب والإعدام والسخرة، والقتل الجماعي للتوتسي في رواندا عام 1994 الذي خلف 800000 قتيل، ومذبحة سريبرينيتشا عام 1995 لنحو 8000 رجل وصبي مسلم في البوسنة).
كما تشمل الإبادة الجماعية أيضًا أعمال القتل، والإيذاء الجسدي أو الروحي، وإخضاع جماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرهم، وفرض تدابير تحول دون إنجاب أطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال عنوة إلى جماعة أخرى.
ماذا يجب أن يفعل المدعون؟
ذكرت "جيروزاليم بوست" أنه لإثبات الإبادة الجماعية، يجب على المدعين أولاً إثبات أن الضحايا كانوا جزءًا من مجموعة قومية أو إثنية أو عِرقية أو دينية، مشيرة إلى أن ذلك يستثني المجموعات المستهدفة بسبب المعتقدات السياسية.
وشددت الصحيفة، على أن تأكيد وقوع الإبادة الجماعية يُعد أصعب من تأكيد الانتهاكات الأخرى للقانون الإنساني الدولي، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لأنها تتطلب أدلة على نية محددة.
ونقلت عن ميلاني أوبراين، رئيسة الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، قولها: "الإبادة الجماعية جريمة يصعب إثباتها، ومن ثمّ يتعين على الأطراف عرض الكثير من التفاصيل المهمة على الطاولة لمناقشتها".
ولتأكيد وجهة نظرها في صعوبة إثبات الجريمة، أشارت أوبراين، إلى ضرورة تحقيق الشروط مجتمعة -من أجل إثبات وقوع الجريمة- بدءًا بالمطلب المشترك لإظهار النية، مرورًا باستهداف مجموعة محمية، وانتهاءً بإثبات جرائم مثل القتل أو الإبعاد القسري للأطفال.
أوكرانيا
وفي ما يخص الوضع في أوكرانيا، ذكرت "جيروزاليم بوست" أن المحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقًا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مزعومة في أوكرانيا في فبراير الماضي، مشيرة إلى أن المحكمة تملك سلطة نظر قضايا الإبادة الجماعية.
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية، أن ممثلي الادعاء الأوكرانيين -الذين يحققون في الجرائم الروسية المزعومة منذ ضم موسكو بشبه جزيرة القرم عام 2014- قالوا إنهم رصدوا الآلاف من جرائم الحرب المحتملة، ارتكبتها القوات الروسية منذ 24 فبراير، وأعدوا قائمة بأسماء مئات المشتبه بهم.
تدخل المحكمة جاء بعد اتهامات عدة أطلقها الرئيسان الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بأن الجنود الروس ارتكبوا إبادة جماعية في أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن الاتهامات تضمنت أدلة على ممارسة اغتصاب وتعذيب وقتل في مناطق حول كييف، استعادت القوات الأوكرانية السيطرة عليها هذا الشهر.
وقال بايدن: "نعم، وصفتها بأنها إبادة جماعية لأنه أصبح جليًا أن الرئيس الروسي يحاول محو فكرة أن يكون المرء أوكرانيًا"، بينما قال رئيس الوزراء البريطاني: "حجم الفظائع لا يبدو أقل من الإبادة الجماعية".
من جانبه، وجه زيلينسكي، الشكر لنظيره الأمريكي، لاستخدامه "إبادة جماعية" في وصف الغزو الروسي لكييف، وكتب على "تويتر": "كلمات حقيقية لقائد حقيقي"، مؤكدًا أن "تسمية الأشياء بمسمياتها ضرورية للوقوف في وجه الشر".
في المقابل، ترى موسكو أن الهجوم على جارتها مجرد "عملية خاصة" لوقف ما سمتها (الإبادة الجماعية ضد المتحدثين بالروسية في أوكرانيا)، مشيرة إلى أن الغرب يقدم أدلة مزورة لتشويه سمعة جيشها.
الحالات السابقة
وفي ما يخص الحالات السابقة التي عُرضت على المحكمة الجنائية الدولية بشأن الإبادة الجماعية، أشارت "جيروزاليم بوست" إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أدانت العشرات من كبار المسؤولين في رواندا، وجميعهم من الهوتو، بارتكاب إبادة جماعية ضد التوتسي.
وبينت أنه عندما أدين عمدة رواندا السابق جان بول أكايسو بارتكاب الجريمة عام 1998، أصبحت "الجنائية الدولية" أول محكمة دولية تفسر تعريف الإبادة الجماعية المنصوص عليه في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948.
وبالنسبة لكمبوديا، أوضحت الصحيفة الإسرائيلية، أنه عام 2018 ، وجدت محكمة مختلطة بين الأمم المتحدة وكمبوديا أن اثنين من زعماء الخمير الحمر مذنبان بارتكاب إبادة جماعية، بعد سنوات من الجدل بشأن ما إذا كانت "حقول القتل" تشكل إبادة جماعية أم لا، مشيرة إلى أن القضاة قرروا أن الخمير الحمر كانت لديهم سياسة محددة لاستهداف التشام والفيتناميين لتشكيل "مجتمع إلحادي ومتجانس".
وفي يوغوسلافيا -تضيف الصحيفة- أدانت المحكمة الجنائية الدولية، شخصيات رئيسة في جرائم الإبادة الجماعية، لدورها في عمليات القتل بسريبرينيتشا، خلال حروب البلقان في تسعينيات القرن الماضي.
وأوضحت أنه كان بين المدانين، القائد العسكري لصرب البوسنة في زمن الحرب راتكو ملاديتش، والزعيم السياسي لصرب البوسنة رادوفان كارادزيتش، مشيرة إلى أن الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش توفي في الحجز، قبل انتهاء محاكمته بشأن الإبادة الجماعية.