هل يمكن لفنلندا أن تميل كفة الميزان ضد بوتين؟
انضمام هلسنكي إلى الناتو أسوأ كابوس للرئيس الروسي بصرف النظر عن خسارة أوكرانيا

ترجمات-السياق
في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لبدء هجوم جديد في حربه المتجمدة في أوكرانيا، لا يزال من الممكن للأخيرة أن تصبح مثل فنلندا، أي أن تتبنى عدم الانحياز والخضوع لموسكو كحل تفاوضي محتمل.
وقالت مجلة فورين بوليسي، في تقرير: يبدو أن فنلندا نفسها قد تكون على وشك قلب التوازن بشكل كبير في الاتجاه الآخر، كما أنها ربما تدفع بوتين نحو أكبر هزيمة له على الإطلاق.
الحرب الباردة
نقلت المجلة، عن رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، قولها في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون، الأربعاء الماضي، إنه سيتخذ قرار التخلي عن السياسة التي تبنتها فنلندا، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، المتمثلة في عدم الانحياز، وكذلك قرار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في غضون "أسابيع وليس أشهرًا".
وفي مؤتمر صحفي، عُقد في هلسنكي، قال وزير الدفاع الفنلندي أنتي كاكونن إن بلاده لديها إمكانية التعاون البيني مع "الناتو"، وقد اتخذت السويد، هذا الأسبوع، بالتنسيق مع فنلندا، موقفاً أكثر جرأة بشكل ملحوظ، عندما أعلنت أنها بدأت نقاشاً نشطاً للانضمام إلى "الناتو" أيضاً.
وتابعت: "صحيح أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عام حتى تتمكن فنلندا والسويد من الانضمام بشكل رسمي إلى (الناتو)، لأن هذه الخطوة تتطلب الحصول على موافقة أعضاء الحلف الثلاثين، لكن قرار التقدم للحصول على العضوية من البلدين، اللذين يسعيان تقليدياً لتنسيق التحركات الدفاعية مع بعضهما، يمكن أن يغير الوضع الاستراتيجي العام في القارة بشكل مفاجئ".
استعراض عضلات
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه من المرجح أن يعمل تحالف الديمقراطيات الغربية، الذي حوَّله بوتين إلى عدو رسمي له، على توسيع أراضيه ونطاق استعراضه لعضلاته، وذلك مع دعم تركيا لجنوب حلف شمال الأطلسي ودول البلطيق في منتصف الخطوط الشرقية للحلف، ولذا فإن وجود فنلندا والسويد في شماله، يمثل التحالف الكبير الذي كان بوتين والقوميون الآخرون يخشونه.
ونقلت المجلة عن الباحث شون موناجان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قوله: "حصول فنلندا والسويد على عضوية (الناتو) سيغير المشهد الأمني لأوروبا الشمالية".
وأضافت: "بالنسبة لروسيا، التي ظلت تضغط على فنلندا خلال القرن الماضي لاتخاذ موقف لا يمثل تهديداً لها، فإن نتيجة انضمامها إلى (الناتو) ستكون الأكثر تدميراً، إذ تقع هلسنكي على بُعد أقل من 200 ميل من مدينة سانت بطرسبرج، مسقط رأس بوتين".
ونقلت المجلة عن المسؤول الأمريكي الكبير السابق والباحث بجامعة برينستون، آرون فريدبيرج، قوله: "انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو سيكون على الأقل بأهمية التحولات في موقف ألمانيا الدفاعي أو ربما أكثر من ذلك"، في إشارة إلى استعداد برلين الجديد لمعاقبة روسيا.
وأضاف: "لن تكون فنلندا والسويد مجرد عضوين مثل بقية الأعضاء، لكنهما ستضيفان الكثير إلى القوة القتالية لـ (الناتو)، إذ سيمثلان تغييراً دائماً، وهو التغيير الذي حاول الروس منعه على مدى سنوات".
قواعد "الناتو"
حذرت فورين "بوليسي" من هذه الخطوة قائلة إنها ستؤدي إلى مخاطر كبيرة، لأنه في حال سماح فنلندا بوجود قواعد "الناتو" وقواته وأسلحته داخل حدودها، فإن ذلك سيغذي البيئة المتحفزة الموجودة الآن بين الكرملين وواشنطن، وقد حذر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الأسبوع الماضي، من هذه التحركات من فنلندا والسويد، قائلاً إن "روسيا ستضطر إلى إعادة التوازن للوضع من خلال تعزيز أمنها على طول الحدود".
ونقلت المجلة عن السفيرة الأمريكية لدى "الناتو" جوليان سميث، قولها في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، إن واشنطن ستنضم على الأرجح إلى أعضاء "الناتو" الـ29 الآخرين في الترحيب بالبلدين، مضيفة: "باب (الناتو) سيظل مفتوحاً، وأعتقد أنه من وجهة نظر الولايات المتحدة فإننا سنرحب بهذين العضوين، لأننا نرى أنهما قيمة مضافة هائلة للحلف".
ووفقاً للمجلة، فإنه في حال انضمام فنلندا إلى "الناتو"، سيكون بإمكانها أن تختار السير على خُطى النرويج، التي سعت إلى تهدئة موسكو من خلال عدم السماح بوجود القواعد العسكرية الأجنبية والأسلحة النووية، كما وضعت قيودًا على تدريبات "الناتو" على أرضها، ورغم أنها عضو مؤسس في الحلف، فإنها بدأت المشاركة في إجراءاته الدفاعية بشكل أكبر بكثير في السنوات الأخيرة.
ولفتت المجلة إلى أن مسؤولًا فنلنديًا كبيرًا، لم تكشف هويته، أكد لها أن "نموذج النرويج قيد الدراسة بالفعل"، قائلاً إن القيمة المضافة الرئيسة، التي سيجلبها حصول بلاده على عضوية (الناتو) أنها ستوفر لها ضماناً للتمتع بالأمن الجماعي ضد موسكو بموجب المادة 5 من معاهدة الحلف، التي تلزم الأعضاء بأن أي هجوم على أي عضو هجوم على جميع الأعضاء، وهو ما يتطلب من كل الدول استخدام الإجراء الذي تراه ضرورياً، بما في ذلك القوة المسلحة، لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي، وهي المادة التي تستخدم مرة واحدة فقط في تاريخ "الناتو"، البالغ 73 عاماً، للدفاع عن الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
عدم الانحياز
من جهة أخرى، يبدو أن السويد تعيد النظر، بشكل مفاجئ، أيضاً في سياسة عدم الانحياز التي تبنتها، والتي كانت تستخدمها لطمأنة روسيا، إذ قالت أندرسون، التي عارض حزبها الحاكم حصول البلاد على عضوية الناتو: "هذه فترة مهمة من التاريخ".
ورأت المجلة أنه بالنسبة لفنلندا، فإن الانضمام إلى "الناتو" سيمثل ثورة في نهج هلسنكي الحذر الذي اتبعته تجاه روسيا، إذ عانت خلال الحرب الباردة الوضع المُذل الذي تمثل في الخضوع لموسكو، الذي تمكنت خلاله من تجنب الضغوط لدخول حلف وارسو السوفيتي من خلال الحفاظ على بُعدها عن الغرب وحلف شمال الأطلسي، لكن منذ نهاية الحرب الباردة، تخلت فنلندا عن حيادها القديم وتحالفت مع الغرب بشكل تدريجي، ثم انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وعمقت العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك شراء طائرات مقاتلة من طراز "إف-18"و"إف-35".
وتابعت: "حتى الوقت الذي بدأ فيه بوتين غزوه لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، ظلت أعداد كبيرة من الشعب الفنلندي معارضة لحضول البلاد على عضوية "الناتو"، إلا أن استطلاعًا حديثًا للرأي، أجري في مارس الماضي، وجد أن 60% من الذين شملهم الاستطلاع أيدوا الانضمام إلى الحلف، بزيادة قدرها 34 نقطة مئوية عن عام 2021، كما أفادت استطلاعات أخرى بنتائج مماثلة".
ورأت المجلة أنه بالنسبة إلى دولة خاضت حروباً مع موسكو مرتين خلال القرن الماضي، ورفضت عدوانها بداية الحرب العالمية الثانية بشجاعة، فإن انضمام فنلندا إلى حلف الناتو سيؤدي إلى تحول تاريخي في حياة بوتين.