أزمة جديدة في العراق عنوانها الصرخي... هل تعيد الاقتتال الطائفي؟

قال المحلل السياسي كتاب الميزان، في مقابلة مع السياق، إن دعوة الصرخي خطيرة تهدد السلم المجتمعي بالعراق، لكن رد الفعل على دعوته، ما كان من المفترض أن تكون بهذه الطريقة، التي كانت نتائجها هدم بيوت الله، لأن ردود الفعل هذه ستنتج تطرفًا شيعيًا على غرار التطرف الذي صار في المحافظات السُّنية.

أزمة جديدة في العراق عنوانها الصرخي... هل تعيد الاقتتال الطائفي؟
محمد محمود الصرخي

السياق

دعوة لهدم المراقد الدينية، من قبور ومقامات الأنبياء والأئمة ورجال الدين في العراق، تسببت في «صداع» كبير للحكومة العراقية، وأشعلت الغضب والمخاوف المشوبة بالحذر في الشارع العراقي، من عودة الاقتتال الطائفي.

تلك الدعوة أطلقها علي المسعودي، أحد الخطباء الصرخيين في بابل، يوم الجمعة الماضي، الذي اعتاد التغريد خارج سرب المراجع الشيعية في العراق وإيران، خلال السنوات الماضية.

ورغم أن مراقد الأنبياء والأئمة تحظى بمكانة خاصة في نفوس ملايين الشيعة في العراق وخارجه، عدَّ الخطيب المسعودي بناء القبور والمراقد «مخالفًا للدين والعقيدة، حتى لو كانت قبور أنبياء أو أئمة».

إلا أن خطبة المسعودي أثارت غضب الشارع الشيعي العراقي، بعد أن هاجم محتجون مقرات وحسينيات تابعة لجماعة الصرخي في مدن الجنوب، وأغلقوا عددًا منها، وأضرموا النيران في عدد آخر.

 

هدم أضرحة

وأظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، آلية تدفع منارة مسجد وتهدمها، بينما قال أحد المغردين إن المسجد الذي هُدم تابع للصرخيين في محافظة بابل.

وبحسب تقارير محلية، فإن أكثر من 40 حسينية تعرضت للحرق والدمار، بينما تجاوز عدد رجال الدين الصرخيين -الذين اعتقلتهم القوات الأمنية العراقية- 29 شخصًا.

وفي محاولة من جهاز الأمن الوطني العراقي، لاحتواء الموقف، أصدر مذكرات اعتقال لمن وصفهم بـ«الحركات المتطرفة».

وأشار جهاز الأمن الوطني، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إلى القبض على شخص تهجم على الرموز الدينية ومراقد آل البيت في بابل، مؤكدًا إحالة المتهم إلى الجهات القانونية المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه.

 

الأمن يتدخل

وفي بيان ثان، أعلن الجهاز اعتقال 29 من الحركات «المتطرفة» التي تحاول الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية وتهديد السلم المجتمعي، في محافظات (بغداد، ذي قار، بابل، القادسية، المثنى، البصرة، ميسان، واسط، النجف الأشرف).

وبينما أصدرت وزارة الداخلية العراقية قرارًا بإغلاق العديد من مقرات الصرخيين، التي وصفتهم بـ«الحركة الدينية المنحرفة»، أصدر مجلس القضاء العراقي مذكرة قبض بحق محمود الصرخي نفسه، بتهمة الاعتداء على معتقد لإحدى الطوائف الدينية والتحقير من شعائرها.

وفي بيان لاحق، أكد قائد عمليات سامراء، اللواء الركن علي مثجل المالكي، عدم وجود تهديدات إرهابية في الوقت الحاضر للمراقد المقدسة، مشيرًا إلى تنفيذ خطة توزيع وانتشار لمواجهة التحديات.

وأوضح المالكي في تصريحات لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن قيادة عمليات سامراء أعادت انفتاح القطاعات العسكرية عبر التوزيع والانتشار، خاصة في مناطق القادرية والسموم والأخرى المتاخمة لمدينة سامراء، إضافة إلى تأمين الوضع الدفاعي لمنع أية محاولات، لاستخدام مناطق نهر العظيم كطريق نحو العاصمة بغداد.

بدوره قال المحلل السياسي كتاب الميزان، إن الخلاف عقائدي أيديولوجي بين الصرخي تحديدًا والمرجعية المتمثلة في السيستاني، وأيضًا مرجعية مقتدى الصدر.

وأضاف، في مقابلة مع "السياق"، أن دعوة الصرخي خطيرة تهدد السلم المجتمعي بالعراق، لكن رد الفعل على هذه الدعوة، أنها ما كان من المفترض أن تكون بهذه الطريقة، التي كانت نتائجها هدم بيوت الله، لأن ردود الفعل هذه ستنتج تطرفًا شيعيًا على غرار التطرف الذي صار في المحافظات السُّنية، الذي صار داعش وغيره.

وتابع: "بينما كانت القوات الأمنية في فترة التحرير وغيرها، عندما كانت تحارب كما تحارب داعش، حاربوه عسكريًا ولم يحاربوه فكريًا، وهذا الذي جعل ذلك الفكر المتطرف ينمو بهذا التنظيم".

 

مواجهات وتحذيرات

إلى ذلك، قال المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، مهند الغزي، في تصريحات صحفية، إن الصرخيين يظهرون جانبًا من الإسلام الشيعي خاصًا بهم بشكل كبير، مشيرًا إلى أن الجماعة تستخدم طرحًا دينيًا وصورة إعلامية مختلفة عن الجماعات الشيعية التقليدية.

وبينما قال إن المواجهات السابقة كانت بين الحكومة والصرخيين، إلا أنه قال إن المواجهات الحالية مختلفة، لخصوصية المراقد لدى ملايين من الشيعة العراقيين.

وأضاف أن هذه قد تكون المرة الأولى التي يظهر فيها تيار شيعي يطالب بهدم القبور والمراقد الدينية، بحسب رجل الدين والباحث الإسلامي الشيعي الشيخ محمد الحميداوي.

وقال الحميداوي، في تصريحات صحفية، إن الشيعة واظبوا على زيارة وترميم تلك المراقد لقرون، مشيرًا إلى أن دعوات الصرخي وفهمه للأحاديث التي يستند إليها باطلة، كونها جاءت بصيغة واحدة.

 

فهم خاطئ

وبينما يزور ملايين الشيعة سنويًا، مراقد الأئمة في العراق وإيران، قال الحميداوي إن الأئمة كانوا يعترضون لو كان وجودها حرامًا، مستندًا في تصريحاته إلى أدلة دينية وعقائدية، قال إنها تثبت -بشكل قاطع- أن الصرخيين فهموا الحديث بشكل خاطئ.

وهو ما أشار إليه الناشط فراس فاضل، الذي أكد أن المجموعات المتطرفة كانت وما زالت تتعمد التهديد بتدمير المراقد ومهاجمتها، محذرًا من عودة الاقتتال الطائفي إلى العراق.

وأوضح الناشط العراقي، أن تفجير مرقد العسكريين في سامراء عام 2006 أطلق حربًا أهلية امتدت سنوات، مشيرًا إلى أن «المراقد» قضية حساسة للغاية لدى الملايين.

 

من هو الصرخي؟

ولد الصرخي في مدينة الكاظمية ببغداد عام 1964، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بغداد عام 1987، وواظب بعد انتهاء دراسته الجامعية، على حضور الحلقات الدينية في مدينة النجف، ليصبح أحد طلاب المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر، والد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

وأقام الصرخي بعد قتل الصدر ونجليه عام 1999، صلاة الجمعة التي منعتها السلطات. وانضم بعد إسقاط النظام العراقي السابق عام 2003، إلى جيش المهدي الذي أسسه مقتدى الصدر لمحاربة قوات التحالف، لكنه انفصل عنه.

وبينما كان تنظيم داعش يسيطر على محافظة نينوى شمالي العراق، عام 2014، برز رجل الدين محمود الصرخي، بشكل واضح على الساحة العراقية، وكسب أنصارًا بالآلاف في أغلبية محافظات الجنوب، وتمكن من إثبات وجوده عبر مئات الحسينيات، والمساجد، والأنصار والأتباع.

وكانت أكثر آرائه إثارة للجدل، دعوته للحوار والتفاوض مع تنظيم داعش، بعد سيطرته على محافظة نينوى ومساحات واسعة من الأراضي العراقية عام 2014، ومناهضته لفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها السيستاني.

وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن الخلاف بين الصرخي الذي يعد نفسه مرجعًا شيعيًا عربيًا، وعدد من المرجعيات الشيعية، يمثل استمرارًا للخلاف بين هذه المرجعيات والمرجع محمد محمد صادق الصدر.

فهذه الجهات، ومنها مرجعيات شيعية، تتهم الصرخي بعدم صحة اجتهاده وأعلميته، لعدم امتلاكه شهادة معترفًا بها من الحوزة، ما يعني أنه غير مؤهل لأن يكون مرجعًا.

إلا أن سببًا آخر للخلاف بين الصرخي وعدد من رجال الدين والتنظيمات السياسية، يتمثل في موقف الصرخي المناهض لإيران، ومهاجمة أتباعه عام 2006 مقر القنصلية الإيرانية في البصرة، ثم مناهضتهم للنفوذ الإيراني.