هربًا من العزلة أم طمعًا في غاز المتوسط؟.. لماذا يتملَّق أردوغان مصر؟

«أنقرة تأمل تعزيز تعاونها مع مصر ودول الخليج، إلى أقصى حد، على أساس نهج يحقِّق الفائدة للجميع»... بين سطور هذا التصريح، قد تظهر نوايا أردوغان، في أنه يعلم المكانة التي تتمتع بها مصر، ودول المنطقة العربية، سواء أكان اقتصاديًا أم سياسيًا.

هربًا من العزلة أم طمعًا في غاز المتوسط؟.. لماذا يتملَّق أردوغان مصر؟
نائب وزير الخارجية المصري حمدي سند لوزا يلتقي بنظيره التركي سادات أونال في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة المصرية القاهرة في 5 مايو 2021.

السياق

«مصر ليست دولة عادية بالنسبة لتركيا»... جملة دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على تكرارها أكثر من مرة، في مناسبات مختلفة، ما أثار التساؤل عن نوايا وجدوى مغزاها، خصوصًا أن الرئيس التركي، أول من فتح أبوابه للإخوان المسلمين، الهاربين من أحكام وتُهم بالإرهاب من مصر، فضلاً عن موقفه الشخصي، من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والهجوم عليه في أكثر من موقف، خصوصًا خلال كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل سنوات، فما الذي دفع حاكم اسطنبول السابق، إلى مراجعة مواقفه تجاه مصر ورئيسها فجأة؟!

 

«أنقرة تأمل تعزيز تعاونها مع مصر ودول الخليج، إلى أقصى حد، على أساس نهج يحقِّق الفائدة للجميع»... بين سطور هذا التصريح، قد تظهر نوايا أردوغان، في أنه يعلم المكانة التي تتمتع بها مصر، ودول المنطقة العربية، سواء أكان اقتصاديًا أم سياسيًا.

 

«أعرف الشعب المصري جيداً، وأكن له المحبة، فالجانب الثقافي لروابطنا قوي جداً، لذلك نحن مصمِّمون على بدء هذا المسار من جديد... فهناك وحدة في القدر بين شعبي البلدين»... هنا تتكشَّف أكثر نوايا الرئيس التركي، الذي يريد اللعب على ملف العواطف، بعد الاكتشافات الكبيرة للغاز شرقي المتوسط، ومحاولته المستميتة للمشاركة في الكنز، من خلف ستار، عبر دعمه اللامحدود للميليشيات في ليبيا، إلا أن تصريحاته تكشف أن اللعب من خلف ستار، لم يعد يجدي، لذلك اضطر إلى اللجوء لمصر، طمعًا في موطئ قدم في المتوسط.

 

أردوغان البراغماتي

كان وفد من تركيا، يرأسه نائب وزير الخارجية التركي، قد زار القاهرة، أوائل الشهر الماضي، لعقد لقاءات مع مسؤولين مصريين، في زيارة كانت الأولى من نوعها منذ سنوات.

 

ويشير المحلِّلون، إلى أن أردوغان يبحث عن طريقة لإعادة السياسة العدائية تجاه مصر إلى الوراء، ليس طمعًا في غاز المتوسط فقط، بل هربًا من العزلة الدولية التي يعانيها الآن، بسبب سياساته تجاه عدد من الدول، أبرزها، مصر وليبيا وسوريا، والعراق.

وفي ذلك يقول حسين باججي، مدير معهد السياسة للأبحاث في أنقرة، في تصريح لوكالة أسوشيتد برس: «لقد كان من الخطأ دعم الإخوان المسلمين، لكن الحكومة التركية تدرك الآن، أن الإخوان ليس لديهم أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى، لذلك لا يمكننا الاستمرار في هذه السياسة».

 

وأضاف باججي: «لكن كيفية الخروج من هذه السياسة الخاطئة علنًا، هي مشكلة أردوغان، إذ لا يمكن لتركيا رسميًا، أن تقول إننا سنتخلى عن دعم الإخوان... أردوغان لن يقول ذلك رسمياً، لكن ربما ببطء، سينتقل من منصبه الرسمي المتمثِّل في مناهضة السيسي... إلى المقترب من الرئيس السيسي».

 

مما لاشك فيه أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً للعداء مع مصر، ما دفع القاهرة إلى توقيع اتفاقية مع اليونان المنافسة لتركيا، العام الماضي، للبحث عن الغاز في البحر المتوسط، حيث أثارت اكتشافات الطاقة الأخيرة في المتوسط، سلسلة من النزاعات الإقليمية بين اليونان وتركيا.

 

وقال الأدميرال التركي المتقاعد جيم جوردنيز ، وهو محلِّل إقليمي: "مصر تعمل ضد تركيا فقط، بسبب سياسة أردوغان الخاطئة، القائمة على الأيديولوجية، لكن عندما تترك تركيا هذه السياسة الدينية، أنا متأكد من أن العلاقات التركية المصرية ستكون أفضل».

 

تركيا تتطلَّع إلى اتفاق متوسطي مع القاهرة، لإضعاف العلاقات المصرية مع اليونان، إلا أن القاهرة امتنعت حتى الآن، عن التعليق على مفاتحات أنقرة... وفي ذلك يقول باججي: «في تركيا، رأي عام بأن المصريين مستعدون دائمًا لما تقترحه تركيا، وذلك ليس صحيحًا».

 

ويتابع: «مصر  ليست مهتمة بالتقارب مع تركيا بهذا القدر... هي تريد أن تظهر للجمهور أن تركيا أخطأت، لذلك سيستغرق الأمر وقتًا لاستعادة العلاقات  مرة أخرى، لكن آجلاً ستدرك مصر أن من مصلحتها اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا ودبلوماسيًا، العمل مع تركيا".

 

الدبلوماسية

من جانبه، يقول مسعود كاسين، مستشار الرئاسة التركية من جامعة يديتيب في اسطنبول: «تحدَّث بعض ضباط المخابرات الأتراك والمصريين معاً، لكننا نحتاج إلى محادثات دبلوماسية على الطاولة، سيكون ذلك في مصلحة الجميع، يمكن أن تكون لدينا علاقات دبلوماسية، نهاية العام الجاري»، مضيفًا: «ربما جهود تركيا الأخيرة لتحسين العلاقات مع السعودية، الحليف الوثيق لمصر، يمكن أن توفِّر أيضًا قوة دفع لجهود التقارب المصرية».

 

لم تتوقَّف محاولات أردوغان، للتقارب مع مصر عبر السعودية، وإنما أيضًا عبر مبادرات أخرى مع حليف مصري رئيسي آخر، هو فرنسا.

وجاء في بيان رئاسي تركي، بعد أن تحدَّث أردوغان عبر الفيديو مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون: «يمكن لتركيا وفرنسا، تقديم مساهمات كبيرة للأمن والاستقرار وجهود السلام، من أوروبا إلى القوقاز والشرق الأوسط وأفريقيا».

 

منذ وقت ليس ببعيد، كان الزعيمان التركي والفرنسي، يتبادلان الانتقادات الغاضبة، حيث أشار أردوغان في وقت ما، إلى أن ماكرون بحاجة إلى علاج للصحة العقلية، ما دفع فرنسا إلى استدعاء سفيرها مؤقتًا. وإلى جانب العداء الشخصي بين الرئيسين، هناك تنافس متزايد في أفريقيا.

 

واجهت فرنسا، إلى جانب مصر، تركيا كداعم للميليشيات في الحرب الأهلية الليبية، حيث أدى الدعم العسكري لأنقرة لحكومة الوفاق الليبية وميليشاتها، إلى تفادي هزيمتها شِبه المؤكَّدة ضد قوات الجيش الليبي، لكن المحلِّلين يشيرون إلى أن أنقرة قد تتعلَّم أهمية الدبلوماسية.

 

وقال خبير العلاقات الدولية، سولي أوزيل، من جامعة قادر هاس في اسطنبول: «لا أعرف كم من الوقت يمكنك الاعتماد على القوة الصارمة، وهو أمر مكلِّف للغاية»، مشيرًا إلى تورُّط تركيا في صراعات عسكرية، من ليبيا إلى سوريا إلى العراق.