التلويح بالنووي على الطاولة.. ماذا يعني تفجير جسر القرم وكيف سترد روسيا؟
تفجير جسر القرم.. ماذا يعني الحادث وما الرد الروسي المتوقع؟

السياق
في ضربة «مدوية» لرمز طموحات الرئيس فلاديمير بوتين للسيطرة على أوكرانيا، وقع انفجار ضخم عبر جسر القرم الذي يربط بين البر الرئيس لروسيا وشبه جزيرة القرم.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، إن الضرر الذي أصاب الجسر والذي وفر طريقًا وسككًا حديدية من روسيا إلى شبه الجزيرة الأوكرانية، يمثل «انتكاسة خطيرة» أخرى للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا من خلال تعطيل طريق إمداد حيوي.
وأظهرت صور من الجسر حريقًا مشتعلًا بشدة اجتاح عربتي سكك حديدية على الأقل من قطار على الجسر، مصحوبًا بعمود هائل من الدخان الأسود، فيما انهار نصف جسر الطريق الموازي في مضيق كيرتش.
ووقع الانفجار، الذي قال شهود عيان لصحيفة «الغارديان»، إنه يمكن سماعه على بعد أميال، قبل الساعة السادسة من صباح يوم السبت بينما كان قطار يعبر الجسر، فيما ألقى المسؤولون الروس باللوم فيه على انفجار سيارة مفخخة.
وقالت وكالات الأنباء الروسية نقلًا عن اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب: «اليوم في الساعة 6.07 صباحًا (03.07 بتوقيت جرينتش) على جانب المرور على طريق جسر القرم... انفجرت سيارة مفخخة، مما أدى إلى اشتعال النار في سبع ناقلات نفط كانت تنقل بالسكك الحديدية إلى شبه جزيرة القرم».
وتظهر بعض اللقطات التي نُشرت على قنوات Telegram الروسية ووكالات الأنباء لحظة الانفجار مع مركبتين وشاحنة وسيارة في وسط الانفجار، على الرغم من أنه لم يتضح إذا ما كان أي منهما مسؤولًا عن الانفجار أم لا.
وافتتح بوتين شخصيًا الجسر الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، والمعروف أيضًا باسم جسر كيرتش لأنه يمتد على مضيق كيرتش بين البحر الأسود وبحر آزوف في عام 2018، في خطوة ترمز إلى سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، بحسب «نيويورك تايمز».
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم وضمها غير القانوني في عام 2014 كان بمثابة مقدمة للعملية العسكرية التي شنها بوتين هذا العام، والذي استخدم فيها شبه جزيرة القرم كقاعدة رئيسة لعمليات القوات الروسية.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن المسؤولين الحكوميين في كييف احتفلوا بالانفجار، ونشروا صورًا على وسائل التواصل الاجتماعي لامتدادات خرسانية منهارة للجسر ولقطات من اللحظة الظاهرة للانفجار، تظهر مركبات تسير عبر الجسر قبل ثوانٍ فقط من احتراق كرة نارية عملاقة.
وأشارت صور السيارات التي دمرت إلى مقتل بعض الأشخاص، لكن لم ترد إحصاءات فورية عن القتلى أو الجرحى، فيما وصف ميخايلو بودولوياك، أحد كبار مستشاري الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الحادث بأنه «البداية»، مضيفًا عبر حسابه الرسمي بـ«تويتر»: «يجب تدمير كل شيء غير قانوني».
ولم تقدم الحكومة الأوكرانية أي بيان رسمي فوري حول سبب الانفجار، لكن بتهكم نشر حساب تويتر الرسمي للحكومة، تغريدة مقتضبة، قال فيها: «حروق مريضة».
ماذا قالت روسيا؟
وكما هو الحال في الهجمات السابقة في شبه جزيرة القرم، كانت المصادر الروسية الرسمية غامضة للغاية في البداية بشأن سبب الانفجار، فوكالة تاس نقلت عن أوليغ كريوتشكوف، مستشار الرئيس الروسي لشبه جزيرة القرم، قوله: «وفقًا للبيانات الأولية، اشتعلت النيران في خزان وقود (سكة حديدية) في أحد أقسام جسر القرم، ولم تتضرر أقواس الشحن».
اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب قالت إنه تم تفجير شاحنة على جسر القرم حوالي الساعة السادسة صباح اليوم، ما أدى إلى اشتعال النيران في عدد من صهاريج الوقود في قطار كان يسير عبر الجسر، مشيرة إلى أن الحادث تسبب في تعليق حركة السيارات والقطارات في جسر القرم دون وقوع إصابات أو ضحايا بشرية.
وقالت وكالة الأنباء الروسية تاس، إن أقواس الجسر الصالحة للملاحة لم تتضرر، نقلًا عن مسؤول روسي في شبه جزيرة القرم، فيما أقر ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين بأن الحكومة ليس لديها جدول زمني لإصلاح الجسر البالغ طوله 12 ميلًا.
وقال بيسكوف، إن بوتين تلقى تقارير من السلطات تتعلق بحالة الطوارئ على الجسر، مضيفًا أنه «لا توجد توقعات بشأن توقيت إعادة بناء جسر القرم».
وقالت السلطات الروسية في شبه جزيرة القرم، إن المنطقة لديها ما يكفي من الغذاء والنفط، فيما قالت لجنة التحقيق إنها فتحت قضية جنائية تتعلق بالحادث الذي وقع على جسر القرم وأرسلت خبراء الطب الشرعي إلى مكان الحادث.
وفي أعقاب الانفجار مباشرة، ظهرت تقارير عن سكان في شبه جزيرة القرم هرعوا إلى محطات البنزين قلقين من نقص الوقود.
وقال مسؤول آخر عينته موسكو: «عربة صهريج تحترق بالوقود في أحد أقسام الجسر. لا تتأثر أقواس الشحن. من السابق لأوانه الحديث عن الأسباب والعواقب. يجري العمل على إخماد الحريق».
وحمل رئيس برلمان جمهورية القرم فلاديمير كونستانتينوف، من أسماهم «مخربين أوكرانيين مسؤولية الحادث الذي شهده جسر القرم».
وقال مصدر في وزارة النقل الروسية، إنه تم استئناف عمل عبارات النقل البحرية بين القرم وإقليم كراسنودار، بعد توقف الحركة بشكل مؤقت على جسر القرم، مشيرًا إلى أن العبارة الأولى توجهت بالفعل للتحميل، وهناك ثلاث عبارات أخرى تستعد للمغادرة.
وأضاف المصدر، أن شركات النقل ستستأنف تشغيل العبارات من كيرتش، مشيرًا إلى أن البنية التحتية الساحلية جاهزة لتنفيذ هذه المهمة.
لجنة حكومية
وأعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس فلاديمير بوتين أصدر تعليمات بتشكيل لجنة حكومية إثر وقوع الحادث، لمعرفة أسباب ما حدث وإزالة آثاره في أسرع وقت ممكن.
وأوضح أن اللجنة ستشمل أيضًا رئيسي إقليمي كراسنودار والقرم، وممثلي الحرس الوطني وجهاز الأمن الفيدرالي ووزارة الداخلية، مشيرًا إلى أنه بتوجيه من رئيس الدولة، غادر الوزيران سافيلييف وكورينكوف إلى موقع الحادث.
التلويح بالنووي
وتقول صحيفة «الغارديان»، إن روسيا حافظت على أن أمان الجسر على الرغم من القتال في أوكرانيا، لكنها هددت كييف بالرد الانتقامي إذا تعرضت للهجوم.
وحذر المسؤولون الروس من الرد الشديد على الضربات على الأراضي الروسية، وكرروا في الأيام الأخيرة وجهة النظر القائلة إن لروسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية.
من جانبه، قال أوليغ موروزوف عضو مجلس الدوما الروسي، إن الجانب الأوكراني يتحدث منذ فترة بعيدة عن استهداف جسر القرم، مشيرًا إلى أن هذا العمل الذي وصفه بـ«الإرهابي» يعد إعلان حرب بلا قواعد.
وأضاف موروزوف، الذي يمثل حزب «روسيا الموحدة» في مجلس الدوما، أنه «يجرى تنفيذ حرب إرهابية غير مقنعة ضدنا»، مشيرًا إلى أن «عدم الرد بالشكل المطلوب والمناسب على هذا العمل، سيجعل مثل هذه الحوادث تكرر في الكثير من الأحيان».
من جانبه، أكد عضو مجلس الاتحاد ألكسندر باشكين، أن مؤسسات القوة الروسية ذات العلاقة وزارة الدفاع وغيرها سترد بشكل كافٍ وواعٍ وربما غير متماثل على «الضربة الوقحة» على جسر القرم، مشيرًا إلى أن الحادث بمثابة «تحدٍّ خطير للغاية ليس فقط من جانب أوكرانيا، لأن كييف لا تفعل شيئًا دون تعليمات من الغرب، وفقط بعد التشاور معه».
ماذا يعني التفجير؟
جاء الانفجار على الجسر بعد يوم من احتفال بوتين بعيد ميلاده السبعين، ووسط انتقادات متزايدة في روسيا لسير حربه ضد أوكرانيا بعد سلسلة من «الانتكاسات المدمرة» بشكل متزايد في ساحة المعركة في الأسابيع الأخيرة.
ويعتبر الجسر رمزًا كبيرًا لروسيا وطريق إمداد لوجستي مهم للقوات الروسية في شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا التي تسيطر عليها روسيا، بحسب «الغارديان»، التي قالت إنَّ الأضرار التي لحقت بخط السكة الحديد على وجه الخصوص تترك القوات الروسية في الجنوب مع خط إمداد واحد للسكك الحديدية- بين كراسنودار وميليتوبول- وواحد الآن في نطاق هجمات أوكرانيا.
وشنت أوكرانيا في السابق هجمات في عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، بما في ذلك على قاعدة جوية في شبه جزيرة القرم، وعلى أهداف عسكرية عبر الحدود في منطقة بيلغورود الروسية.
لكن صحيفة «نيويورك تايمز»، تقول إنه إذا تمَّ التخطيط لانفجار الجسر عن عمد، فسيكون ذلك بمثابة الضربة الأكثر إثارة للدهشة حتى الآن من قبل أوكرانيا، التي تعرضت لـ«غزو» من قبل جيش روسي أكبر بكثير وأفضل تجهيزًا.
وتعليقًا على الهجوم في سلسلة رسائل على تويتر، قال المحللون والجنرال الأسترالي المتقاعد ميك رايان: «إن إسقاط جسر مثل هذا يتطلب الكثير من المتفجرات والتصميم الجيد للهدم»، مضيفًا: «بصفتي خبيرًا في المتفجرات، فإننا نخطط لهذه الأنواع من الأشياء طوال الوقت. أصعب الجسور لإسقاطها هي الخرسانة المسلحة مثل هذا».
وأضاف الجنرال الأسترالي، أن «كمية المتفجرات المطلوبة ستكون أكثر من عدد قليل من قدرة أفراد القوات الأوكرانية على حملها»، مشيرًا إلى أن بضع شاحنات قادرة وحدها على ذلك أو صواريخ أو قنابل، شريطة توجيهها إلى النقاط الصحيحة من امتداد الجسر.
وأشار إلى أنه في كلتا الحالتين، فإن ذلك الحادث يمثل مشكلة كبيرة للروس، مضيفًا أنه خلال الحرب التي استمرت تسعة أشهر في أوكرانيا، افترضت روسيا أن القرم- بما في ذلك جسر كيرتش- كانت خارج قدرة القوات الأوكرانية على الضرب.
لكن في الشهرين الماضيين، ضربت سلسلة من الانفجارات مواقع في شبه جزيرة القرم بما في ذلك قاعدة ساكي الجوية البحرية، وسط تزايد الثقة في كييف بأنها تستطيع استعادة شبه جزيرة القرم.