هل تستغل الجماعات الإرهابية حالة عدم الاستقرار السياسي في إفريقيا؟
قال إيفان غويشاوا، الخبير من جامعة كنت في بروكسل، إن أكبر الرابحين من الانقلاب في بوركينا فاسو ليسوا الروس ولا الفرنسيين، بل جماعة نصرة الإسلام وتنظيم داعش في الساحل، واصفًا ذلك بأنه «كارثة».

السياق
مع كل انقلاب في إفريقيا، تهتزّ صورة الدولة وتتراجع قدرتها على السيطرة أكثر من ذي قبل لصالح الجماعات «الإرهابية» التي تزرع الفوضى وتحصد نتائج تمكينها في القارة السمراء.
وتواجه قارة إفريقيا وخاصة منطقة الساحل الغربي العديد من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والتي تفاقمت بسبب الإرهاب والتطرف العنيف والعنف الطائفي، والذي كانت الجماعات «الإرهابية» المستفيد الأول منه.
وتواجه منطقة الساحل الغربي بإفريقيا العديد من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والتي تفاقمت بسبب الإرهاب والتطرف العنيف والعنف الطائفي واللصوصية، والذي غذاه الانقلابات العسكرية المتكررة خلال الآونة الأخيرة.
فالانقلاب الحاصل في بوركينا فاسو والذي يعدّ سادس استيلاء للجيش على السلطة خلال ما يزيد قليلًا عن عامين في غرب ووسط إفريقيا، نسف جهود المنطقة خلال العشر سنوات الماضية للتخلي عن سمعتها باعتبارها «حزام انقلاب».
هشاشة المنطقة
عودة الانقلابات أدت إلى زيادة هشاشة المنطقة وهددت الأساس الديمقراطي للدول المتضررة، وسط مخاوف متزايدة من أن الجماعات الإرهابية قد تستغل هذه الشكوك السياسية لترسيخ موقفها وتوسيع أنشطتها إلى أجزاء أخرى من غرب إفريقيا وما وراءها.
وبحسب ورقة بحثية نشرها الاتحاد الإفريقي مؤخرًا، فإن الانقلابات الأخيرة في القارة السمراء وما يرتبط بها من عدم استقرار سياسي تؤثر على الحرب ضد الإرهاب والتطرف العنيف في منطقة الساحل الغربي، مشيرة إلى أنها تكشف عن أزمة قيادة محتملة في الحرب ضد الإرهاب والتطرف العنيف.
وأرجعت الورقة البحثية أزمة القيادة التي تعاني منها بعض بلدان القارة السمراء إلى عوامل مختلفة، بينها وفاة الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إيتنو، الذي كان يعتبر قوة استقرار في المنطقة، محذرة من أن تلك الأزمة ستؤدي إلى إضعاف قدرة الدول والقدرات العسكرية بشكل خاص، في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
إفريقيا... هل يستعد داعش لإعلان دولته في القارة السمراء؟
شروط الاستقرار
ومن بين العوامل التي حددتها الورقة البحثية: فقدان السيطرة في مواجهة التحديات متعددة الأبعاد، مشيرة إلى أنه يجب تنفيذ مختلف الطغمات العسكرية للتنازل عن السلطة بعناية لمنع المزيد من المعاناة بين السكان المتضررين؛ لأن هذا قد يزيد من التعاطف مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة العنيفة.
وفيما أكَّدت ضرورة العودة إلى الحكم الديمقراطي، شددت على أن الاستجابة الدولية يجب أن تكون منسقة بحزم وحذر، فيما بات هناك حاجة ضرورة إلى المرونة والبراغماتية والدبلوماسية الماهرة، لتجنب تفاقم الوضع الأمني غير المستقر.
إلا أن ذلك سيتطلب ضمان الاستقرار المستقبلي وحشد الدعم الدولي لإجراء تعديل وزاري وتعزيز تنفيذ اتفاقيات السلام الموقعة، وتعزيز المرونة الاجتماعية والاقتصادية لبلدان غرب الساحل، كأحد الشروط الأساسية لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار بما في ذلك سوء الإدارة والفساد والتخلف وبطالة الشباب والإقصاء السياسي والتهميش.
ومع استقواء الجماعات الإرهابية ومنها تنظيم «داعش» في منطقة الساحل وجماعة نصرة الإسلام التابعة لتنظيم القاعدة، تعصف بالمنطقة زوبعة عاتية، كانت الدولة الوطنية الخاسر الأكبر فيها.
الإرهاب.. الرابح الأكبر
وإلى ذلك، قال إيفان غويشاوا، الخبير من جامعة كنت في بروكسل، إنَّ أكبر الرابحين من الانقلاب في بوركينا فاسو ليسوا الروس ولا الفرنسيين، بل جماعة نصرة الإسلام وتنظيم داعش في الساحل، واصفًا ذلك بأنه «كارثة».
وفيما تبرر معظم الانقلابات في غرب إفريقيا بأنها تأتي لمكافحة انعدام الأمن، وأن وصول رجل قوي يمكن أن يحظى بتأييد جزء من الرأي العام، إلا أن تلك الحجة هي لذرِّ الرماد في العيون، بحسب جليل لوناس الباحث في جامعة الأخوين المغربية الذي يقول إن الانقلاب «يزعزع استقرار بنية الجيش ويقسم العسكريين بين مؤيدين ومعارضين له. هذا يعني عدم الاستقرار والانقسام ووقف عمليات التطهير».
ويشير آلان أنتيل، المتخصص في مالي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى رجال الدرك في بوركينا فاسو الذين قُتلوا على يد الإرهابيين في نهاية عام 2021، بعد أن توقفت الإمدادات عن الوصول إليهم.
وأضاف أنتيل، أنهم «كانوا يضطرون لاصطياد الغزلان في الأدغال ليأكلوا. لا يمكن محاربة خصوم أشداء في حين تواجه هذا النوع من المشكلات اللوجستية».
وفيما لم يصحح المجلس العسكري المنتهية ولايته الوضع، ليس هناك ما يضمن أن المجلس الجديد سيحقق نتائج أفضل، بحسب أنتيل الذي قال في تصريحات لوكالة «فرانس برس» إن «أسطورة العسكري المتبصر الذي يحل المشكلات نادرا ما تتحقق».
اهتزاز الدولة
وأشار إلى أن الانقلابات التي يتغير فيها الحكم؛ تهز فكرة الدولة المتهمة بإثراء نخب العاصمة والتخلي عن المناطق الصحراوية الشاسعة التي تسود فيها الجماعات الإرهابية فتفرض فيها بدائلها الأمنية والقضائية.
وفي بيان صدر هذا الأسبوع، سخرت جماعة نصرة الإسلام من انقلاب واغادوغو، قائلة: "فليعلم الطغاة أن الانقلابات المتكررة لن تنفعهم، ونصحتهم بتطبيق الشريعة".
وهكذا يبرز الخطاب «الإرهابي» أمام عجز الدول، كما يؤكد المؤلف والمخرج الموريتاني لمين ولد سالم مضيفًا: «يقولون: لا ديمقراطية، لا دولة، لا دستور»، متحدثًا عن «خطاب ينزع الشرعية عن مؤسسات الدولة».
وفي الواقع، غالبًا ما يكون التصدي للإرهابيين على المستوى المحلي وليس على مستوى الدولة؛ كما الحال في النيجر، يقول جليل لوناس، مضيفًا: «يتوصلون لوقف إطلاق النار على سبيل المثال في قرية ما وليس في قرية أخرى».
ذريعة فرنسا
ويشير آلان أنتيل من جانبه إلى الفخ الذي تسقط فيه «قرى معينة، تلجأ بعد تعرضها لتهديد جماعة نصرة الإسلام إلى توقيع اتفاق عدم اعتداء يجعلها في نظر الحكومة وجيشها متواطئة مع الجهاديين».
وفي هذه الزوبعة التي تقوض ما تبقى من الدولة الوطنية لصالح الولاءات القبلية والعرقية والعشائرية والطائفية، يفشل التعاون بين الدول وتصير المناطق الحدودية متاحة أكثر أمام هجمات الجماعات المسلحة.
ومن خلال مغادرتها مجموعة دول الساحل الخمس- مع موريتانيا وتشاد وبوركينا والنيجر - تحرم مالي نفسها من حق مطاردة الإرهابيين الذين تلاحقهم بمجرد عبورهم الحدود.
وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ألقى رئيس وزرائها العقيد عبد الله مايغا خطابًا شديد اللهجة إزاء جيرانه، حتى إن باماكو اعتقلت جنودًا من ساحل العاجل عدة أيام.
وتطرق مايغا إلى انعدام الأمن، فقال إن مالي هي الدولة الوحيدة في العالم التي تواجه في نفس الوقت الإرهاب والنزاعات الطائفية والجريمة المنظمة العابرة للحدود وأعمال العنف التي يرتكبها أفراد معزولون.
وأضاف: «إلى جانب عودتنا إلى النظام الدستوري، تواصل مالي الكفاح بلا كلل ضد انعدام الأمن، وخاصة ضد الجماعات المتطرفة المسؤولة عن جميع أنواع الانتهاكات ضد شعبنا المسالم»، مشيرًا إلى أن الجماعات الإرهابية التي «ضعفت بشكل خطير»، لا يزال بإمكانها أن تسبب الضرر إلى حد معين في محاولاتها اليائسة لتوجيه ضربة لوحدة أراضينا وإرهاب شعبنا.
وعن ذلك، قال أنتيل إن باماكو «تخاطر بإلحاق الضرر بجميع أشكال التعاون، بما في ذلك في مجال الأمن».
إلا أنه في الوقت نفسه، يُلقى اللوم على فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في غرب إفريقيا لصالح التقارب مع شركاء أجانب جدد، تتقدمهم روسيا.
ويقول مركز صوفان للأبحاث المعني بالمسائل الأمنية ومقره نيويورك، إذا كان سجل باريس مثيرًا للجدل، فإن اتهامها بارتكاب كل الشرور لا طائل منه، مشيرًا إلى أن «فرنسا تُستَخدم ذريعة لتبرير تنامي قوة الإرهابيين».
من جهته، يشير مايكل شوركين، المؤرخ الأمريكي المتخصص في الجيش الفرنسي، إلى «نظريات المؤامرة التي تقول إن الفرنسيين في الواقع يسلحون الجهاديين.... هذه النظريات ... تمنع السكان من الاتجاه إلى فهم مسؤوليتهم وإيجاد الحلول الخاصة بهم».
وفيما يلي أبرز الانقلابات في إفريقيا:
بوركينا فاسو
أطاح جيش بوركينا فاسو بالرئيس روش كابوري في يناير/ كانون الثاني منحيًا باللوم عليه في تقاعسه عن احتواء عنف الإرهابيين، فيما تعهد زعيم الانقلاب –آنذاك- اللفتنانت كولونيل بول هنري داميبا بإعادة الأمن، فشل في مهمته، مما أدى لانقلاب الجيش عليه مرة أخرى قبل أيام.
مالي
أطاحت مجموعة من ضباط الجيش في مالي بقيادة أسيمي جويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس/آب 2020، وجاء الانقلاب في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة على تدهور الوضع الأمني والانتخابات التشريعية المتنازع عليها ومزاعم بالفساد.
وتحت ضغط من جيران مالي في غرب إفريقيا وافق المجلس العسكري على التنازل عن السلطة لحكومة مؤقتة بقيادة مدنية مكلفة بالإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرا إلى انتخابات ديمقراطية في فبراير/شباط 2022.
لكن قادة الانقلاب اشتبكوا مع الرئيس المؤقت الكولونيل المتقاعد باه نداو وقاموا بتدبير انقلاب ثان في مايو/أيار 2021، وتم ترقية جويتا، الذي كان يشغل منصب النائب المؤقت للرئيس، إلى منصب الرئيس.
تشاد
تولى الجيش التشادي السلطة في أبريل/نيسان 2021 بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أثناء زيارته للقوات التي تقاتل المتمردين في الشمال.
وبموجب القانون التشادي، كان يجب أن يصبح رئيس البرلمان رئيسًا للبلاد، لكن مجلسًا عسكريًا تدخل وحل البرلمان باسم ضمان الاستقرار، وتم تعيين نجل ديبي، الجنرال محمد إدريس ديبي، رئيسًا مؤقتًا وكُلف بالإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرًا للانتخابات.
غينيا
أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي في سبتمبر/أيلول 2021. وقبل ذلك بعام غير كوندي الدستور للالتفاف على القيود التي كانت ستمنعه من الترشح لفترة ثالثة مما أثار أعمال شغب واسعة النطاق، وأصبح دومبويا رئيسًا مؤقتًا على أمل إجراء انتخابات ديمقراطية في غضون ثلاث سنوات.