مليارات الدولارات من ودائع العراقيين في لبنان تبخرت.. ما علاقة حزب الله؟
قال مصدر مطلع في مصرف لبنان المركزي، إن أكثر من 18 مليار دولار تخصّ سياسيين عراقيين، والحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان العراق، تبخرت بفعل الأزمة المصرفية في لبنان.

السياق
«على السياسيين الذين لديهم أموال في البنوك اللبنانية أن ينسوها».. بهذه التصريحات صدم مستشار لرئيس الوزراء العراقي، المودعين العراقيين لدى المصارف اللبنانية، في البلد الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة.
فعلى خطى تجميد أموال اللبنانيين لدى مصارف البلد العربي، مُنِي السياسيون العراقيون الذين أودعوا أموالهم في البنوك اللبنانية باعتبارها الخيار الأفضل، بخيبة أمل كبيرة، إثر الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، الذي يرزح تحته لبنان، مما أفقدهم ودائعهم البالغة أكثر من 18 مليار دولار والتي تبخرت بفعل الأزمة المصرفية.
فلِمَ يضع السياسيون العراقيون أموالهم في لبنان؟ وما الخيارات المتاحة أمامهم؟ ومَن الجهة التي تقف خلف هذه العمليات التي توصف بـ«المشبوهة»؟ وما دور حزب الله؟ أسئلة شائكة يجيب عنها تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية ترجمته «السياق».
تبخر 18 مليار دولار
قال مصدر مطلع في مصرف لبنان المركزي، إن أكثر من 18 مليار دولار تخصّ سياسيين عراقيين، والحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان العراق، «تبخَّرت» بفعل الأزمة المصرفية في لبنان.
ورغم أن الرقم المُعلن يعدُّ كبيرًا جدًّا، إلا أن المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه أكد أن تلك المبالغ هي ما يمكن حصره، والمسجلة رسميًّا بأسماء شخصيات أو شركات أو جهات حكومية عراقية، مشيرًا إلى أنَّ هناك العديد من الشخصيات التي سجلت أرصدتها بأسماء أخرى ومع جنسيات أخرى.
وأوضح المصدر المطلع، أن الأرقام أعلى من ذلك بكثير؛ فهناك سياسيون عراقيون كانوا يخشون العقوبات لذا فتحوا حسابات مصرفية بأسماء شخصيات لبنانية من أتباع حزب الله وحركة أمل الموالين لإيران، أو حتى شخصيات سنية.
ماذا لو طلبوا سحب الأموال؟
وأشار إلى أنه رغم أن العراقيين لم يطلبوا حتى الآن سحب أموالهم، إلا أنهم لو فعلوا ذلك فلن يتمكن مصرف لبنان المركزي من تلبية الطلب لأنه لا يملك السيولة الكافية، مؤكدًا أن ما يملكه المصرف المركزي من سيولة تظل مجرد أرقام في المصارف وليست سيولة فعلية.
وحول تفاصيل الأموال العراقية في المصارف اللبنانية، قال المصدر اللبناني: إن أكثر من 1.3 مليار دولار تخص الحكومة العراقية وأكثر من 650 مليون دولار لحكومة إقليم كردستان، أما باقي المبالغ فهي تخص شخصيات سياسية ورجال أعمال وغيرهم ممن يحملون الجنسية العراقية، أَوْدعوا أموالهم في البنوك اللبنانية بأسمائهم وجنسياتهم.
وأكد أن المودعين العراقيين ممن يحملون جنسيات أخرى مثل جنسيات أوروبية وإيرانية وآسيوية وأمريكية، «فلن نتمكن من عدِّهم».
من جانبه، قال عبد الرحمن المشهداني المحلل الاقتصادي العراقي، إنه «يمكن استرداد هذه الأموال الحكومية إذا طلب مجلس الوزراء ذلك، لكن لا يمكن المطالبة بأموال السياسيين العراقيين».
واستقرت قيمة العملة اللبنانية مقابل الدولار لأكثر من ربع قرن عند حوالي 1515 ليرة للدولار. إلا أنها منذ العام 2019 تدهورت تدريجيًّا، متأثرة بأزمة اقتصادية حادة تعاني منها البلاد، لتصل إلى 39 ألف ليرة للدولار في السوق الموازية، رغم أن السعر الرسمي لا يزال 1517 ليرة للدولار.
الفساد السياسي
وساهم الفساد السياسي في العراق في هروب الأموال إلى الخارج، بحسب «جيروزاليم بوست»، التي قالت إن السياسيين العراقيين الذين حصلوا على الأموال بشكل غير قانوني أودعوها بانتظام في البنوك الأجنبية.
ورغم ذلك، إلا أنه منذ نهاية عام 2017، بدأت الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات على بعض السياسيين، ما جعل من إيداع الأموال في الخارج أمرًا صعبًا، باستثناء الدول التي لم تطبق العقوبات الأمريكية.
دور حزب الله
وقال عبد الرحمن المشهداني، المحلل الاقتصادي العراقي، إن لبنان لا يستطيع دفع الأموال الآن، لكن يمكن التوصل إلى اتفاق على استرداد الأموال على أقساط.
وأوضح المحلل الاقتصادي العراقي، أن «لبنان من أكثر الدول التي يودع فيها العراقيون أموالهم، لأن الحكومة هناك موالية لحزب الله، الموالي بدوره لإيران، ما يتفق مع توجهات كثير من السياسيين العراقيين».
وأشار إلى أنه يمكن في لبنان التحايل على العقوبات الأمريكية على الشخصيات والأحزاب الموالية لإيران «حتى يتمكنوا من إيداع أموالهم هناك دون خوف»، بسبب تأثير حزب الله الكبير.
وتابع: «ما حدث للبنوك اللبنانية أوقع بعض السياسيين العراقيين في أزمة مالية، لكن الأرقام المعلنة هي جزء صغير مما يملكه السياسيون، فأصولهم تتجاوز بكثير هذه المبالغ».
وأوضح المشهداني أن السياسيين العراقيين السنة يمكنهم بسهولة إيداع أموالهم في البنوك الأوروبية والتركية، لكن الشيعة العراقيين يمكنهم استخدام البنوك فقط في إيران وسوريا ولبنان، مشيرًا إلى أن المصارف اللبنانية الحل المفضل قبل الانهيار الاقتصادي في ذلك البلد، بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية في إيران وسوريا والتي كانت شديدة الخطورة.
وقال أحمد أ، الموظف السابق في السفارة العراقية في لبنان، والذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه الكامل: «في عملي، شاهدت تحويل العديد من الأموال العراقية إلى لبنان»، مشيرًا إلى أن «المبالغ كانت بالمليارات ولم يتم سحبها».
وأضاف الموظف السابق، أن «البنوك اللبنانية كانت تدفع فائدة تزيد عن 5%، الأمر الذي دفع السياسيين العراقيين إلى إيداع أموالهم في البنوك اللبنانية، والآن لا يمكنهم سحبها».
وتابع: «قامت بهذه المهمة شركات متخصصة مرتبطة ضمنيًا بحزب الله»، مضيفًا: «لقد أشرفوا على تحويل الأموال وأداروا الحسابات المصرفية لسياسيين عراقيين في لبنان».
وشدد على أنه تم اختيار لبنان للتعامل مع هذه الأموال بسبب سيطرة حزب الله على البنوك، قائلا إنَّ بعض الأموال تذهب إلى إيران كشكل من أشكال الدعم.
الحكومة تتحدث
وقال مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء العراقي، في تصريحات لوسائل إعلام عراقية إنه «على السياسيين الذين لديهم أموال في البنوك اللبنانية أن ينسوها»، مضيفًا: «يجب أن ينسوا ذلك، لن يعودوا»، رافضًا الإجابة عن أسئلة حول أموال الحكومة العراقية.
بدوره، قال نبيل جعفر المرسومي أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، إن «الأرقام المتعلقة بالودائع العراقية في مصارف لبنان غير دقيقة»، مشيرًا إلى أن المبالغ التي تعد أكبر بكثير مما هو معلن مملوكة لشركات بعضها مسجل في دول يمكن فيها التهرب الضريبي.
وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، أن «معظم الأموال المودعة في لبنان هي نتيجة عمليات فساد حدثت في العراق»، مشيرًا إلى أن «البنوك اللبنانية كانت تسهل عمليات الإيداع والتحويل للعراقيين في السنوات الماضية، وكانت مركزًا للفساد المالي لهؤلاء المسؤولين».
وأوضح الموظف السابق في السفارة العراقية، أن «السياسيين لديهم أموال بمليارات الدولارات، بعضها ناتج عن صفقات فاسدة لشركات أجنبية، تقوم بتحويل هذه الأموال مباشرة إلى حسابات العراقيين في لبنان»، مشيرًا إلى أنه «ليس لديه فكرة عن أموال الحكومة العراقية في لبنان».