هل تندم المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

تكشف استطلاعات الرأي أن أغلبية البريطانيين يرون أن التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان خطأ.

هل تندم المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ترجمات - السياق

بعد مرور نحو عامين فقط على "بريكست"، بدأ شعور كبير يزحف تجاه البريطانيين، بالندم على الخروج من الاتحاد الأوروبي ، إذ زاد استخدام مصطلح بريغريت، وهو المعني بندم أولئك الذين صوتوا على القرار.

وحسب مجلة ذا سبيكتاتور البريطانية، تكشف استطلاعات الرأي أن أغلبية البريطانيين يرون أن التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان خطأ.

وبيّن استطلاع أخير أن واحدًا من كل خمسة فقط، يعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يسير على ما يرام، بينما يرى سبعة من كل عشرة أن الأمر سار على نحو سيئ أو أسوأ مما كانوا يخشون.

بينما وجد استطلاع أجراه مركز سافانتا كومريس لاستشارات أبحاث السوق لمصلحة موقع بوليتيكس هوم الإلكتروني أن قرابة 47 في المئة من الناخبين يفضلون علاقة أوثق مع الاتحاد الأوروبي، بينما يريد 14 في المئة الابتعاد أكثر.

وأشارت المجلة إلى أنه خلال العام الماضي فقط، كان هناك تأرجح من عشر نقاط نحو العودة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤدي إلى تغير في موقف الأحزاب الرئيسة ببريطانيا، في ما يتعلق بمسألة أوروبا.

ففي الذكرى الثانية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أظهرت نتائج استطلاع جديد نُشر مؤخرًا أن أكثر من ثلثي البريطانيين يريدون إجراء استفتاء على عودة البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن المملكة المتحدة غادرت الاتحاد الأوروبي رسميًا في 31 يناير 2020 بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، فإن أكثر من نِصف الذين شملهم الاستطلاع قالوا إن قرار الحكومة في لندن مغادرة الاتحاد الأوروبي كان خاطئًا.

بينما كشفت دراسة جديدة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" كبّد المملكة المتحدة 33 مليار جنيه استرليني من الخسائر في التجارة والاستثمار، ليتضح أن الضرر الاقتصادي أسوأ مما كان يُخشى.

وتظهر الدراسة، التي أجراها مركز الإصلاح الأوروبي "سي آي آر"، أن الاقتصاد البريطاني انكمش 5.5% مقارنة بما كان يمكن أن يكون عليه لو بقيت البلاد داخل الاتحاد الأوروبي.

ووفقًا لتحليل المركز، انخفضت تجارة السلع في المملكة المتحدة 7%، كما انخفض الاستثمار 11% مما كان يمكن أن يكون لو فازت حملة البقاء في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

 

مواقف الأحزاب

وفي ما يخص موقف الأحزاب البريطانية، تساءلت "ذا سبيكتاتور": "مع تمتع حزب العمال بتقدم مريح في استطلاعات الرأي -ويبدو أنه في طريقه للفوز في الانتخابات المقررة العام المقبل- هل يمكن أن يتحول إلى الدعوة للعودة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي؟".

وتبين المجلة -في تحليل للكاتب الأكاديمي ماثيو غودوين- أن هذا الأمر رغم أنه غير مرجح، على الأقل في المدى القصير، فإنه في أعقاب فوز حزب العمال عام 2024، قد يتحول الحزب إلى موقف أكثر صراحةً مؤيدًا للاتحاد الأوروبي، مستندًا إلى التغييرات في الرأي العام كمبرر لذلك.

وتعتقد المجلة البريطانية، أن حزب العمال محق في إدراك أن الحالة المزاجية آخذة في التغير، ليس فقط لأن بعض الناخبين غيروا رأيهم في ما يخص "بريكست"، خصوصًا أن عدد هؤلاء قد يكون متواضعًا، إذ إن أقل من واحد من كل خمسة مؤيدين لـ "بريكست" يعترف بندمه، مستخدمًا مصطلح (بريغريت)، وإنما الأهم من ذلك أن الذين اختاروا عدم التصويت في الاستفتاء الأصلي -والشباب الذين كانوا أصغر من أن يصوتوا عام 2016 لكنهم يملكون حق التصويت- يعارضون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشدة، وهؤلاء أعدادهم تتزايد بالفعل.

وأوضحت المجلة، أن من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا من الجيل الذي يلي جيل الألفية، الذين بلغوا سن الرشد خلال الاضطرابات التي تميزت بصعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة وبوريس غونسون -صاحب "بريكست"- في المملكة المتحدة ، فضلاً عن الجمود المطول والمستقطب بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مجلس العموم، قال ما لا يقل عن 79 في المئة منهم إنهم سيصوتون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولتفسير ذلك، ترى المجلة أن هذه الضغوط الديموغرافية ستفرض نفسها بشكل متزايد على السياسات الحزبية المحلية، لافتة إلى أن هؤلاء يقترنون بتحول ملحوظ في كيفية تقييم الشعب البريطاني لتكاليف وفوائد مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ونوهت إلى أن إحدى المشكلات الكبيرة التي يواجهها مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي كيف يرتبط مشروعهم، سواء كان صوابًا أم خطأ، بقوة في العقلية العامة بمجموعة من الأزمات الكبرى، خصوصًا الاقتصادية.

وأفادت المجلة بأن التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان مدعومًا بالاعتقاد بأن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستمكن بريطانيا من استعادة السيادة من بروكسل، وانخفاض الهجرة، وكما وعد شعار حملة الخروج بـ "استعادة السيطرة" على حدود البلاد وأمنها.

ومع ذلك -تضيف المجلة- منذ عام 2016، أصبح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلفية للضيق الاقتصادي، الذي أعقب الوباء المتمثل في انخفاض النمو والتضخم المتفشي وأزمة تكلفة المعيشة.

ومن ثمّ فإنه بدلاً من تمهيد الطريق لاقتصاد ديناميكي مرتفع النمو ومنخفض الضرائب -وهي الوعود التي أطلقها حينها مروجو "بريكست"- بات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مرتبطًا بالعكس تمامًا (انخفاض النمو، واقتصاد عالي الضرائب).

 

سياق قاتم

وترى "ذا سبيكتاتور" أن ما سمته "السياق الاقتصادي القاتم للغاية" أصبح له تأثير سلبي كبير في دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

فكما تشير استطلاعات الرأي الحديثة، لم يعد الناخبون يرون "الفوائد الرئيسة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، مثل نجاح بريطانيا في تطوير برنامج لقاح كورونا الخاص بها، أو دورها الحاسم في أزمة أوكرانيا، لكنهم أصبحوا أكثر تشاؤمًا بشأن مستقبل البلاد بعد "بريكست".

وحسب المجلة، بات البريطانيون أكثر اقتناعًا بأن خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، يضر بأجورهم واقتصاد البلاد والخدمة الصحية الوطنية.

كما أن تجربة حزب المحافظين الكارثية مع "تروسونوميكس" -السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي دعت إليها رئيس الوزراء البريطاني السابق ليز تروس- تلعب دورًا في هذا التصور.

ففي حين أن رؤية تروس الجديدة لبريكست -التي كان من المفترض أن تعمل على تعزيز المكافآت للمصرفيين، وتحرير الخدمات المالية، وخفض الضرائب على أصحاب الدخول الأعلى، وتحرير الهجرة من خارج أوروبا- وحدت نخب حزب المحافظين والمتبرعين لهم، فإنها ببساطة لم ترق لمعظم ناخبي "بريكست" العاديين.

وأشارت المجلة البريطانية، إلى أن قلة من الناخبين من ذوي الياقات الزرقاء (العمال)، وغير الحاصلين على تعليم جامعي وكبار السن الذين توافدوا إلى المحافظين بعد عام 2016 يريدون تحقيق حلم فئة دافوس، بإنشاء قوة اقتصادية يقودها التمويل وتتركز في لندن.

وأوضحت أن هذه الهوة المتزايدة بين الطريقة التي تنظر بها النخب المحافظة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتحول الكبير بين الناخبين من الطبقة العاملة وغير الخريجين وكبار السن -الذين أيدوا القرار- يؤجج ازدياد "بريغريت" بين البريطانيين.

فمن الواضح -حسب المجلة- أن العديد من هؤلاء الناخبين لم يعودوا يعتقدون أن حزب المحافظين مهتم بتمثيل "أشخاص مثلهم"، ونتيجة لذلك، فإنه منذ عام 2019، انهار دعم الحزب بين ناخبي "بريكست" بنحو 30 نقطة.

ويرجع ذلك -بشكل رئيس- إلى فشل الحزب في البقاء على اتصال بهؤلاء الناخبين، لدرجة أن أقلية فقط من ناخبي "بريكست" يخططون لدعم الحزب الوحيد المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في السياسة البريطانية.

 

إلى أين؟

إلى أين يمكن أن يقود هذا التحول بريطانيا؟

أجابت "ذا سبيكتاتور": نجاح بوريس غونسون الأولي كان متجذرًا جزئيًا في كسب أكثر من ثلاثة أرباع الذين دعموا نايغل فاراغ -زعيم حزب بريكست البريطاني منذ عام 2019- لكن فشل حكومة المحافظين في الحد من الهجرة، والسيطرة على حدود بريطانيا، وتحسين حياة مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير المقيمين في لندن، يوفر مساحة لثورة شعبوية أخرى في السياسة البريطانية.

وبحسَب ما ورد، فقد انضم العديد من الأعضاء السابقين لحزب المحافظين إلى حزب الإصلاح البريطاني، الذي حل محل حزب الاستقلال البريطاني، الذي سبق أن كان ملاذًا للأعضاء الساخطين على حزب المحافظين.

وأشارت المجلة إلى أن هذا التحول من شأنه أن يضمن خسارة حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة، لافتة إلى أن العديد من ناخبي حزب المحافظين عام 2019 باتوا في حيرة من أمرهم بسبب التراجع الاقتصادي، ما يجعلهم مرة أخرى عُرضة لنوع من التمرد المتجدد على اليمين.

وأشار حزب الإصلاح البريطاني إلى أنه شهد انضمام 4534 عضوًا جديدًا، بعد تنحي تروس من منصب رئاسة الوزراء، نتيجة الضغوط التي واجهتها بسبب إقرارها سياسة الميزانية المصغرة، التي ألحقت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد البريطاني.

وترى المجلة أنه كان من المفترض أن يتعامل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع هذه التوترات في السياسة البريطانية، إذ بدا حينها أن الناخبين الذين ابتعدوا عن السياسة التقليدية عازمون على العودة إلى حظيرة الأحزاب الرئيسة، لكن مع ازدياد المشكلات الاقتصادية زادت أعداد "بريغريت" أي النادمين على قرار "بريكست"، ومن ثمّ فقدت هذه الأحزاب العديد من مؤيديها.

أمام ذلك، -حسب المجلة- أصبحت شريحة كبيرة من البلاد، مقتنعة تمامًا، بشكل متزايد، بأن نتيجة الاستفتاء كانت دعوة خاطئة، وفي الوقت نفسه ، يتمسك جزء كبير آخر من البلاد برؤية لـ "بريكست" تختلف اختلافًا جوهريًا عن تلك التي تُنفذ من قِبل حكامهم في وستمنستر، مضيفة: "بريغريت تنتشر بين البريطانيين".