فايننشال تايمز: أزمة العملات الأجنبية تضرب الاقتصاد المصري
للمرة الرابعة خلال ست سنوات، اضطرت مصر إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، الذي وافق -الشهر الماضي- على قرض بـ 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات

ترجمات – السياق
قالت صحيفة الفايننشال تايمز، إن تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر، تسبب في تضرر معظم الأعمال التجارية من مزارع الدواجن إلى مصنعي السيارات.
ذلك التراجع، الذي جاء في الوقت الذي يفكر فيه صانعو السياسات، في البلد الذي يستورد معظم أغذيته والعديد من المدخلات لصناعاته، في موعد وكيفية الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، لا يدعم فيه البنك المركزي الجنيه، دفع رواد الأعمال إلى التعبير عن شكاواهم من عدم وجود رؤية للمستقبل، بحسب الصحيفة البريطانية.
ومع نقص المعروض من العملات الأجنبية في مصر، أمضى رفيق كلوفيس ديسمبر الماضي، في انتظار معرفة ما إذا كان مصرفه سيكون قادرًا على توفير 67000 دولار يحتاجها لتمويل استيراد قطع غيار سيارات من أوروبا.
إلا أنه بحلول نهاية العام، لم تكن الدولارات التي احتاجها كلوفيس لأعماله متوفرة، ما جعل وارداته تتراجع إلى عُشر الرقم السنوي، بحسب «الفايننشال تايمز»، التي نقلت عن كلوفيس قوله: «الظروف كارثية. لا توجد دولارات وليس لديّ أي فكرة عن كيفية حل الأزمة. لديّ خمسة موظفين، ونحن الآن بالكاد ننجو بالاستعانة ببعض ما حققناه في السنوات السابقة».
أزمة الاستيراد
أزمة الاستيراد من الخارج، التي يعانيها كلوفيس، تشترك فيها شركات عدة، بينما تكافح مصر لحل مشكلة نقص العملات الأجنبية، بعد أن أدت الأسابيع الثلاثة الأولى من العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا في فبراير الماضي، إلى خروج 20 مليار دولار من التدفقات من أكبر دولة في الوطن العربي من حيث عدد السكان، حيث هرع مستثمرو المحافظ الأجنبية إلى الملاذات الآمنة، بحسب «الفايننشال تايمز».
ورغم الودائع البالغة 13 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر، فإن العملة الأجنبية ظلت تعاني حالة نقص شديد في المعروض، في البلد الذي يعتمد على استيراد معظم أغذيته.
وفي محاولة لحل تلك الأزمة، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قبل أسبوع، إن البنوك ستؤمن العملة الأجنبية اللازمة لتصفية الواردات المتراكمة في غضون أربعة أيام، من دون الخوض في التفاصيل، بينما قال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، إنه لا تزال هناك بضائع بـ 9.5 مليار دولار محتجزة في الموانئ المصرية.
وتقول «الفايننشال تايمز»، إن ارتفاع معدلات التضخم في مصر بعد الحرب الأوكرانية التي أثرت في السلع الأساسية مثل القمح، في البلد الذي يعد أكبر مستورد للحبوب في العالم، أدى إلى زيادة الضغوط على موارد العملة الأجنبية في البلاد، ما أجبر البنك المركزي المصري على خفض قيمة الجنيه مرتين، في مارس وأكتوبر الماضيين، بينما بلغ معدل التضخم في نوفمبر الماضي 18.7%، وهو أعلى معدل له في خمس سنوات.
اللجوء إلى صندوق النقد
للمرة الرابعة خلال ست سنوات، اضطرت مصر إلى اللجوء لصندوق النقد الدولي، الذي وافق -الشهر الماضي- على قرض بـ 3 مليارات دولار على مدى أربع سنوات، إلا أن جوهر الاتفاقية الموقعة مع المؤسسة الدولية، يكمن في التزام القاهرة بالانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، تحدد فيه قوى السوق قيمة العملة، وهو أمر طالما قاومته الحكومات المصرية، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي محاولة من البنك المركزي المصري للحفاظ على العملة الأجنبية، وضع في مارس الماضي قيودًا على الواردات، بينها «خطابات الاعتماد المستندية» للواردات، التي منحت الأولوية للسلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية، ما أدى إلى إبطاء عملية الاستيراد، وتسبب في تراكم الطلبات غير المستوفاة على الدولارات، إلا أن المصرف المركزي تراجع في 29 ديسمبر عن ذلك القرار.
وتقول «الفايننشال تايمز»، إن قيمة الجنيه المصري تراجعت من نحو 16 جنيهًا للدولار إلى 24.7 جنيه حاليًا، بينما يبلغ في السوق السوداء أقل من ذلك.
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في 22 ديسمبر الماضي، ما رفع سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 16.25 في المئة، بشكل تجاوز توقعات المحللين، وعكس القلق المتزايد من التضخم وهبوط الجنيه، وفقًا لشركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس، التي تتخذ من لندن مقرًا لها.
وتقول «الفايننشال تايمز»، إن الأعمال التجارية من مزارع الدواجن إلى مصنعي السيارات تضررت بشدة في ذلك البلد، الذي يستورد معظم أغذيته والعديد من المدخلات لصناعاته، مشيرة إلى أنه بينما يفكر صانعو السياسات في موعد وكيفية الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، حيث لا يدعم البنك المركزي قيمة الجنيه، يشكو رواد الأعمال عدم وجود رؤية للمستقبل.
رئيس شركة تعمل في مجال تربية الدواجن، يشكو من أن شحنات الحبوب، خاصة فول الصويا والذرة المستخدمة في العلف، عالقة في الموانئ بسبب نقص الدولار، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة البريطانية، مضيفًا: «كل يوم علينا أن نجد علفًا، وأحيانًا ينفد منا ولا تتغذى الطيور».
أضاف رئيس الشركة، الذي لم تكشف الصحيفة البريطانية هويته، أن بعض المنتجين العاملين في القطاع، اضطروا إلى التخلي عن بعض أعمالهم عن طريق بيع الطيور بخسارة، قبل بلوغها السن الذي عادة ما تُرسل فيه إلى الأسواق.
قتل الكتاكيت
وتابع: «السعر أقل بكثير من التكلفة، بعض المنافسين اضطروا لقتل الكتاكيت»، مشيرًا إلى أن «الانخفاض الكبير في المعروض من الدجاج المباع للحوم أدى إلى زيادة الأسعار بأكثر من 50%».
من جانبه، قال رئيس قسم تحليل الاقتصاد الكلي في البنك الاستثماري EFG-Hermes الذي يتخذ من القاهرة مقراً له محمد أبو باشا، إن التحول إلى سعر صرف مرن لا يمكن أن يحدث «بين عشية وضحاها»، مشيرًا إلى أن السلطات بحاجة إلى «بناء احتياطي من العملة الأجنبية أولاً بشكل مثالي للمساعدة في التخلص من الطلبات المتراكمة، قبل الانتقال إلى سعر الصرف».
بدوره، قال فاروق سوسة، الاقتصادي في بنك جولدمان ساكس، إن القاهرة تواجه خيارات صعبة في المدى القريب، في سعيها لتوفير السيولة الضرورية للتعامل مع الطلب على الدولار.
تدفقات خليجية
وأضاف: يمكن للبنك المركزي تصفية السوق من خلال الاستمرار في رفع أسعار الفائدة وتعويم العملة وتقييد المعروض النقدي، لكن التداعيات على الأسعار والنمو تنطوي على مشكلات»، مشيرًا إلى أن «الخيار المفضل للسلطات انتظار تدفقات من القطريين والإماراتيين والسعوديين لشراء أصول في مصر، لكن ذلك غير مؤكد أيضًا».
وتقول «الفايننشال تايمز»: في الوقت الذي يفكر فيه صانعو السياسات في الخيارات، فإن التوقعات بالنسبة للعديد من الشركات غير مؤكدة، بينما قال أحد كبار المديرين في شركة متعددة الجنسيات لتصنيع معدات السيارات، إن شركته كانت أفضل حالًا من معظم الشركات، لأنها كانت تعمل أيضًا في مجال التصدير، ما أتاح لها الوصول إلى العملات الأجنبية.
وأبدى المسؤول الذي لم تكشف «الفايننشال تايمز» هويته، تخوفه من نفاد الاحتياطات النقدية لدى شركته، بينما تبقى الشركة غير متأكدة مما إذا كانت ستقبل الطلبات الجديدة.
وأضاف: «لست متأكدًا من أنني سأكون قادرًا على تصفية المدخلات المستوردة لطلب جديد، وسأضطر إلى دفع الآلاف في رسوم الودائع بالميناء بينما أنتظر الدولارات»، متابعًا: «إذا وافق موردي في الخارج على تأجيل الدفع، وتمكنت من إخراج البضائع المتراكمة في الميناء، ربما يرتفع سعر الدولار بحلول الوقت الذي يتعين عليّ الدفع فيه».
وتابع: «من المحتمل أيضًا أن تواجه الشركة المصنعة للسيارات التي أزودها هنا مشكلات، لأن عملية توريد أجزاء أخرى فشلت، لذلك لا يوجد منتج نهائي ونحن نخسر جميعًا».