إفلاس وأزمات عاصفة... توقعات إفريقيا لعام 2023 مخيبة للآمال
انسحاب إريتريا من تيغراي لم يكن جزءًا من الصفقة، بينما يقول خبراء سياسيون: الزعيم الإريتري أسياس أفورقي يسعى للقضاء على جبهة تحرير تيغراي

ترجمات – السياق
يلملم عام 2022 أوراقه، طاويًا صفحة استثنائية على صعيد المتغيرات الدولية السياسية والجيواستراتيجية، بينما يستعد 2023 لدخول عالمنا سريع التغير والمشتعل بالأحداث، تحديدًا في إفريقيا.
ورغم أن القارة السمراء بعيدة عن صنع القرار الدولي، وليست في قاطرة قيادة العالم وأحداثه، فإن أي حدث -مهما بلغ عالميًا- يحدث صداه هناك وتتأثر به بشكل كبير.
إلى ذلك سلطّت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الضوء على أهم التوقعات التي قد تشهدها إفريقيا خلال العام الجديد، مشيرة إلى أن هناك انتخابات محورية في نيجيريا، واتجاهات أخرى ستعيد تشكيل القارة، فضلاً عن احتمال تعرض دولة مهمة مثل تونس لخطر الإفلاس.
ومن المقرر أن يكون العام المقبل مزدحمًا من الناحية السياسية في إفريقيا، حيث تُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية في 17 دولة إفريقية، ستكون لها تأثيرات كبيرة في القارة السمراء.
نيجيريا
رأت "فورين بوليسي" أن نيجيريا تقف على حافة هاوية، بسبب الوضع السياسي المتأزم قبل الانتخابات الرئاسية، المقررة في فبراير 2023، والانكماش الاقتصادي، وانعدام الأمن في البلاد.
وأشارت إلى أن سقف توقعات الناخبين الشباب في نيجيريا، الذين يمثلون 84% من الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية الجديدة، عالٍ جدًا بشأن التغيير الذي ستأتي به الانتخابات.
أمام ذلك، فإن الرئيس الجديد، تنتظره -حسب المجلة– قائمة طويلة من الأزمات، عليه التعامل معها، منها: ارتفاع معدلات البطالة، وعنف الجماعات المسلحة والفساد وغياب شبه كامل للمساءلة في المؤسسات الحكومية.
حسب المجلة الأمريكية –أيضًا- هناك قلق متنامٍ لدى المراقبين من أن الجماعات المسلحة ستقدم على عرقلة الانتخابات في أجزاء من نيجيريا.
ومع قرب الانتخابات في هذا البلد، تتجه الأنظار إلى الشباب الذين بمقدورهم تغيير موازين القوى بين الأحزاب الرئيسة، في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 217 مليون نسمة.
وذكرت المجلة، أن الشباب كانوا أكثر الفئات التي تعرضت لضرر بالغ، خلال عنف الدولة ضد الاحتجاجات، التي شهدتها نيجيريا عام 2020، وأيضًا من استبداد الرئيس الحالي محمد بخاري، الذي أعلن عدم خوضه الانتخابات.
وأشارت إلى أن نحو 84 بالمئة من الناخبين الجدد تقل أعمارهم عن 35 عامًا، ومع ذلك، فإن المرشحين الثلاثة الأوائل متقدمون جدًا في السن، ومتهمون بالفساد.
وقبل أشهر من إجراء الانتخابات، توترت الأجواء السياسية في نيجيريا، خاصة في أعقاب قرار الرئيس الحالي محمد بخاري، عدم خوض الانتخابات مجددًا.
يتنافس في الانتخابات أكبر حزبين: حزب المؤتمر التقدمي الحاكم وحزب الشعب الديمقراطي المعارض، بينما يشير مراقبون إلى أن حزب العمال ومرشحه بيتر أوبي، قد يُحدث مفاجأة انتخابية، خاصة في ضوء حصوله على دعم كبير من الشباب في نيجيريا.
ويقود حاكم ولاية لاغوس السابق بولا تينوبو (70 عامًا) حزب المؤتمر التقدمي الحاكم (إيه بي سي)، وهو متهم بالاحتيال والتهرب الضريبي.
ورغم إنكاره لهذه الادعاءات، فإن تينوبو سوى دعوى قضائية بـ 41.8 مليون دولار خارج المحكمة في يوليو الماضي.
وكان قد خاض دعوى قضائية أخرى في تسعينيات القرن الماضي، اتهمته فيها الحكومة الأمريكية بغسل عائدات تهريب الهيروين وتوصل في النهاية إلى تسوية بـ 460.000 دولار من دون توجيه لائحة اتهام.
بينما يقود أتيكو أبو بكر (76 عامًا) الذي خسر أمام بخاري في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، حزب الشعب الديمقراطي المعارض الرئيس.
ونفى أبو بكر مزاعم فساد ضده، إذ إنه عام 2010، زعم محققو مجلس الشيوخ الأمريكي أن زوجته الأمريكية ساعدت أبا بكر في نقل أكثر من 40 مليون دولار من "الأموال المشبوهة" إلى الولايات المتحدة.
في غضون ذلك، اتهمه أعضاء في مجلس الشيوخ النيجيري عام 2007 بتحويل أكثر من 100 مليون دولار من المال العام لمصالحه التجارية الخاصة.
ويعد بيتر أوبي، الشاب نسبيًا في سن 61، هو المفضل لدى الناخبين الشباب، لكن ترشيحه تعرض لضربة الأسبوع الماضي، عندما أدين رئيس حملته، دوين أوكوبي، بغسل الأموال من محكمة نيجيرية عليا.
واتهمت وكالة مكافحة الفساد النيجيرية أوكوبي عام 2019 -قبل أن يبدأ العمل لدى أوبي- بانتهاك قانون غسل الأموال.
وترى المجلة الأمريكية، أن أغلبية مشكلات نيجيريا بسبب عقود من الإهمال الحكومي.
ونقلت عن كولا توبوسون الباحث والناشط النيجيري، قوله: الخيارات الرئاسية "لا توحي بالثقة" بإمكانية حل هذه المشكلات، مضيفًا: "لم يضع أي من المرشحين خططًا موثوقًا بها لمعالجة انعدام الأمن".
ومن ثمّ -حسب المجلة الأمريكية- سيرث خليفة بخاري هذه القضايا الهيكلية نفسها، مشيرة إلى أنه خلال عام 2022 فشلت أكبر دولة منتجة للنفط في إفريقيا، في تحقيق مكاسب من الارتفاع الصاروخي للأسعار، في الوقت الذي تكافح فيه لضرب حصص أوبك، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سرقات النفط على نطاق واسع، والفشل في الحفاظ على البنية التحتية لخطوط الأنابيب، لافتة إلى أنه مع قلة عدد المصافي، تعتمد نيجيريا على واردات النفط لتلبية احتياجاتها المحلية.
وتوقعت المجلة أن تكون نيجيريا عُرضة لمزيد من المصاعب في 2023، بسبب العلاقات المتوترة بين الصين وروسيا والغرب، إذ تعتمد نيجيريا بشكل كبير على القروض الصينية والأسلحة الروسية، لكنها تتعرض لضغوط شديدة من الغرب.
بؤر سياسية
كما توقعت "فورين بوليسي" أن تتحول الانتخابات الرئاسية في دول إفريقية بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا وزيمبابوي إلى بؤر سياسية ساخنة عام 2023.
وأشارت إلى أنه من المقرر أن يكافح الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، الذي تولى منصبه بعد انتخابات مزورة عام 2018، للبقاء في السلطة وسط عنف الميليشيات.
وفي زيمبابوي، انشغل الحزب الحاكم بحبس خصومه، إذ سجنت إدارة الرئيس إيمرسون منانغاغوا، شخصيات بارزة من حزب "تحالف المواطنين من أجل التغيير" المعارض.
وحسب "أسوشيتد برس" من المرجح أن يخوض زعيم المعارضة الزيمبابوي نيلسون تشاميسا من "تحالف المواطنين من أجل التغيير" وهو أكبر كيان معارض في البلاد وجرى تشكيله مؤخرًا، غمار الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الحالي إيمرسون منانغاغوا.
وتثير طريقة قمع حزب "الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي- الجبهة الوطنية" الحاكم أي محاولة قد تشكل تهديدًا لسيطرته، مخاوف من وقوع اضطرابات قبل الانتخابات المقبلة، في تكرار لما عانته البلاد بسبب عدم الاستقرار أكثر من عقدين.
وفي جنوب إفريقيا، المركز الاقتصادي المهم في القارة، سوف يختار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي يحكم البلاد منذ نهاية نظام الفصل العنصري، زعيمه الجديد خلال مؤتمر للحزب في ديسمبر الجاري، ويعد هذا الأمر بالغ الأهمية في ضوء أن رؤساء البلاد منذ عام 1994 يتحدرون من حزب المؤتمر الوطني.
تشهد جنوب إفريقيا إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2024، ويأتي ذلك بينما يواجه الرئيس الحالي سيريل رامافوزا أزمة على وقع اتهامه بالتورط في عملية تبييض أموال، بينما تطالب المعارضة باستقالته، ما يعني أن حزب المؤتمر الوطني بزعامة رامافوزا يواجه تحديًا، وأنه أمام مفترق طرق مع قرب الانتخابات.
ويتعرض الحزب لانتقادات واتهامات، بسوء إدارة البلاد والتورط في قضايا فساد، وتبني سياسات متناقضة.
وبشكل عام -حسب المجلة الأمريكية- سيصوت الأفارقة للتغيير، لكن قد لا يحصلون عليه.
إثيوبيا
بالانتقال إلى الأوضاع في إثيوبيا، رأت "فورين بوليسي" أن عملية السلام هناك صعبة، مشيرة إلى أن القتال توقف بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر الماضي، لكن لا تزال هناك عقبات أمام نهاية دائمة للحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد منذ عامين.
وأشارت إلى أن انسحاب إريتريا من تيغراي لم يكن جزءًا من الصفقة، بينما يقول خبراء سياسيون: الزعيم الإريتري أسياس أفورقي يسعى للقضاء على جبهة تحرير تيغراي، التي قادت إثيوبيا خلال حرب حدودية ضد إريتريا بين عامي 1998 و2000.
ولا تزال الأعمال العدائية مستمرة في منطقة أوروميا، مسقط رأس رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حيث يُتهم جيش تحرير أورومو (أو إل إيه) بقتل مئات المدنيين، وكثيرون منهم من جماعة أمهرة العرقية.
إضافة إلى هذا المزيج القاتل، فإن ميليشيات الأمهرة التي قاتلت إلى جانب الجيش الإثيوبي في تيغراي، متهمة أيضًا بارتكاب فظائع في النزاعات الإقليمية.
وأوضحت المجلة أن هناك بوادر إيجابية للمصالحة، مع بدء الحكومة المركزية معالجة الأزمة الإنسانية في تيغراي، مشددة على أن أولويات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال 2023 ينبغي عليها أن تركز على فتح حوار المطالب الإقليمية وإدارة المنطقة.
الصومال
وقالت "فورين بوليسي" إن الصومال يتصدر قائمة الطوارئ لعام 2023 الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، وإن أكثر من 40% من الصوماليين يحتاجون حاليًا -أو سيحتاجون قريبًا- لمساعدات غذائية، إثر الجفاف الذي يضرب البلاد منذ 2020.
ورغم ذلك، فإن الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع في العالم لم تصنف الوضع المأساوي في الصومال بأنه مجاعة.
وأشارت إلى أن منطقة القرن الإفريقي تشهد أسوأ موجة جفاف عرفتها منذ 40 عامًا، حيث تضرر نحو 7.8 مليون صومالي من نقص الغذاء.
وقالت إنه من المتوقع أن يؤدي غياب موسم الأمطار للمرة الخامسة على التوالي إلى معاناة 8.3 مليون شخص، أي نصف سكان الصومال، جراء الجوع الشديد بحلول منتصف 2023.
وأعرب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي انتُخب في مايو، عن قلقه من أن يؤدي إعلان المجاعة إلى تحويل المساعدات الدولية من أولويات الحكومة الأخرى، بما في ذلك قتال المتمردين.
تونس
تطرقت "فورين بوليسي" إلى الوضع السياسي المتأزم في تونس، فقالت: إن "نظام الحكم فيها تحول إلى الديكتاتورية، في ظل حكم الرئيس قيس سعيد"، ورأت المجلة أن تونس على وشك الإفلاس، ما يدفع العديد من الناس للهجرة إلى أوروبا.
وبينت أن قيس سعيد حكم البلاد بمرسوم أكثر من عام، بعد إقالة رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي وحل البرلمان واعتماد دستور جديد لتقليص سلطة البرلمان.
وأشارت إلى أن 11.2 بالمئة فقط من الناخبين التونسيين شاركوا في انتخابات 17 ديسمبر في استعراض للقوة ضد حكم الرجل الواحد لـ "سعيد".
ورأت المجلة الأمريكية أن الوضع الاقتصادي مرشح للتفاقم عام 2023، وقد أرجأ صندوق النقد الدولي اجتماعًا لمجلس إدارته للنظر في منح قروض لتونس، كان من المقرر عقده في 19 ديسمبر الجاري، لأن ميزانية البلاد والإصلاحات الاقتصادية لعام 2023 لم تجهز.
وتوقعت المجلة أن يدفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والضغوط الاقتصادية الناجمة عن التضخم، التونسيين للخروج إلى الشارع عام 2023 للاحتجاج على حكم قيس سعيد.
رواندا
في رواندا، وصفت "فورين بوليسي" الرئيس بول كاغامي بأنه "توسعي"، مشيرة إلى أن رواندا متهمة بارتكاب جرائم حرب في الداخل ومطاردة المنشقين في الخارج.
وحسب المجلة، لا تزال إدارة كاغامي خامس أكبر مساهم في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على مستوى العالم، وهو ما يؤثر في صورتها العالمية.
وبينت أنه في موزمبيق ، تساعد القوات الرواندية في دحر المتمردين المرتبطين بـ "داعش" في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية.
في الوقت نفسه، تتابع رواندا تصنيع اللقاحات في إفريقيا، كما تطمح إدارة كاغامي إلى أن تصبح البلاد رائدة قارية في مجال الطاقة النووية المدنية ومركزًا للمهاجرين المرفوضين من أوروبا.
في المقابل، تواصل رواندا رفض دعم الهجمات شرقي الكونغو من جماعة متمردة من حركة 23 مارس من التوتسي.
ويقاتل الجيش الكونغولي عددًا من الجماعات المسلحة، على رأسها "حركة 23 مارس"، وهي مجموعة تمرد يهيمن عليها التوتسي الكونغوليون، وقد هُزمت عام 2013، لكنها استأنفت القتال نهاية العام الماضي، واحتلت أجزاء كبيرة من الأراضي شمالي غوما، عاصمة مقاطعة شمال كيفو.
وتتهم الكونغو الديمقراطية رواندا المجاورة بدعم الحركة، وهو ما أقره خبراء دوليون، لكن كيغالي تنفي ذلك وتتهم كينشاسا في المقابل بالتواطؤ مع "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، وهم متمردون هوتو روانديون تمركزوا في الكونغو الديمقراطية، منذ الإبادة الجماعية للتوتسي عام 1994 في رواندا.