مجلة بريطانية: لندن تدفع ثمنًا باهظًا لأوهام الطاقة الخضراء
رغم أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، تسبب في صدمة عالمية للطاقة، فإن مواجهة الحكومة البريطانية للأزمة تشير إلى فشل داخلي عميق

ترجمات - السياق
"نحن ندفع ثمنًا باهظًا لأوهام نخبنا الخضراء"، تحت هذا العنوان، انتقدت مجلة سبايكد السياسية البريطانية، تفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، خصوصًا بريطانيا، يومًا تلو الآخر مع انتصاف الشتاء، الذي يشهد ذروة الطلب على الغاز لتدفئة المنازل، وسط نقص حاد في الإمدادات الروسية، التي طالما زودت القارة العجوز بما يقرب من نِصف احتياجاتها.
كانت الشبكة الوطنية البريطانية، حذرت -في أكتوبر الماضي- من أن البلاد قد تواجه انقطاعات مخططة للتيار الكهربائي لمدة 3 ساعات عن المنازل والشركات هذا الشتاء، إذا لم تستطع المملكة المتحدة استيراد الكهرباء من أوروبا، وتكافح لجذب المزيد من إمدادات الغاز لتشغيل محطات الكهرباء التي تعمل به.
وبينت المجلة، أن معظم البريطانيين لم يدركوا في ذلك الوقت التحذير الخطير من انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء.
وأشارت إلى أن الشبكة الوطنية، أُجبرت -بدافع اليأس المطلق- على دفع 9700 جنيه استرليني لكل ميغاواط/ساعة لتأمين إمدادات الطوارئ من الخارج، أي أكثر من 5000 في المئة من السعر المعتاد.
أمام ذلك، أوضحت المجلة، أن إمدادات الطاقة لم تكن قادرة على مواكبة الطلب، ما دفع الأسعار إلى مستويات جديدة غير مسبوقة.
ضرورة قصوى
ورأت "سبايكد" أن أزمة الطاقة التي بدأت العام الماضي، أعادت للأذهان أمرًا مؤلمًا للغاية -بدا أن الطبقة السياسية مصممة على نسيانه- أن الإمداد الآمن بالطاقة ضرورة قصوى، وليس إضافيًا اختياريًا، لاقتصاد حديث فعّال.
وأشارت إلى أنه رغم أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، تسبب في صدمة عالمية للطاقة، فإن مواجهة الحكومة البريطانية للأزمة تشير إلى فشل داخلي عميق.
ونوهت إلى أنه على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية أو نحو ذلك، أقنع القادة في بريطانيا أنفسهم بأن الهدف الوحيد لسياسة الطاقة يجب أن يكون التخفيف من تغير المناخ، لتقليل البصمة الكربونية لإنتاج الطاقة، مبينة أنه نتيجة لذلك، لم يهمل السياسيون -باختلاف الأحزاب- إمدادات الطاقة والبنية التحتية فحسب، بل إن خياراتهم السياسية المتعمدة جعلتهم أكثر خطورة.
وأفادت المجلة بأنه خلال الفترة التي سبقت الأزمة، تفاخر السياسيون بخططهم لتخليص المملكة المتحدة من النفط والغاز والفحم، إذ وقف الوزراء يلتقطون بفخر صورًا احتفالية أمام محطات توليد الكهرباء المهدمة.
بينما تنافست الأحزاب السياسية للمضي قدمًا إلى أبعد من ذلك وأسرع في "الحد من الانبعاثات"، ما يعني -من الناحية العملية- استنزاف إمدادات الطاقة في بريطانيا.
وأوضحت أنه وسط كل ذلك "انغمس كل حزب رئيس ووسائل الإعلام الرئيسة والمجتمع المدني على نطاق أوسع، في الخيال المتمثل بأننا لسنا بحاجة إلى التنقيب عن الغاز أو التنقيب عن النفط أو التنقيب عن الفحم، حتى الطاقة النووية المحايدة الكربون تمت شيطنتها ورفضها".
وحسب المجلة، تصورت الحكومات البريطانية المتعاقبة أنه يمكن الاعتماد على المناخ في البلاد، لكسب طاقة خضراء نظيفة، بديلة لإمدادات الطاقة الاعتيادية، لكنهم نسوا أمرًا مهمًا أن المشكلة الكامنة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تتمثل في تقطعها باستمرار، إذ إنه عندما لا تهب الرياح أو لا تشرق الشمس، لا يمكنهم إنتاج الطاقة، ومن ثمّ لن يكون التخزين على نطاق واسع قابلاً للتطبيق قريبًا.
وقالت: "تعد الرياح والطاقة الشمسية أقل إنتاجية في الشتاء، عندما يكون هناك أقل قدر من الرياح وضوء الشمس، وبالتحديد الوقت من العام الذي يكون فيه الطلب على الطاقة في أعلى مستوياته، أي عندما نحتاج إلى تدفئة منازلنا خلال تلك الليالي الطويلة المتجمدة"، مضيفة: "تضعنا مصادر الطاقة المتجددة أساسًا تحت رحمة العناصر".
وبينت أنه لفترة من الوقت، كان من الممكن الاعتماد على الغاز الرخيص لتعويض النقص المستمر في الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة، لكن "ليس بعد الآن".
وأفادت بأن الحجم الهائل لأزمة الطاقة -خاصة التكلفة التي تتحملها حالة دعم فواتير الطاقة المنزلية- أدى إلى انعكاس جزئي هذا العام.
مواجهة المخاطر
لمواجهة هذه المخاطر، كشفت "سبايكد" عن إصدار سلسلة من تراخيص الحفر الجديدة لنفط وغاز بحر الشمال، بينما ناشد مجلس الوزراء، شركات النفط والغاز للاستثمار في بنية تحتية جديدة، ما يهدد المبادرات الحكومية المستمرة منذ سنوات (أي إس جي) -المعنية بالحفاظ على البيئة والمجتمع- التي صُممت لخنق هذا الاستثمار.
كما أعيد فتح العديد من منشآت تخزين الغاز الطبيعي الخام الضخمة، منها منشأة "راف" شرقي يوركشاير، التي كانت -في يوم من الأيام- الأكبر في المملكة المتحدة، والتي أغلقت عام 2017.
حتى الفحم بدأ العودة، إذ صدرت تعليمات لمحطات توليد الطاقة بالفحم، التي كان من المقرر إغلاقها، بالبقاء في وضع الاستعداد لمواجهة حالات الطوارئ هذا الشتاء.
وتعليقًا على ذلك، ترى المجلة، أنه عندما يتعلق الأمر بالدفع، يضطر حتى السياسيون ذوو الميول الخضراء إلى إدراك أن تجنُّب انقطاع التيار الكهربائي أهم ألف مرة من تجنُّب انبعاثات الكربون، مضيفة: "يمكن أن تنتظر حالة الطوارئ المناخية دائمًا، بينما لا يمكن أن ينتظر الناس طويلًا في ظل ظلام دامس".
ومع ذلك، فإن هذه التغييرات مازالت قليلة ومتأخرة جدًا، حسب المجلة التي أشارت إلى أنه لا تزال الطبقة السياسية تنظر إليها على أنها تدابير طارئة، وكاستجابة للنقص الحاد في الطاقة فقط.
وبينت أن الحكومة لا تزال مصممة على منع التكسير الهيدروليكي في المملكة المتحدة، وترك الاحتياطات الهائلة من الغاز الصخري في الأرض، حتى في الوقت الذي تتوسل فيه إلى الولايات المتحدة لتزويدها بالغاز الصخري.
وأوضحت أن "حياد الكربون" الهدف المتمثل في الوصول إلى حيادية الكربون في جميع أنحاء الاقتصاد بحلول عام 2050، ليس فقط مجرد قانون وُضع مؤخرًا، وإنما لا يزال يُشكل الطريقة التي تفكر بها النخبة في بريطانيا على المدى الطويل.
بالنسبة للعديد من السياسيين والنشطاء، فإن أزمة الطاقة مجرد ذريعة أخرى للضغط لتحقيق أهداف خضراء، إذ يرون أنه حان الوقت لتسريع الانتقال، بعيدًا عن الوقود الأحفوري -رغم أنه أكثر ثقة من حيث الوجود والاعتماد عليه- مع مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة، غير الموثوق باستخدامها وإمكانية الاعتماد عليها.
وترى المجلة أن مؤيدي "حياد الكربون" لا يهتمون بتأمين إمدادات وفيرة من الطاقة، وإنما على العكس تمامًا يريدون من الحكومة "إدارة الطلب" على الطاقة.
وفي ذلك، تقول لجنة تغير المناخ، التي تقدم المشورة لحكومة المملكة المتحدة بشأن إزالة الكربون، إن 62 في المئة من التخفيضات المذهلة للانبعاثات، يجب ألا تأتي من البنية التحتية للطاقة الجديدة الخالية من الكربون أو عمليات الإنتاج، لكن من "تغيير السلوك والاختيارات الفردية".
وتصف المجلة هذا التعبير -تغيير السلوك والاختيارات الفردية- بأنه "ملطف" في محاولة لاستخدام طاقة أقل، وهذا بدوره يعني إنتاج كميات أقل، واستهلاكًا أقل، وسفرًا أقل، والتمتع بمستوى معيشي أقل.
وأضافت: "بصرف النظر عن عمق أزمة الطاقة، فإن التفكير الأخضر الذي دفعنا إلى هنا لم يتغير إلى حد كبير، و هذا ما نحتاج إلى تحديه عام 2023، وبذلك علينا أن نرفض الفكرة الكارهة للبشر التي تزعم أننا نستطيع أن نعيش بطاقة أقل، وأننا لابد أن نعيد تشكيل مجتمعاتنا بشأن تقلبات الطقس"، مستدركة: "يجب أن نطالب بعالم تتوافر فيه مصادر طاقة أكثر".