اتهامات بالتجسس... تيك توك أزمة جديدة بين الصين وأمريكا

 لماذا ترى الولايات المتحدة تيك توك تهديدًا لأمنها القومي؟

اتهامات بالتجسس... تيك توك أزمة جديدة بين الصين وأمريكا

ترجمات - السياق

عددت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الأسباب التي أوصلت تطبيق تيك توك الصيني، إلى أن يكون سببًا لأزمة دبلوماسية كبرى بين قطبي الأرض (واشنطن وبكين)، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تهدد بإغلاق التطبيق -الذي وصفته الصحيفة بأنه أكبر آلة انتشار في العالم- بعد أن غزا الكوكب، متسائلة: "هل يستطيع النجاة والاستمرار؟".

 وأشارت إلى أنه في 10 مارس الماضي -أي بعد أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا- عقد البيت الأبيض اجتماعًا على تطبيق زووم عن الغزو الروسي لأوكرانيا مع 30 من أشهر مستخدمي تطبيق تيك توك، للترويج لرسالته ضد الحرب.

تركزت المكالمة على دور الولايات المتحدة في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، واستضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنذاك جين بساكي، والمستشار الخاص للاتصالات في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض مات ميلر.

وأطلعت بساكي وميلر، أصحاب حسابات تطبيق تيك توك المؤثرين على الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، كما أجابا عن أسئلة بشأن توزيع المساعدات على الأوكرانيين والعمل مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إضافة إلى رد الفعل الأمريكي حال استخدام روسيا الأسلحة النووية.

جاء الاجتماع بأعقاب جهد مماثل في صيف 2021، حيث جند البيت الأبيض العشرات من "تيك توكرز" للمساعدة في تشجيع الشباب على التطعيم ضد كورونا.

وأوضحت الصحيفة، أنه بعد أكثر من 3 سنوات على معركة الولايات المتحدة ضد شركة هواوي الصينية، بدأت واشنطن جولة جديدة من تلك الحرب الاقتصادية والسياسية الطويلة، تتمثل في تطبيق تيك توك.

وتقول الولايات المتحدة إن تطبيق تيك توك يُمثل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، وإن بيانات المستخدمين الأمريكيين في قبضة شركة بايت دانس المالكة للتطبيق، التي تخضع نظريًا لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

 

التطبيق الأشهر

منذ اجتماع كورونا، ثم لقاء بساكي وميلر بمشاهير "تيك توك"، أصبح التطبيق -حسب "نيويورك تايمز"- أكثر انتشارًا وشيوعًا، في الأشهر التي تلت ذلك.

ونقلت عن مدير الاستراتيجية الرقمية في البيت الأبيض روب فلاهيرتي، قوله: "نحن ندرك أن هذا طريق مهم للغاية في الطريقة التي يكتشف بها الجمهور الأمريكي آخر التطورات، لذلك أردنا التأكد من حصولك على أحدث المعلومات من مصدر موثوق".

ووفقًا لمركز بيو للأبحاث، يُفضل ثلث البالغين في الولايات المتحدة، الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، و15 في المئة من الذين تراوح أعمارهم بين 30 و49 عامًا، الحصول على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا، عندما نظم الرئيس الأمريكي جو بايدن احتفالاً مع المشرِّعين بمرور قانون خفض التضخم، تلقى أكثر من عشرين شخصًا من نجوم "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" دعوات خاصة للحضور.

في الوقت نفسه، دخلت إدارة بايدن -لأكثر من عام- في مفاوضات مع "بايت دانس"، الشركة الصينية التي تمتلك "تيك توك" بشأن مخاوف الأمن القومي المحيطة بالتطبيق.

ووصل الأمر حد منع موظفي البيت الأبيض من تنزيل التطبيق على هواتف العمل الخاصة بهم.

ويستعد أعضاء الكونغرس لحظر "تيك توك" على أجهزة موظفي الإدارات المدنية، لأنه يشكل تهديدًا للأمن القومي، بينما اتخذ عدد من الولايات هذه الخطوة، التي تجعل هذا التطبيق في وضع حساس بالولايات المتحدة، حيث بات وجوده بحد ذاته مهددًا.

وبعد مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، قد يتبنى مجلس النواب هذا الأسبوع، نصًا يمنع الموظفين من تحميل "تيك توك" واستخدامه على أجهزة إدارات الدولة الفدرالية الأمريكية.

واتخذت عشرين ولاية أمريكية -حتى الآن- إجراءات مماثلة لموظفيها.

أمام هذا التناقض، ترى الصحيفة الأمريكية، أنه قد يكون نهج الإدارة الأمريكية المتناقض تجاه "تيك توك" -احتضانها للتطبيق كقناة حيوية للجمهور، وخوفها من التطبيق كأداة محتملة للتأثير الأجنبي- استجابة مناسبة للمشكلة التي يطرحها التطبيق.

وفسَّرت الصحيفة ذلك، بأن "تيك توك" تمكن -بين عشية وضحاها- من إعادة تشكيل الثقافة الأمريكية، على كل المستويات، من الوسائط والموسيقى إلى الميمات والمشاهير.

فقد ساعد "تيك توك" المغنية الأمريكية أوليفيا رودريغو في الانتشار والشهرة بطريقة أسرع، ودفع المؤلف كولين هوفر إلى قمة قائمة الكتب الأكثر مبيعًا.

ورأت الصحيفة أن "تيك توك" صاغ عبارات مميزة خلال عام 2022، وقدَّم لهجة جديدة بين الأمريكيين، تنتشر الآن عبر الثقافة الشعبية.

بينما أعادت الشركات والعلامات التجارية الكبرى، من جولدن فيش إلى برادا -دار أزياء إيطالية- توجيه مليارات الدولارات من الإعلانات إلى المنصة، تقديرًا لمدى وصولها الشامل إلى قاعدة كبيرة من المتابعين، واستطاعتها تحويل أي منتج جديد إلى علامة تجارية في وقت قصير.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه خلال العام الماضي، كانت زيارات موقع تيك توك أكثر من "غوغل"، وتخطت دقائق مشاهداته في الولايات المتحدة موقع يوتيوب، لافتة إلى أنه بينما استغرق "فيس بوك" ما يقرب من تسع سنوات للوصول إلى مليار مستخدم، فعلها "تيك توك" في خمس سنوات فقط.

 

أسباب النجاح

وعن أسباب النجاح، بينت "نيويورك تايمز" أن النجاح الاستثنائي للتطبيق، أصبح أكثر بروزًا من خلال أنه نتاج أكبر منافس جيوسياسي للولايات المتحدة "الصين"، مشيرة إلى أنه رغم عقود من المحاولة، لم تستطع أي شركة صينية غزو المجتمع الأمريكي مثل "تيك توك".

ورأت أنه من الصعب تخيل شركة روسية أو إيرانية -أو حتى شركة صينية أخرى- تحقق إنجازًا مشابهًا.

أمام هذا النجاح وذاك الانتشار، أثار "تيك توك" مخاوف مستمرة وطويلة الأمد، بشأن تعرضه للاستغلال والتلاعب من الحكومة الصينية.

فخلال العام الماضي، على وجه الخصوص، تعرض "تيك توك" لهجوم إعلامي كبير، إذ لم يمر أسبوع واحد إلا وينشر كشف جديد عن ممارسات البيانات المشكوك فيها، والضمانات الداخلية المتقطعة للشركة.

وفي الأشهر الستة الماضية فقط، اتُهم "تيك توك" و"بايت دانس" بالكذب بشأن وصول الموظفين الموجودين في الصين، إلى بيانات المستخدم الأمريكية، باستخدام تطبيق إخباري لدفع محتوى مؤيد لبكين إلى الخارج، والسماح لحسابات وسائل الإعلام الحكومية الصينية بالعمل من دون رادع، فضلاً عن زيادة المساحات لانتقاد السياسات الأمريكية.

وتعود مخاوف واشنطن من أنه مع تزايد انتشار "تيك توك"، رغم أن شعبيته وفرت له -حتى الآن- بعض العزل ضد الإجراءات الحكومية الصينية، قد يصبح بمرور الوقت أداة كبيرة في يد حكومة بكين، تستطيع من خلاله قلب الأوضاع لصالحها.

وحيال ذلك، طالب العديد من المسؤولين بضرورة إغلاق التطبيق نهائيًا، سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها.

ففي نوفمبر الماضي، أكد المفوض في لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، بريندان كار، أنه يجب على حكومة الولايات المتحدة حظر تطبيق "تيك توك"، بدلاً من التوصل إلى اتفاقية تتعلق بالأمن القومي، مع تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تسمح له بمواصلة العمل في أمريكا.

وقضت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي هيئة حكومية متعددة الوكالات، مكلفة بمراجعة الصفقات التجارية التي تنطوي على ملكية أجنبية، شهورًا في التفاوض مع الشركة المالكة لـ "تيك توك"، بشأن اقتراح لحل المخاوف من أن السلطات الحكومية الصينية قد تسعى للوصول إلى بيانات التطبيق الشهير الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين.

بينما شدّد السيناتور الديمقراطي، مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، على أن "تيك توك" يُشكل "تهديداً هائلاً"، موضحًا أن "كل تلك البيانات التي يدخلها ابنك ويتلقاها تخزن في مكان ما ببكين".

 كما أعاد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، مخاوف المكتب المتعلقة بالأمن القومي، عندما أخبر لجنة بمجلس النواب بأن وصول الحكومة الصينية المحتمل إلى بيانات المستخدمين الأمريكيين أو برامجهم من خلال "تيك توك" سبب "قلقه الشديد".

السناتور الجمهوري ماركو روبيو كان قد أعلن عن تشريع مدعوم من أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لحظر "تيك توك"، ما يزيد الضغط على شركة بايت دانس المالكة للتطبيق، وسط مخاوف أمريكية من إمكانية استخدام التطبيق في التجسس على الأمريكيين، واستنكار للمحتوى الذي يقدم من خلاله.

وطالب التشريع بحظر جميع التطبيقات "الخاضعة لتأثير كبير" من قِبل الصين وروسيا وخصوم أجانب.

 في غضون ذلك، يقال إن إدارة بايدن تقترب من إبرام صفقة مع "تيك توك"، تتضمن السماح للتطبيق بالعمل داخل الولايات المتحدة، لكن من خلال شركة أمريكية أخرى.

بينما قال كيمبا والدن، النائب الرئيس لمدير الإنترنت الوطني، في مؤتمر لقادة التكنولوجيا: "البيت الأبيض لم يتخذ أي قرار نهائي بشأن الحظر"، لكنه أعرب عن دعمه "لأي إجراء من شأنه رفع مستوى الأمن".

أمام هذه المخاوف، حظرت ولايات ماريلاند وساوث داكوتا وكارولينا الجنوبية ونبراسكا وتكساس وألاباما ويوتا استخدام التطبيق على أجهزة الدولة.

 

حصان طروادة

وترى "نيويورك تايمز" أنه رغم تغير العالم، من خلال انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي، والتواصل السريع بين شتى الشعوب، فإنه في الولايات المتحدة، يعد التشدد مع الصين أحد المجالات القليلة للاتفاق بين الحزبين.

في هذا السياق الجيوسياسي المشحون، يُعد "تيك توك" حصان طروادة للتأثير الصيني أو للتجسس أو ربما لكليهما.

في غضون ذلك، في الصين، سعت حملة واسعة النطاق إلى كبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى ومؤسسيها، خوفًا من أن يصبحوا -بنفوذهم واستقلالهم وشعبيتهم- قواعد قوة بديلة للحزب الشيوعي الصيني.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الحملة ليست سوى جزء من برودة سياسية واجتماعية أوسع، تهدد بإعادة البلاد إلى أيام ماو تسي تونغ مؤسس الجمهورية الصينية، أي بمزيد من الإغلاقات والعزلة الدولية.

أمام ذلك، فإن "تيك توك" نفسه غير متوافر حاليًا في الصين، إذ يجب على المستخدمين هناك الوصول إلى تطبيق بايت دانس مختلف، يتبع توجيهات الحكومة الصينية بشأن الرقابة والدعاية.

وبينت الصحيفة، أنه قبل بضع سنوات فقط، بدا ظهور "بايت دانس" كأنه نذير حقبة هيمنة التطبيقات الصينية، ولكن في الواقع، سيكون من الصعب العثور على شركة أكثر وعيًا، على غرار عمالقة التكنولوجيا في أمريكا.

ومن ثمّ فقد استوعب مؤسس "بايت دانس" أسطورة وادي السيليكون، مع الأخذ في الاعتبار الفكرة التي روَّجت لها واشنطن منذ فترة طويلة، بأن السوق الأمريكية كانت الجائزة الكبرى، وأنها ترحب بأي رائد أعمال لديه الموهبة والطموح للنجاح، ولكن الآن، مع ارتفاع الجدران على جانبي المحيط الهادئ -بسبب تفاقم الصراعات الأمريكية الصينية- يبدو أن "تيك توك" من المرجح أن يكون الأول والأخير من نوعه.

وترى الصحيفة أن الشركة عالقة في المنتصف، بين العصرين القديم والحديث، فهي (صينية جدًا بالنسبة لأمريكا، وأمريكية جدًا بالنسبة للصين).

 

التأسيس

وعن طريقة تأسيس شركة بايت دانس، بينت "نيويورك تايمز" أن مؤسسها هو المبرمج الصيني تشانغ يى مينغ، الذي بدأ حياته مهندسًا بسيطًا في شركة مايكروسوفت، إلا أنه سريعًا ما أنشأ شركته الخاصة باسم "تشانغ 99 فانغ" التي كانت محرك بحث عن العقارات، لكن كانت لديه طموحات لبناء شيء أكبر، إذ كانت قصة مارك زوكربيرج مؤسس "فيس بوك" وتسلقه إلى القمة مصدر إلهام له.

ولد تشانغ يى مينغ في أبريل 1983، وسرعان ما أبهر من حوله بعقليته المدققة في التكنولوجيا، ليشجعوه على دخول هذا المجال، فالتحق عام 2001 بجامعة نانكاي في تيانغين، حيث تخصص في الإلكترونيات الدقيقة، قبل أن يتحول إلى دراسة البرمجيات، ليتخرج عام 2005، محملًا بأفكار أكبر من إمكاناته.

عام 2006 التحق تشانغ بموقع السفر الشهير "كوكسون"، ليرتقي منصب المدير الفني للموقع بعد عام واحد فقط، قبل أن يتلقى عرضًا عام 2008 للعمل لدى عملاقة البرمجة والتكنولوجيا "مايكروسوفت"، التي تمرد على نظام العمل فيها، وسرعان ما غادرها إلى شركة فان فو، لكنه عاد إلى شركة كوكسون مرة أخرى، كمالك لها هذه المرة.

 ومع تحول العالم من استخدام الحواسيب إلى الهواتف الذكية، تحول عقل تشانغ أيضًا إلى التكنولوجيا الأحدث، حيث اختار مديرًا تنفيذيًا لشركته، واستقال ليبدأ مشوارًا جديدًا مع "دانس بايت" عام 2012، التي أحدثت حالة مختلفة في العالم.

ومع حصوله على التمويل اللازم للعمل على تطوير التطبيقات العاملة بالذكاء الاصطناعي، أطلق تشانغ تطبيق توتياو للأخبار، الذي جذب أكثر من 13 مليون مستخدم يوميًا، خلال عامين، حتى أن شركة سكويا كابيتال، التي رفضت تمويل أفكاره في البداية، عرضت عليه استثمارات بـ 100 مليون دولار أمريكي عام 2014.

أما الخطوة الأكثر نجاحًا في مشواره، فكانت في سبتمبر 2016، عندما أطلق تشانغ تطبيق مشاركة الفيديو "تيك توك"، المعروف باسم "دو يين" في الصين، الذي أصبح الأكثر شعبية في العالم، ولم يكن له منافس سوى تطبيق ميوزيكلي، الذي سرعان ما اشتراه تشانغ لينفرد بالساحة، حتى أن تطبيقه بلغ 500 مليون مستخدم يوميًا عبر العالم، ما أثار خوف الولايات المتحدة، التي أعلنت عداءها للتطبيق.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه بعد بضعة أشهر من تأسيس "بايت دانس"، زار مات هوانغ، وهو مستثمر أمريكي وصاحب رأس مال مغامر، بكين للاطلاع على المشهد التكنولوجي، وبينما هو هناك أخبره أحد الأصدقاء بـ "بايت دانس"، فقرر لقاء صاحبها.

عندما وصل هوانغ إلى مكاتب الشركة، وجد عملية متواضعة، حيث أشرف تشانغ على نحو 20 شخصًا محشورين في شقتين، لكن بعد نحو ساعتين من المحادثة، كان هوانغ مستعدًا للاستثمار في فكرة تشانغ، رغم التردد بشأن نموذج العمل.

وقال هوانغ: "كنت متشككًا في الفكرة لكنني أذهلني الشخص".

في أغسطس 2012، أطلقت "بايت دانس" الإصدار الأول من "توتياو" -وهي منصة أخبار ومحتوى معلومات صينية- باسم "عناوين اليوم".

ويقول تشانغ عن هذه الفترة: "قررنا ترك كل مستخدم، كل لحظة، يرى صفحة الأخبار الأولى الخاصة به".

وحسب الصحيفة، كان توتياو رائدًا في النظام الذي ستأخذه "تيك توك" لاحقًا إلى الهيمنة العالمية.

وعن الاختلافات بينه وبين التطبيقات الأخرى، بينت الصحيفة، أنه بينما تطلب منصات المحتوى الأخرى، مثل "فيس بوك" و"تويتر"، من المستخدمين تجميع الأصدقاء والمعارف يدويًا، التي تملأ منشوراتها خلاصة المستخدم، فإنه على النقيض من ذلك، لم يهتم "توتياو" بمن تعرفه، فقط بما أعجبك.

لم يتطلب أيضًا أي تسجيل على الإطلاق -فلا حاجة لإنشاء حساب ولا كلمة مرور، ولا لوصف الاهتمامات ولا التفضيلات- كما تُقدم مقالات للمستخدمين ببساطة عند تنزيل التطبيق.

واستنادًا إلى كيفية تفاعل المستخدم مع جزء من المحتوى، قراءة المقالة بأكملها أو بضع جمل فقط، والتوقف مؤقتًا على فقرة معينة، والتمرير سريعًا للأعلى لقراءة شيء ما مرة أخرى، وترك تعليق، بدأت تقنية توتياو الأساسية إنشاء تصور لهذا المستخدم وماذا يريد.

لكن -حسب الصحيفة- أفضل ما في الأمر أن محرك التوصيات أصبح أفضل مع كل استخدام، فزيادة عدد المستخدمين تعني المزيد من البيانات، التي تعني بدورها خوارزمية أكثر ذكاءً، التي تعني أيضًا المزيد من المستخدمين، وهكذا

أمام ذلك، وصل التطبيق إلى مليون مستخدم يوميًا في المتوسط، ​​بعد أربعة أشهر فقط من بدايته.

ووفقًا لإحدى الإحصائيات، بلغت الإيرادات من لا شيء تقريبًا عام 2014 إلى 2.5 مليار دولار عام 2017.

لكن كلما زاد حجم الإيرادات، زادت الانتقادات التي واجهتها "توتياو"، إذ يقول المنتقدون إن التطبيق يلبي اهتمامات الإنسان الأساسية - شائعات المشاهير، والفضائح، والكوارث، والعنف- لإبقاء المستخدمين متصلين لأطول فترة ممكنة، بعيدًا عن المحتوى الهادف.

وحسب الصحيفة، يقضي المستخدم العادي أكثر من ساعة يوميًا على التطبيق، حيث كان "توتياو"، من حيث الإيرادات، أحد أسرع التطبيقات نموًا في تاريخ الإنترنت.

ووفقًا للصحافة التجارية الصينية، وضع تقييم داخلي للشركة الحجم الإجمالي لسوق تغذية الأخبار في الصين بقرابة 240 مليون مستخدم يوميًا في المتوسط، ومن ثمّ إذا طالبت "توتياو" بنصف الكعكة، ستصل بحد أقصى إلى 120 مليون مستخدم يوميًا، لكن للاستمرار في النمو، كان على الشركة أن تتمدد في الخارج.

عام 2014، زار تشانغ وادي السيليكون مع مجموعة من المؤسسين الصينيين، وقام بجولة في مكاتب "فيس بووك" و"تيسلا" و"إير بي إن بي".

خلال ذلك، اكتشف وجود هواتف شاومى الصينية في أيدي عمال التكنولوجيا الأمريكيين.

وبعد عودته إلى بكين، لخص تشانغ مشاعره على مدونته، قائلًا: "العصر الذهبي لشركات التكنولوجيا الصينية قادم".

 

تغيرات صينية

وبينت "نيويورك تايمز" أنه بينما كانت "بايت دانس" تندفع للخارج، كانت الصين تتغير، مشيرة إلى أنه عندما بدأ تشانغ الشركة، أول مرة، عام 2012، لم يكن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد تولى السلطة، وكان من الممكن تصور أن الدولة تتحرك على مسار، مهما كان تدريجيًا وغير متساوٍ، نحو إصلاح وانفتاح أكبر.

لكن في عهد شي، تلاشى هذا الأمل، إذ إنه منذ أن تولى منصبه، شرع في إعادة تأكيد بعيد المدى لسلطة الدولة وقبضتها.

ومن أولويات شي إطلاق حملة واسعة النطاق على التكنولوجيا الكبيرة، كجزء من جهد أوسع لكبح جماح الشركات الخاصة.

وفي حين أن أغلبية شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مُنعت -منذ فترة طويلة- من العمل داخل الصين، كان التسامح مع العمالقة المحليين في البلاد، بل حتى رعايتهم، لكن خوفًا من أن تشكل ثروة ونفوذ شركات التكنولوجيا تهديدًا لسلطة الحزب والاستقرار الاقتصادي، عاقبت الحكومة الصينية هذا القطاع، وفرضت عليه الغرامات، ونظمته بما يتماشى مع أهداف الحزب الحاكم.

ويُنظر إلى قطاع التكنولوجيا في البلاد على أنه تجسيد للديناميكية الاقتصادية للصين، وحامل القوة الصينية الناعمة في الخارج، وتم تذكير قطاع التكنولوجيا بأنه تحت رحمة بكين.

أمام ذلك، وضعت مجموعة كبيرة من التشريعات التي تحدد أولويات الحكومة مع هذه الشركات.

وأوجب قانون الأمن السيبراني وقانون الاستخبارات الوطنية، اللذان دخل كل منهما حيز التنفيذ عام 2017، مسؤوليات قانونية للشركات والصينيين، للمساعدة في أنشطة التحقيق وجمع المعلومات الاستخبارية لأجهزة الدولة.

وينص قانون الاستخبارات الوطنية على أنه "يجب على أي منظمة أو مواطن أن يدعم ويساعد ويتعاون مع عمل استخبارات الدولة وفقًا للقانون، ويحافظ على سرية جميع المعلومات المتعلقة بعمل استخبارات الدولة".

عام 2021، أكد قانونان جديدان بشأن أمن البيانات، حق وصول الدولة الصينية خارج الحدود الإقليمية، إلى أي بيانات عن الصينيين في أي مكان بالعالم.

وبموجب القانون الصيني، يُطلب من المنظمات التي تضم أكثر من ثلاثة أعضاء حزبيين تشكيل خلية حزبية، تقدم تقاريرها مباشرة إلى بيروقراطية الحزب، وغالبًا ما تمارس السيطرة على القرارات التجارية.

وكمحاولة للانتشار أكثر، أنفقت "بايت دانس" عام 2018 ما يقرب من مليار دولار على الإعلان عن "تيك توك"، بميزانية تضاعفت ثلاثة أرباع متتالية.

 كما غطت "تيك توك"، منصات "فيس بوك" و"إنستغرام" و"سناب"، ومنصات الوسائط الاجتماعية الأمريكية الأخرى بالإعلانات.

وصعدت "تيك توك" وتيرتها مرة أخرى عام 2019، حيث ورد أنها خصصت 3 ملايين دولار يوميًا في الإعلانات الأمريكية وحدها، معظمها على "سناب".

نتيجة لذلك، فإنه منتصف عام 2019، تخطى التطبيق 100 مليون مستخدم يوميًا في العالم، وكان سببًا في صنع العديد من نجوم الغناء، أبرزهم المغني الأمريكي ليل ناز إكس.

ومع دفع الوباء دولًا بأكملها إلى الإغلاق عام 2020، ازدهر "تيك توك" كما لم يحدث من قبل.

ووفقًا لتقارير صحيفة الأعمال الصينية، اكتسبت منصة تيك توك 110 ملايين مستخدم يوميًا في المتوسط، ​​بين مارس وأبريل.

 ففي العراق -على سبيل المثال- أحصت "تيك توك" 40 في المئة من عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهاتف المحمول في البلاد، كمستخدمين نشطين شهريًا، رغم عدم إجراء أي إعلانات أو ترويج أو توعية هناك.

بينما قدّرت شركة أبتوبيا لاستخبارات الأجهزة المحمولة أن "تيك توك" تم تنزيله 89 مليون مرة في الولايات المتحدة عام 2020، متجاوزًا حتى موقع زووم لخدمات الفيديو.

وفي النصف الأول من هذا العام، وفقًا لشركة الأبحاث سينسور تاور، تم تنزيل التطبيق أكثر من 620 مليون مرة في العالم.

 

مخاوف أمريكية

أمام الانتشار غير المسبوق لشركات التكنولوجيا الصينية في الولايات المتحدة، ضغط زوكربيرج على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال مأدبة عشاء بشأن التهديد الذي تتعرض له الشركات الأمريكية، من شركات الإنترنت الصينية.

في المقابل، افتتحت "تيك توك" -رغم ضغوط "فيس بوك" على الإدارة الأمريكية آنذاك- مكتبًا في واشنطن، كمحاولة لتوسيع انتشارها أكثر داخل الولايات المتحدة.

وأمام تقاطع ثلاث من أكثر القضايا إثارة للجدل في السياسة الأمريكية -الصين والتكنولوجيا الكبيرة ووسائل التواصل الاجتماعي- أدركت "تيك توك" أنها ستواجه تدقيقًا ومراقبة غير عادية.

منتصف يوليو 2020، خلال اجتماع للرئيس ترامب ونائبه مايك بنس مع عدد من أعضاء حكومته بالبيت الأبيض، كان من الواضح أن هناك إجماعًا إلى حد ما على أن "تيك توك" يمثل تهديدًا للأمن القومي، ودار نقاش عن كيفية التعامل مع التطبيق.

عام 2020، أثارت هيمنة "تيك توك" المتزايدة قلقين رئيسين...

أولاً: أن البيانات التي تم جمعها عن المستخدمين الأمريكيين، يمكن الوصول إليها من قِبل بكين ونشرها لأغراض الابتزاز أو المضايقة أو التجسس.

ثانيًا: يمكن استخدام الخوارزمية نفسها لتعزيز أهداف السياسة الخارجية للحكومة الصينية، سواء من خلال الترويج لمحتوى مؤيد لبكين، أم من خلال قمع الآراء التي تعد مرفوضة.

أمام ذلك، نظرت حكومة ترامب في ثلاثة خيارات...

الأول: السماح للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بأخذ زمام المبادرة، وفتح تحقيق عن مخاطر وجود "تيك توك" بالبلاد، ثم تقدم اللجنة توصية إلى الرئيس، تقترح إما سحب الاستثمارات، وإما اتخاذ بعض التدابير التي يمكن أن تهدئ مخاوف الحكومة.

الخيار الثاني، حسب الصحيفة الأمريكية، الذي يفضله وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، ستيفن منوشين: السماح لـ "تيك توك" بالبقاء كشركة صينية ولكن تعمل بالشراكة مع شركة أمريكية، ستستضيف خوادم البيانات الخاصة بها على الأراضي الأمريكية.

 بينما كان الخيار الثالث: الحظر التام للتطبيق، على غرار الهند، وهو الخيار الذي أيده ترامب في ما بعد.

وردًا على الحظر، اجتمع تشانغ مع عدد من المستشارين والمستثمرين لبحث كيفية الرد، وكتب رسالة إلى موظفيه، كرر فيها رغبته في قيادة "شركة عالمية جديرة بالثقة".

بينما في الصين، تلقت رسالة تشانغ مئات الردود الحادة، التي أدانته باعتباره خائنًا وجبانًا وعميلًا أمريكيًا، إذ قال بعض المعلقين الغاضبين على الإنترنت، إن تشانغ بالكاد يستحق أن يُطلق عليه لقب صيني، وإنما كان "أمريكيًا حتى النخاع".

جاءت إدارة بايدن إلى السلطة واعدة بالتخلي عن سابقتها في الأسلوب والمضمون، لكن سياسة الصين -التكنولوجية الصينية على وجه الخصوص- مثلت تحديًا واضحًا.

وأصبحت إدارة بايدن -التي ألغت قرار الحظر الذي اتخذه ترامب- تنظر إلى التقدم التكنولوجي كلعبة يجب ألا تخسرها الولايات المتحدة.

 كان محور السياسة التقنية لبايدن مع الصين حتى الآن، اتخاذه مجموعة من القيود الشاملة على بيع رقائق أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا ومعدات تصنيع الرقائق إلى الصين.

وتعد أشباه الموصلات شريان الحياة في العصر الرقمي، فهي تدعم كل صناعة ومجال تتنافس فيه الولايات المتحدة والصين، من السيارات ذاتية القيادة إلى الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة والصواريخ المتقدمة.

ولكن لإخماد انتشار شركات التكنولوجيا الصينية داخل الولايات المتحدة، قررت إدارة بايدن وضع سياسة يلزم بموجبها أي شخص -المواطنون والمقيمون الدائمون وأي شخص يعيش في الدولة والشركات الأمريكية- بالحصول على ترخيص حكومي للعمل مع شركة صينية في مجال إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة.

بالتزامن مع ذلك، واصل "فيس بوك" -الذي أُعيدت تسميته إلى ميتا عام 2021- ضغوطه على واشنطن لوقف "تيك توك".

 ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني التي اطلعت عليها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، استعانت الشركة بواحدة من أكبر شركات الاستشارات الجمهورية في البلاد لقيادة حملة علاقات عامة ضد "تيك توك".

صيف 2021، كُشف عن أنه بإمكان موظفي "تيك توك" المقيمين في الصين، الوصول إلى البيانات الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين بشكل طبيعي.

وبعد فترة وجيزة، ذكرت باز فيد -وهي شركة أمريكية لإعلام الإنترنت- أن "بايت دانس" استخدمت "توب باز"، وهو تطبيق إخباري أمريكي مغلق على غرار "توتياو"، لدفع المحتوى المؤيد للصين للمستخدمين، مع فرض الرقابة أيضًا على القصص التي تنتقد بكين.

من جانبه، وفي سلسلة من التغريدات، اتهم موقع فوربس، منصة تيك توك بمخالفة جزء حيوي من تعهدها، الذي ينص على أن "تيك توك لا تجمع معلومات دقيقة عن الموقع الجغرافي من المستخدمين الأمريكيين".

 

وذكر الموقع أن الفريق الذي يقف وراء مشروع المراقبة، جزء من قسم التدقيق الداخلي ومراقبة المخاطر في شركة بايت دانس مالكة منصة تيك توك.

وأوضح "فوربس" أن فريق التدقيق الداخلي -المُكلف عادةً بمراقبة أولئك الذين يعملون حاليًا في الشركة، أو الذين عملوا في الشركة- خطط لمراقبة اثنين على الأقل من الأمريكيين "لم تكن لهما علاقة عمل مع الشركة ".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن هذه الاتهامات أدت إلى تضخيم المخاوف الأمريكية من أنه لا يمكن الوثوق بتطبيق تيك توك بشأن تعرفها إلى بيانات المواطنين.

ما زاد هذه المخاوف -حسب الصحيفة الأمريكية- استحواذ الحكومة الصينية لاحقًا على حصة ملكية في شركة تابعة لشركة بايت دانس المالكة لـ"تيك توك"، إذ حصلت الشركة الفرعية على تراخيص تشغيل لبعض أهم الشركات الصينية للشركة.

ورغم أن حجم الحصة كان صغيرًا -1 في الماة فقط- مقسمًا بين صندوق الاستثمار الصيني عبر الإنترنت ومجموعة وسائل الإعلام الصينية، التي يسيطر عليها قسم الدعاية للحزب الشيوعي، والذراع الاستثمارية لحكومة بلدية بكين، فإن التداعيات كانت كبيرة، خصوصًا أن الاتفاق منح الحكومة الصينية أحد المقاعد الثلاثة في مجلس إدارة الشركة الفرعية، ومن ثمّ تمتعت بمستوى من النفوذ لا يتناسب مع حصتها الاسمية.

في ديسمبر الجاري، اعترفت شركة بايت دانس المالكة لمنصة تيك توك، بأن بعض الموظفين في "تيك توك" وصلوا إلى بيانات اثنين من الصحفيين الأمريكيين.

وبحسب مذكرة للشركة المالكة لتطبيق التواصل الاجتماعي، نقلتها وكالتا بلومبرج ورويترز، وصحيفة نيويورك تايمز، أن الموظفين اللذين وصلا لبيانات المستخدمين لم يعودا يعملان في الشركة.

وأشارت "بايت دانس" إلى أن الموظفين وصلا إلى البيانات في إطار محاولة فاشلة للتحقيق في تسرب معلومات الشركة، حيث كانا يهدفان إلى تحديد الاتصالات المحتملة بين اثنين من الصحفيين وموظفي "تيك توك".

ومن شأن هذا التطور أن يزيد الضغط الذي تواجهه "تيك توك" في الولايات المتحدة من المشرِّعين في الكونغرس وإدارة الرئيس بايدن، بشأن المخاوف الأمنية حيال بيانات المستخدمين الأمريكيين.